جنرالات الجروبات!

2-8-2022 | 15:49

أن تجد نفسك صباح كل يوم عضوًا في مئات الجروبات هو أمر يستحق الدراسة. 
 
ليس من حقك أن تبدي رأيك بدخول جروب ما على الواتس آب أو غيره، حقك الوحيد هو أن تغادر في هدوء وسلام، وحينما تعترض أو مجرد أن تتساءل عن صاحب هذا الجروب أو من تسبب في ضمك إليه لا تجد جوابًا.
 
العالم كله تحول إلى غرف مغلقة من السوشيال ميديا إلى "الكلوب هاوس" وغيره، العالم كله أصبح أسيرًا في غرف افتراضية مغلقة، فيها يعلو الصخب والضجيج، وتتعالى خلالها الأصوات وتتفتح الحناجر، وتخرج بعض الألفاظ غالبًا عن حدود الأدب واللياقة إلى الابتذال والتدني والسوقية، بلا ضابط أو حسيب.
 
ظاهرة فعلا تستحق الدراسة، وهي ظاهرة معلوماتية بالدرجة الأولى فمن المؤكد أن كل هذا التدفق من المعلومات يتم رصده بشكل أو بآخر، خاصة أن كل وسائل النيوميديا، هدفها بالدرجة الأولى، هو قياس الحالة النفسية والمزاجية، التي يعيشها رواد ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي.
 
هذه الوسائل تستخدم ليس فقط في قلب المعلومات، ولكن في الدفع بمعلومات أخرى خاطئة أو تشويه أفراد أو إلصاق تهم غير حقيقية بهم، بهدف النيل من سمعتهم، أو ضرب منتجات في حالات المنافسات التجارية  بالأسواق.
 
هناك حملات يتم الترويج لها بهذه الأساليب، وبعضها حقق نجاحًا كبيرًا في تشويه أفراد وجماعات وقتلهم معنويًا، وعندما يثبت العكس أو عدم صحة هذه المعلومات فإن الاعتذار - إن حدث - غالبًا لا يتعدى سطورًا قليلة ومحدودة!
 
وحشية "النيو ميديا"، تطال كل شيء، لا ثوابت ولا بديهيات، كل ما اكتسبه العالم من قيم ومبادئ، تنهار سريعًا أمام النيوميديا، التي لم تترك فرصة - ولو بسيطة - للتحري من دقة المعلومة وتاكيدها أو نفيها، أو على الأقل أن تعطي لصاحب الشأن أو الاختصاص حق الرد ليس دفاعًا عن نفسه، ولكن لمجرد التصحيح.
 
الجروبات أصبحت جزءًا رئيسيًا في حياتنا، هناك جروبات بالعمل وتتعدد وتتدرج حسب أهمية ومستوى المستخدم ودرجته الوظيفية، وهناك جروبات على مستوى المسكن من الكمباوند إلى الحي إلى المنطقة وحتى العمارة، التي تقطن بها.
 
هناك - أيضًا - جروبات للجمعيات والأحزاب والنوادي، وأخرى فئوية وبعضها للسيدات أو للرجال فقط، وبعضها متخصص في النكات والسخرية، وأخرى متخصصة في الرحلات والترفيه.
 
الكل يريد أن يتكلم، الكل يريد أن يدلو بدلوه، وكأننا في حالة صراع ومنافسة، لمن يثبت أن رأيه هو الصح، وأن اتباعه هو الأفضل.
 
كثيرًا ما تعجبني تعليقات الرئيس الراحل أنور السادات، التي أعتقد أنها - من وجهة نظري - تعبر عن مخزون عميق كان لدى هذا الزعيم الكبير.
 
 في أوائل عام 1972، كان الرئيس السادات قد وعد المصريين بأن الحرب قادمة، وتعلل بأن تأخر إقلاع الطائرات لتحقيق أهدافها، كان بسبب "الضباب"!
 
وقتها لم تكن هناك وسائل سوشيال ميديا ولا نيو ميديا، لكن كان هناك السلاح الأقوى وهو الضحك والنكات، ولأن الشعب المصري شعب "ابن نكتة"، فقد خرجت النكات تلقائيًا من كل مكان حتى إن المصريين أطلقوا على هذا العام "عام الضباب"! 

وقتها أطلق الرئيس السادات - رحمه الله - تعليقًا ووصفًا أراه من أعمق الأوصاف حينما شبه من يحللون الموقف العسكري وهم جالسون على المقاهي بأنهم "جنرالات المقاهي"، ولكن الذي لا يعلمه هؤلاء الذين يجلسون على المقاهي أن مقاييس الحرب لها زوايا ومعايير أخرى.
 
بعد شهور قليلة من إطلاق هذا التعليق من جانب الرئيس السادات، حققت مصر نصرها الكبير والعظيم في حرب أكتوبر المجيدة.
 
كنت أتمنى أن أستمع إلى رأي الرئيس السادات في النيو ميديا، ربما كان سيكون له تعليق آخر على "جنرالات الجروبات"، الذين يتحدثون في كل شيء وعن أي شيء.. المهم "الكلام وخلاص"!

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة