- د.أسامة طلعت: تعرفنا على مسار العائلة المقدسة من كتب تسمى "الميامر"
- العميد هشام سمير: افتتاح كل نقطة من المسار فور الانتهاء من تطويرها
- المهندس عادل الجندي: تسجيل مسار العائلة المقدسة على قائمة التراث العالمي
يعد مشروع إعادة إحياء مسار العائلة المقدسة، أحد أهم المشروعات القومية التى تشرف عليها وزارة السياحة والآثار، بالتعاون والتنسيق مع مجموعة من الجهات المعنية بالدولة، وعلى رأسها رئاسة مجلس الوزراء والمحافظات، ليكون مشروعا سياحيا روحانيا ودينيا يجذب ملايين السياح، وهدية مصر للعالم فى مجال السياحة الدينية، حيث تنفرد مصر بهذا المسار، الذى يضم 25 نقطة ما بين محطة ذهاب وعودة من محافظة سيناء حتى محافظة أسيوط، منها 8 مواقع مسجلة فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية. ويعد أحدث ما تم فى هذا المشروع افتتاح 4 نقاط وهى مدينة تل الفرما بمنطقة آثار شمال سيناء، وموقع بئر تل بسطا بالشرقية، وكنيسة العذراء والشهيد أبانوب بمنطقة آثار سمنود، وأديرة وادى النطرون.. فى السطور التالية نرصد أحدث ما تم التوصل إليه فى هذا المشروع.
يقول د. أسامة طلعت، مدير الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية: مشروع إعادة إحياء مسار العائلة المقدسة من ضمن المشروعات التى تهتم بها الدولة بشكل خاص، وبتوجيه من رئاسة الجمهورية وبإشراف مباشر من رئاسة مجلس الوزراء، يضم المسار 25 نقطة سياحية بمختلف المحافظات، ومن ضمنها 8 نقاط أثرية مسجلة لدينا، ونعمل على ترميمها بمختلف المحافظات. وكان أول من بدأ تحديد تلك النقاط واعتماد هذه الخريطة الكنيسة القبطية، لأنه أمر دينى تحت إشراف البابا شنودة الثالث وتم اعتماد تلك الخريطة فى عام 2017، ثم إرسالها إلى الفاتيكان للاطلاع عليها باعتبارها رحلة حج للمسيحيين فى مختلف أنحاء العالم لأهمية المكانة الدينية والعقائدية لهذا المسار، ثم الاستفادة منه والاستثمار السياحى له.
ويضيف: نحن كوزارة آثار نعمل بالتوازى مع جميع الجهات المعنية، خصوصا وزارة التنمية المحلية التى تقوم بالعمل على تأهيل الطريق بجميع المحافظات، واستكمال وتأهيل كل بنود تطوير خط المسار، وإعداده للزيارة ووضع البرامج السياحية الدولية.. فنحن مسجل لدينا 8 نقاط محددة أثرياً من الـ25 نقطة الخاصة بالمسار على الخريطة، وهى كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبانوب بسمنود، محافظة الغربية، شجرة مريم بالمطرية، والبئر المقدس بتل بسطا، وكنيسة السيدة العذراء بجبل الطير بالمنيا، ودير المحرق البرج والحصن والكنيسة الأثرية بأسيوط.
هذه هى أشهر النقاط المعتمدة كآثار، كما أوشكنا على افتتاح بعضها قريباً.. ويحتوى كل موقع حلت به العائلة على مجموعة من الآثار، سواء فى صورة كنائس أم أديرة أم آبار للمياه، وهناك مجموعة من الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع، ومن أهم الأسباب التى ساعدتنا فى التعرف على مسار العائلة المقدسة وخلفياته التاريخية، كانت من خلال كتب تسمى «الميامر» القبطية، وهى كتب سجلت عن طريق الحكى أو الإملاء من أشخاص كبار بالكنيسة، ومن أهم هذه الميامر، الميمر الخاص باسم الأنبا زخارياس أسقف سخا باسم “رحلة العائلة المقدسة لمصر”، ووثيقة الأخ وديع الفرنسيسكانى، من خلال مخطوط بالمتحف القبطى.
ووفقاً للمصادر اللاهوتية والدينية، فإن المسيح عليه السلام كان عمره ما بين عام ونصف العام إلى عامين حينما أتى إلى مصر، وهناك أيقونة شهيرة تعتبر أيقونة المسار، وهى عبارة عن رسوم تظهر فيها السيدة مريم العذراء تحمل السيد المسيح، وتمتطى حمارا وبجوارهما يوسف النجار.
