راديو الاهرام

نظام دولي يخلو من الميليشيات

3-8-2022 | 11:03
الأهرام العربي نقلاً عن

المسألة الأوكرانية آخر حجر فى جدار النظام الدولى القديم، ومع نهايتها، وقد أوشكت، سيسقط نظام القطب الواحد، سيصبح أثرًا بعد عين.

الشاهد، أنه كان نظامًا يجافى المنطق، يعادى العدالة، كان يمكن أن يتعلم الدرس بعد حربين عالميتين فى غضون أربعين عاما، لكنه لم يفعل، راح يكرر نفس المأساة، يغزو دولا وطنية مستقلة، يريد أن يجعل الكرة الأرضية على نمط واحد بالقوة.

فشل هذا النظام فشلًا ذريعًا، غير أنه لا يزال يقاوم، ويستخدم نفس الأدوات المجربة زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب.

لا شك أن مسألة أوكرانيا واحدة من موروثات الحرب الباردة، فكما نشاهد تستخدم فيها نفس أدوات الإعلام والدعاية، مع وجود خلطة سرية من الأسلحة فائقة الذكاء، واستعمال الثورة الصناعية الرابعة بلا حدود، مع إطلاق الخيال لحرب الجيل السادس.

هناك أيضا ذلك الاعتقاد الموروث والمجرب بأن ثقافة الحصار والمنع، وتجميد الأموال، وعدم تبادل السلع، وتحريم ثقافة الخصم، كلها أدوات لا تزال صالحة فى المسألة الأوكرانية.

ضمن التكرار الذى لا يعلم الشطار نجد مسألة تكوين الميليشيات الدولية المستوحاة من عالم أفغانستان، ونجد فكرة نظرية إدامة المعركة أطول زمن ممكن، ونجد لعبة تصدير الأسلحة إلى مسارح العمليات، ونجد تشكيل فيلق عالمى متطوع للقتال إلى جانب الحليف، أليس كل هذا ما كان يجرى فى أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، ولا يزال يستخدم عبر ما يسمى الفوضى الخلاقة؟

النظام القديم، برغم أنه قام على ميثاق الأمم المتحدة، والذى بدوره نص على احترام سيادة الدول، وتأكيد استقلالها، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وعدم فرض أى نمط على قرارها الوطني، فإنه لم ينفذ أيا من هذا الكلام «الجميل»، وكان كل ذلك حبرا على ورق.

كان نظاما يستخدم الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كيفما شاء، ويعجز عن استخدامه ضد الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين، يبدو هذا العجز واضحا فى مسألة أوكرانيا، وهو يعلم ويدرك أنه لن يستطيع أن يتخيل، مجرد خيال، أن هذا يمكن أن يحدث فى حالة الدب الروسى.

 كان هذا النظام، ولا يزال ينتصر فقط فى المناطق الرخوة، عبر السماح بتشكيل ميليشيات داخل الدول الوطنية، وإمدادها بالأموال والسلاح، وتدعيمها بوسائل الإعلام، وغالبا ما يطلق عليها «مقاتلون من أجل الحرية» من باب التدليل السياسى.

لم يعد فى جعبة هذا النظام ذخيرة جديدة، هو يعرف أنه استنفد كل أغراضه، لكن بقاياه لا تزال تقاوم بضراوة، خوفا من ضياع فلسفة نجح بها على مدى قرون طويلة، وهى أنه نمط فريد يجب أن يسود العالم، وأنه نمط ثقافى واجتماعى واقتصادى وحيد، صالح للاستخدام فى كل زمان وكل مكان، ومن يخرج عليه، فإنه يستحق الاصطدام بالفوضى الخلاقة، وإشعال الحروب الأهلية، وانفجار الصراعات الاجتماعية.

المسألة الأوكرانية كشفت هشاشة هذا النظام، وضعته فى المكان الحقيقى، أى فى كتب التاريخ، فهو لم يعد قادرًا حتى على التعبير عن نفسه إلا فى وسائل الإعلام، وعلى ألسنة بعض محلليه المؤمنين بانتصاره كالعادة.

لكنه لن يستعاد مرة أخرى، ولن يكون هناك قطب واحد أو اثنان أو ثلاثة، بل ستتعدد الأقطاب، وفى اعتقادى أن الإقليم العربى مرشح لأن يكون قلب هذه الأقطاب، داخل نظام جديد لا يقوم على تشكيل ميليشيات عابرة للحدود أو الثقافات.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة