تشبه بعض الحوارات الجارية في فضاءات المؤسسات العالمية عن حث الدول النامية تجاه موضوعات تحول الطاقة، دروس قواعد إتيكيت تناول الطعام بالشوكة والسكينة مع وضع الفوطة أسفل الذقن والجلوس في وضع معتدل، لشخص يتضور جوعًا ولا يجد قوت يومه. كم يحتاج أصحاب الأصوات النحاسية معاينة الواقع بدلاً من صور الخيال.
يختلف مفهوم تحول الطاقة بين الدول وبعضها البعض بمقدار تفاوت مستوى الدخل. صعب علينا مقارنة خطط دولة متقدمة كالسويد، أو ألمانيا، مع أخري تقع في قلب الصحراء الكبرى بالقارة الإفريقية، حيث لا تتجاوز نسبة الوصول إلى الكهرباء 5%.
يطمح المواطن السويدي إلى شحن هاتفه وسيارته الكهربائية لاسلكيًا، ويحلم نظيره الإفريقي بمصباح يرتعش ضوؤه ولو هلعًا في المساءات الحزينة. ويتطلع المواطن الألماني إلى التواصل حسيًا وفكريًا مع نظم الطاقة في المنزل والمصنع، وتشاغل مواطن دول الصحراء الكبرى أمنيات ملامسة زر النور وسماع تكته.
بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أيرينا، هناك 570 مليون شخص يفتقرون إلى الكهرباء، يمثلون 53% من سكان القارة، وأكثر من 900 مليون شخص يفتقرون إلى وقود الطهي الحديث، ويعتمدون على الكتلة الحيوية والمخلفات. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ كيف يكون مستوي المعيشة والخدمات في تلك البلدان.
عالميًا، تقدر تكاليف الحد من تغير المناخ حتى العام 2050 بنحو 4 تريليونات دولار سنويًا، تمثل حوالي 5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. تكلفة باهظة تنتظر وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها المكررة –دون جدوى- في مؤتمرات المناخ.
ألقت أوروبا نظارتها الخضراء جانبًا واستبدلتها بأخري فحمية اللون وراحت تقلب في كتاب الطاقة على إيقاعات طبول الحرب، بينما ترسم حرائق الغابات في خلفية المشهد ظلالاً رمادية عبثية. شيئًا فشيئًا تتخلي أوروبا عن فستانها الأخضر اليانع ليحل محله لونٌ كالح، يذكرنا بتهديدات تغير المناخ وضرورة تبني إجراءات أكثر جدية اعتمادًا على الطاقة المتجددة. نرجو ألا يسجل مؤتمر المناخ القادم بداية تاريخ التفريط الأوروبي في البيئة.
بالعودة لمصطلح تحول الطاقة، تعج التقارير والدراسات بالفهم التام والإلمام بكامل تحديات تحول الطاقة في العديد من البلدان، ليكمن التحدي الأبرز في مهارة إقناع متخذي القرار في تلك الدول بإيجابيات دمج الطاقات المتجددة في نسيج الطاقة الوطني.
تقترب استثمارات الطاقة المتجددة العالمية من 300 مليار دولار سنويًا، بالكاد أنفقت إفريقيا ستة مليارات فقط، حوالي 2%، جاء أغلبها من مصر والمغرب وجنوب إفريقيا وكينيا. ومع تدني نسبة الاستثمار، إلا أنها تشير أيضًا إلى فرص الاستثمار الكبيرة في إفريقيا، مما يجعلها بحق (قارة الفرص)، إذا رُصدت الأهداف وحُدِدَت المعوقات.
التشريعات وحدها لا تكفي ما لم تقترن بإرادة سياسية تترجمها إلى استثمارات تستبدل البطالة بالعمالة، وتزيح التخلف وتصدر التقدم المقرون بنمو الناتج القومي المحلي. استثمارات تراعي تنويع حجم السلال بأن تشمل مشروعات صغيرة ومتوسطة تخاطب المستثمر المحلي، وأخرى كبرى تجذب الشركات الدولية والعابرة للقارات.
أيضًا، يتصور الكثيرون قصور مفهوم تحول الطاقة على قطاع الكهرباء، وعدم منح باقي القطاعات الاهتمام الكافي لدمجها في إجراءات التحول، مثل كهربة electrification قطاعات النقل، التبريد والتسخين، فضلاً عن الالتزام بمعايير كفاءة الطاقة في القطاعات الاستهلاكية.
ربما تشهد قمة المناخ القادمة في شرم الشيخ إطلاق بعض مبادرات تحول الطاقة. المبادرات في حد ذاتها عمل طيبٌ ومحمود، يجدد الثقة، ويعيد النظر في المشهد من زوايا حادة ومنفرجة.
ويبقي أن ترتبط المبادرات بالواقع، وتتجنب النظر بالعدسات المُقعرة والمحدبة عند الحديث عن تحول الطاقة.
[email protected]