ومرت العائلة المقدسة أيضاً بمنطقة عين شمس، ومنطقة مصر القديمة، ووادى النطرون، إلى جانب عدد من المناطق الأخرى، حتى وصلت إلى دير السيدة العذراء درنكة، بمحافظة أسيوط جنوب مصر، وهناك أيضاً نقاط للمسار ومنها القديسة دميانة ببرارى بلقاس، استغرقت الرحلة 5 سنوات حتى مغادرة مصر، وقدرت المسافة بحوالى 3500 كيلو متر ذهابا وإيابا.
وبدأت رحلة دخول العائلة المقدسة من رفح بالشمال الشرقى للبلاد، مروراً بالفرما شرق بورسعيد، وإقليم الدلتا عند سخا بكفر الشيخ، وتل بسطا بالشرقية، وسمنود بالغربية، ثم انتقلت إلى وادى النطرون فى الصحراء الغربية، حيث أديرة الأنبا بيشوى والسيدة العذراء «السريان»، والبراموس، والقديس أبو مقار.
ثم اتجهت بعد ذلك إلى منطقة مسطرد والمطرية حيث توجد شجرة مريم، ثم كنيسة زويلة بالقاهرة الفاطمية، ثم مناطق مصر القديمة عند كنيسة أبوسرجة فى وسط مجمع الأديان.
ومنها إلى كنيسة المعادى، التى تعد من النقاط السياحية، وليست الأثرية، فكنيسة السيدة العذراء بالمعادي، هى التى عبرت منها العائلة المقدسة النيل، متوجهة إلى ميت رهينة ثم إلى الصعيد، وهى نقطة عبور العائلة المقدسة نهر النيل.
ثم وصلت إلى المنيا حيث نقطة جبل الطير، التى تقع فيه كنيسة السيدة العذراء على قمة الجبل الملاصق للنيل، وتعد أحد أهم المزارات الخاصة بالعائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر بعد دير المحرق، وقد سمى هذا الجبل بجبل الطير نسبة إلى أنه كان يتردد عليه مجموعة كبيرة من الطيور تسمى البوقوس الأبيض، وكذلك عرف أيضاً باسم جبل الكهف ودير البكرة.
ثم الاتجاه إلى نقطة أسيوط، حيث يوجد بها دير المحرق وفيه أول كنيسة دشنها السيد المسيح بيده، كما يعد من أكبر وأعظم الأديرة فى الصحارى المصرية، لأنه يضم خمس كنائس، بالإضافة إلى كنيسة الحصن، واندثرت اثنتان منها فى عصور غابرة، وتعد كنيسة السيدة العذراء الأثرية أقدم من الدير، حيث ترجع إلى القرن الأول للميلاد.
ويوضح طلعت، أن وزارة السياحة والآثار قامت أيضاً بالتنسيق مع جميع المحافظات الواقع فيها نقاط للمسار، لإعداد مخطط سياحى لمنطقة نبع الحمراء لاستغلالها فى أغراض السياحة البيئية والسياحة العلاجية والسياحة الروحانية، بوصفها نقطة من نقاط المسار ومجاورة للأديرة، وأن أعمال الترميم أديرة وادى النطرون بدأت عام 2016، وتحديداً فى دير أبو مقار تمت أعمال الترميم بكنيسة الشيوخ داخل الدير، كنيسة أباسخيرون، وفى دير القديس الأنبا بيشوى، تم الانتهاء من ترميم كل من كنيسة الرهبان والقلالى الأثرية الملاصقة للسور الجنوبي، والطاحونة الأثرية، والانتهاء من ترميم كنيسة الأنبا بيشوى .
كما تم الانتهاء من ترميم الكنيسة الرئيسية فى دير العذراء البراموس، وكذا ترميم الجزء الشرقى من السور الأثرى للدير، كما تم الانتهاء من ترميم كنيسة العذراء وكنيسة الأربعين بدير العذراء السريان، وكذلك الانتهاء من ترميم القلالى الحديثة الملاصقة للسور الشمالى للدير.
وفى عام 2016، وقبل افتتاح كنيسة الشهيد أبانوب بسمنود، محافظة الغربية، تدخلت التنمية المحلية ووزارة السياحة للارتقاء العمرانى بالميدان والمنطقة لاستقبال الزوار بشكل لائق، وتم افتتاحها كنقطة من نقاط المسار فى يناير 2021، وفى مارس من نفس العام تم افتتاح نقطة المسار فى سخا بكفر الشيخ، وفى نفس اليوم تم التوجه لمنطقة تل بسطا لافتتاح البئر المقدس، وفى أول شهر يونيو من كل عام تحتفل الكنيسة القبطية بدخول العائلة المقدسة مصر.
