غذاء مفيد للإنسان والحيوان وطوق نجاة لمستقبل الأمن الغذائي
موضوعات مقترحة
مثل الشمندر والسبانخ وكوم العشب.. ربما لا يعرف الكثيرون أن نبات الكينوا من المحاصيل الصالحة للأكل، حيث تنتمى جميعًا إلى الفصيلة القطيفية، كما تؤكل أوراقها كخضراوات، ولكن التسويق التجارى لها كخضراوات ورقية محدود حاليًا، وتستخدم كأعلاف حيوانية جيدة، وتعتبر أفضل من تبن القمح والشعير من ناحية القيمة الغذائية كخامات علفية، ما يعنى أنها صالحة للاستهلاك الآدمى والحيوانى.
ومما لا شك فيه، أن مستقبل الأمن الغذائى بات يشكل تحديًا عالميًا أساسيًا، مع تلاحق الأزمات العالمية من جائحة كورونا ثم الأزمة الأوكرانية، اللتان وجهتا ضربات قوية للاقتصادات وسلاسل الإمداد، لذلك يعتبر نبات الكينوا من أكثر المحاصيل الواعدة في المناطق الهامشية ذات الموارد الطبيعية المحدودة مثل الأراضى المتأثرة بالملوحة ومياه الرى المالحة، كما أنه يتمتع بقدرة تحمل عالية تمكنه من النمو بالأماكن التي تعجز المحاصيل الأخرى عن النمو فيها، حيث يزرع على ارتفاعات تصل حتى ٤٥٠٠ متر فوق سطح البحر، ويتحمل تغيرات درجات الحرارة الكبيرة على مدار اليوم، ويعطى إنتاجًا حتى بكمية قليلة من مياه الأمطار التي لا تتجاوز ٣٠٠ مم، كما أن فترة إنتاجيته قصيرة المدى لا تتعدى أربعة شهور حتى مرحلة النضج النهائى، بالإضافة إلى أن احتياجات زراعة الكينوا من الأسمدة تعادل ثلث احتياجات القمح.
كل ذلك جعل الخبراء يرشحونه لكي يكون نبات المستقبل في الأراضى الهامشية بمصر، مطالبين بضرورة إنتاج أنواع جديدة من هذا النبات، نظرا لأهميته الاستراتيجية الكبيرة.
«النباتات الملحية حلول لنقص الغذاء».. هكذا بدأ الدكتور حسن الشاعر نائب رئيس مركز بحوث الصحراء سابقا ومدير مركز التميز المصرى للزراعة الملحية، حديثه معنا، مضيفًا أن مشاكل نقص الأعلاف تحل أيضا بزراعة المحاصيل الملحية، فهى مصدر للغذاء والزيوت والبروتين، ويستخدم الإنتاج الأخضر، منها لتغذية الحيوانات والحبوب، تتطحن وتخلط مع القمح، وتعطى إنتاجية عالية مثل محصول الدخن يستخدم المجموع الخضري للنبات كعلف للحيوانات، ويعطى من 2-3 حشات، ويستخدم القش بعد الحصول على الحبوب في تغذية الحيوانات، ويؤدى ذلك إلى زيادة دخل المزارع، وبذور الدخن حصلنا منه على أربع سلالات ولم يتم تسجيلهم فى وزارة الزراعة بسبب البيروقراطية.
ويستطرد قائلا: النباتات المتحملة للملوحة، مثل الكينوا والشوفان واللوبيا والشعير، وهناك أصناف تزرع منها فى الشتاء وأخرى فى الصيف وهى تتحمل الملوحة العالية، فمثلا نبات الكينوا، يتحمل 6 آلاف جزء فى المليون من الملوحة، ومكتملة غذائية، حيث تحتوي الكينوا على جميع الأحماض الأمينية الضرورية وبالتالي فإنها تعد بروتيننا كاملاً ولكنها أسهل كثيراً في هضمها من بروتينات اللحوم وبها محتوى أقل كثيراً من الدهون.
وأضاف أن حبوب الكينوا من حبوب الطاقة الغنية بالمغذيات الطبيعية التي تزود الجسم بالطاقة، ونظرًا لفوائدها العديدة كانت تلقب بأم جميع الحبوب، وتعتبر بديل للقمح ويمكن استخدامها بنسبة 30%، مؤكدًا أنه أفضل من البطاطا لأنها تزرع ثلاث شهور وتحتاج للمياه وغير مكتملة غذائيا لاحتوائها على الكربوهيدرات، وأيضا نبات الدخن ويستخدم مع القمح بنسبة 20% والشوفان 40%، وأيضا نبات الجوجوبا ويسمى الدهب الأخضر، والذي يعتبر مصدر للزيوت الصناعية، كما يستخدم فى صناعة السيلاج وأعلاف الحيوانات.
وأضاف أن هناك أيضا القمح الصلب الذى يتحمل الملوحة، ويتم زراعته بمحافظتي بنى سويف والوادى الجديد، وله إنتاجية كبيرة ويمكن استخدامه فى صناعة المكرونة، متسائلًا عن أسباب استيراد القمح ومصر تمتلك البديل المثالي، مضيفًا أن المركز دشن بالوادي الجديد 300 مزرعة استرشادية، وتم تعليم السيدات استخدام الكينوا فى المعجنات بنسبة 100% بدون قمح، وتم تصنيع العيش الفينو والكيك والسبلية والبقسماط وقد حاز الطعم على إعجاب الجميع وكل سيدة اشتركت فى الدورة علمت سيدات أخريات.