ويوضح العميد هشام سمير، مساعد وزير السياحة والآثار للشئون الهندسية، أن الانتهاء من العمل بكل نقطة فى المسار تختلف عن غيرها من النقاط، وتم افتتاح كل نقطة غير مرتبطة بغيرها من النقاط، فكل نقطة يتم الانتهاء من تطويرها، نقوم بافتتاحها، وهناك أماكن تحتاج إلى فترة أعمال أكبر من غيرها، وبالنسبة للتكلفة الخاصة بالمشروع فإن ما يطبق على المساجد يطبق على الكنائس من خلال الأوقاف القبطية المعنية بالإنفاق على ترميم الكنائس والأديرة.
لكن ما يتم من ترميم يكون تحت إشرافنا، فنحن جهة ولاية فنية فقط، كما تتم الاستعانة بالعاملين من مرممى وزارة الآثار فى هذا الشق. فقد أسهمت الوزارة بتقديم مبلغ 24 مليون جنيه، كمساهمة لتطوير نقطة المسار بوادى النطرون لرفع كفاءة الخدمات المقدمة للزائرين من المصريين والسائحين بنقاط مسار العائلة المقدسة فى البحيرة، حيث تم عمل مجموعة من المظلات ومقاعد الجلوس وتجهيز ساحات ديرى الأنبا بيشوى والسريان، كما تضمنت أعمال رفع كفاءة البنية السياحية، وأعمال ترميم دير الأنبا بيشوى، والانتهاء من تصميم مخطط لثلاث نقاط للخدمات السياحية.
وقدمت محافظة البحيرة من موازنتها الخاصة 55 مليون جنيه، وذلك لرفع كفاءة الطرق المؤدية للمسار بطول 24 كيلو مترا، والإنفاق على مختلف الأعمال من رصف وإنارة وتشجير ولوحات إرشادية.
وأيضا نعمل على الانتهاء من التجهيزات لثلاثة مواقع، بدءا من موقع شجرة مريم بمنطقة آثار المطرية، وكنيسة السيدة العذراء بجبل الطير بمحافظة المنيا، ودير السيدة العذراء «دير المحرق» بمحافظة أسيوط والافتتاح قريبا. وقد تجاوز إجمالى الإنفاق على تطوير تلك المناطق الأثرية نحو 130 مليون جنيه مصرى، بخلاف ملايين الجنيهات التى أنفقت على الطرق والبنية التحتية التى تخدم المسار.
وكذلك تم الانتهاء من أعمال المشروع بمدينة الفرما بشمال سيناء، التى استهدفت رصف الطريق المؤدى إلى موقع المدينة الأثرى من الطريق الرئيسى وإنارتها، ومسارات الزيارة داخل المنطقة الأثرية، وعمل منطقة انتظار للسيارات، وإنشاء بوابة الأمن والتذاكر وإنشاء خزانات مياه لتغذية المدينة الأثرية، وتم الانتهاء من أعمال الحفائر للكنيسة الغربية التذكارى بتل الفرما ومجمع كنائس الفرما الشرقية.
وقمنا فى عام 2016 بافتتاح كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبانوب بنسبة 100 %، التى تعتبر أحد المواقع الواقعة على مسار العائلة المقدسة .حيث تم تنفيذ مشروع ترميم متكامل للكنيسة تضمن كل أعمال الترميم الدقيق للعناصر المعمارية بالكنيسة وتم رفع كفاءة شبكة الكهرباء بالمنطقة المحيطة بالكنيسة.
ويضيف العميد سمير، بالنسبة لأعمال شجرة مريم بالمطرية، تم الانتهاء من استبدال بعض الدعامات الحاملة للشجرة عن طريق معهد الحرف الأثرية ووضع كشافات حول الشجرة، وتم تركيب سور خشبى حول الشجرة لحمايتها بشكل دائم .وتطهير البئر وتنقية المياه به، وتركيب الطلمبات والغاطس بموقع الشجرة بناء على المقايسة المعدة من قطاع المشروعات، وهى عبارة عن طلمبات تخفيض منسوب المياه الجوفية والصرف الصحى لإعادة عمل الشلال بالموقع، مع تطوير الشلال وزيادة فتحاته، وجار أيضاً العمل فى كنيسة العذراء مريم بحارة زويلة بالقاهرة الفاطمية، وهى مسجلة فى الآثار الإسلامية والقبطية، ونعمل على تطوير المحيط الخارجى وتنظيم حركة الدخول والخروج إلى الموقع، شاملا موقع معبد موسى بن ميمون، وذلك فى إطار التطوير الشامل الذى تقوم به محافظة القاهرة لتطوير منطقة الأزهر والحسين.