وحذر «الشاعر» من مشكلة الشح المائى لمصر، قائلًا إنه نظرًا لأن مصر تواجه شحًا كبيرًا في المياه، فضلًا عن تملح قرابة من 25 إلى 40% من أراضيها الزراعية المروية، فإنه من الضرورى تبنى المزارعين محاصيل استراتيجية تتحمل ملوحة التربة ومياه الرى واحتياجاتها المائية قليلة وبديلة للمحاصيل التقليدية ومتكيفة مناخيًا لتوفير الغذاء الآمن والصحى للمزارعين بأسعار اقتصادية، وتوفير المياه العذبة للاستهلاك الآدمى مثل الكينوا والتى يمكن أن تكون بديلا لمحصول الأرز، وأيضا غذاء تكميليا يضاف إلى القمح لتصنيع كافة المخبوزات والمأكولات كما هو متبع في كل الدول بالأمريكتين.
وقال إنه تم السعى لاستنباط مزيد من الطرز الوراثية المتكيفة والإدارة المثلى للموارد، فضلًا عن تحسين الإنتاج النباتى والحيوانى، ومن بين أولويات النهج المذكور ضمان توافر بذور محاصيل متكيفة مع المناخ، لا تتوفر على الساحة التجارية، وبالتالى ساعد المشروع على إرساء أسس نظام لإنتاج البذور المتحملة الملوحة للإيفاء بالطلب المتزايد عليها من جانب المزارعين.
وأوضح أن أكثر ما يميز الكينوا ليس فقط تحملها لملوحة مياه الرى حتى 6000 جزء في المليون ملوحة كلية، بل إن هناك بعض أنواع الكينوا التي تزدهر في التربة المالحة، ويوجد مئات الأنواع المختلفة للكينوا، ولكن لم يتم بعد اكتشاف قيمتها الإنتاجية والغذائية، مشيرا إلى أن بداية نشأة الكينوا تعود إلى القارة الأمريكية الجنوبية، حيث حظى بمكانة خاصة في حضارة الأنديز القديمة، وفى السبعينيات من القرن الماضى بدأ العالم يدرك مدى أهمية الكينوا وخصائصه المميزة بالإضافة لقيمته الغذائية المرتفعة، وعليه بدأ انتشاره في باقى أنحاء العالم.
وكشف الدكتور حسن الشاعر، عن أن كثيرا من علماء الزراعة اهتموا بإدخال هذا المحصول في التراكيب المحصولية لدولهم بسبب ارتفاع قيمته الغذائية وفوائده العديدة، وفى مصر تم تجريب المحصول في 2005 في وادى سدر بسيناء الجنوبية ومنطقة نويبع في سيناء الجنوبية بمساحة فدان، حيث زرعت 13 سلالة من طرازين مختلفين، أحدهما مبكر النضج والآخر متأخر النضج، ونجحت زراعة كل من الطرازين حيث بقى المحصول في الطراز المبكر من شهر يناير حتى منتصف أبريل والآخر بقى لأول مايو، وتم الحصاد بقطع القناديل يدويا وفرك الحبوب وغسلها لإزالة مادة السابونين ثم تجفيفها، واختلفت كمية المحصول وفقا للسلالات، حيث تراوحت على المستوى التجريبى بين 0.75- 1 طن للفدان.
وعن الوصف النباتى والزراعة للكينوا، يقول مدير مركز التميز المصرى للزراعة الملحية، إن نبات الكينوا يصل طوله 1 : 1.5 متر ويعيش في الأرض من 90 : 120 يومًا، وأن أوراقه تشبه أوراق السبانخ ويحمل في قمم الأفرع قناديل الحبوب تشبه قناديل الذرة الرفيعة، والحبوب والأوراق ذات ألوان مختلفة كالأخضر والأحمر والأزرق والبنفسجى والأسود، والحبوب صغيرة قطرها 3 مم، وله ثلاثة أنواع رئيسية هي: الحبوب البيضاء، والحبوب الحمراء، والحبوب السوداء، ويزرع المحصول بكثافة نباتية قدرها 100- 120 ألف نبات / فدان، كما يحتاج المحصول في الأراضى المروية إلى 33% من كميات مياه الرى اللازمة لمحصول القمح، أي حوالى 1000م3 / فدان، أما في الأراضى الصحراوية وتحت نظام الرى بالتنقيط، فإن الفدان الواحد يحتاج حوالى 800 متر مكعب مياه الرى.
ولفت إلى أنه تحتوى حبوب هذا المحصول على نسبة عالية من البروتين 16- 18%، في حين لا تزيد في حبوب القمح على 13%، ويتواجد الحامض الأمينى الليسين في بروتين الحبوب بنسبة تعادل ضعف المتواجد منه في بروتين القمح، كما يتواجد الحامض الأمينى مثيونين والسستين في حبوبه في الوقت الذي تنقص فيه نسبة هذه الأحماض بقدر كبير في البقوليات تحتوى الحبوب أيضا على نسبة عالية من كافة المعادن الضرورية للغذاء تفوق المتواجدة في باقى الحبوب، كما تحتوى حبوب الكينوا على نسبة عالية من فيتامين B والثيامين وفيتامين E، ونظرا للقيمة الغذائية العالية لهذه الحبوب استخدمتها وكالة الفضاء ناسا كغذاء متوازن وكامل لرواد سفن الفضاء.
وتشير الدراسات إلى وجود تأثير طبى مفيد لبعض أمراض المعدة والحمى ولكنها تحتاج لدراسة طبية مستفيضة، كما يستخدم الزيت في الغذاء، وهو يقارب في قيمته الغذائية زيت الذرة، ويفضل الذرة في قدرته على البقاء دون تزنخ فترة أطول، كما لا تتواجد به النسبة المتعاكسة بين كمية المحصول ونسبة الزيت كما في الحبوب الزيتية الأخرى.