ويعمل المجلس الأعلى للآثار بترميم المواقع الأثرية الواقعة على هذا المسار، بالإضافة إلى تطوير الخدمات السياحية بها ورفع كفاءة الطرق المؤدية لها بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية وجهاز التنسيق الحضارى لتأهيل جميع نقاط مسار العائلة المقدسة. ونعمل حالياً على ترميم أديرة السريان والأنبا بيشوى والأنبا مقار، فى منطقة وادى النطرون فهو من ضمن النقاط التى باركتها العائلة المقدسة، وأيضا تم رصد ميزانية لها مخصصة بالتعاون معا. كما تم افتتاح مشروع تطوير موقع تل بسطا بالشرقية من سلسلة الافتتاحات التى وتقوم بها الوزارة، وذلك لاحتوائه على موقع البئر التى مرت فيها العائلة المقدسة يقع وسط منطقة أثرية تحيط بالبئر.
ويقول المهندس عادل الجندى منسق عام مشروع مسار العائلة المقدسة، إن عناصر التطوير لأى مقصد سياحى تشمل طريق الوصول إلى الموقع من خلال طريق سياحى مؤمن ومريح ومزود بالعلامات الإرشادية والمرورية فى كل المواقع، فعناصر المظهر الحضارى هى التى تعكس روحانية المكان الأثري. كما أن الفكرة ظهرت للنور فى نهاية عام 2013، بعد وجود إرادة سياسية تسعى لإظهار الصورة الحقيقية لمصر. وقد قمنا أيضاً بإعداد ملف كامل استغرق نحو عامين، يشمل موسوعة حول مسار العائلة المقدسة، وتم تشكيل لجنة قومية تضم خبراء من كل الجهات المعنية لإعداد هذا الملف لتقديمه إلى منظمة اليونسكو لتسجيل المسار فى قائمة التراث العالمى، وتسجيل أديرة وادى النطرون الأربعة على قائمة التراث العالمى، وذلك تحت إشراف الكنيسة المصرية خصوصا وأن مسار العائلة المقدسة من المنتجات السياحية التى تنفرد بها مصر والذى يتم الترويج لها عالميا.
وقامت وزارة السياحة والآثار بتطوير مواقع الآثار القبطية التى مرت بها العائلة المقدسة أثناء رحلتها فى مصر بعدة إجراءات توثيق وترميم وتطوير محطات رحلة العائلة المقدسة، وذلك بالإضافة إلى التوثيق على قائمة التراث العالمى بمنظمة اليونسكو للتراث غير المادى عام 2018.
وتهدف الوزارة من مشروع إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة، إلى تحقيق تنمية عمرانية على محور كبير خصوصا المجتمعات الفقيرة فى منطقتى الدلتا وصعيد مصر، وخلق مسارات للتنمية السياحية تضاف إلى المواقع الأثرية، والقضاء على ما يعرف بالسياحة الموسمية، حيث إن نقاط المسار يمكن زيارتها على مدار العام، بالإضافة إلى إطالة مدة إقامة السائح، وزيادة معدل إنفاقه، وزيادة العائد من النشاط السياحى على المجتمعات المحلية.
ويعتبر هذا المشروع من الهدايا العظيمة التى تقدمها مصر للعالم، فقد انتهينا من البنية الأساسية للمشروع فى عدد من المواقع تؤهل الزيارة بشكل مناسب، والخطوة الثانية وهى الأهم، أن الدولة شارفت على الانتهاء من الخريطة الاستثمارية التى توضح كيفية استفادة المستثمرين أو شركاء التنمية من هذا المشروع بعد ضمان الزيارة وعودة السياحة، وبالتالى عودة الفائدة على الاقتصاد الوطنى من العوائد السياحية، وعودة الفائدة على القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى والأهالى المحلية.
وعلى سبيل المثال تم الانتهاء من منطقة الفرما وجبل الطير، وأصبحت على استعداد تام لاستقبال الاستثمارات وطرح مشروعات، وتم وضع الحسابات الخاصة بالتكاليف والاستثمار، وتم وضع مخطط لمنطقة وادى النطرون ودير المحرق بأسيوط، ولاتزال الأعمال جارية فى كل النقاط، لإتاحة الأراضى لعمل مخططات تفصيلية وطرحها للاستثمار وجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى والأهالى للاستفادة منها.
وعلى هامش المشروع تم الموافقة على بناء الفنادق التى تتوافق مع طبيعة المنطقة، وعمل بازارات بالتعاون مع الجمعيات الأهلية، وتوفير أسواق لبيع منتجات الحرف اليدوية، وجلب جميع الصناع المحليين للمشاركة فى العادات والتقاليد الشعبية التى تمارس على هامش هذه النقاط لتكون الاستفادة مباشرة.