Close ad
28-7-2022 | 20:14

تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على حك أنف الصين، واستفزازها بصورة متواصلة ومتعمدة، وتسبح علاقات الطرفين فى بحر التوتر والقلق المخيف والمتقلب، بما يوحى أنهما يقتربان من مواجهة محتومة ستكون عواقبها وخيمة وممتدة، وسيدفع العالم المنهك من الحرب الروسية اﻷوكرانية فواتيرها الباهظة والمؤلمة.

يعزى التوتر بين الجانبين إلى عدم توافقهما واختلافهما، حول ملفات حساسة وشائكة بدءًا من تايوان، التى تعتبرها بكين مقاطعة متمردة على الوطن اﻷم، مرورًا بالسوط الذى تلهب به واشنطن ظهر المختلفين معها فى التوجه والمسارات، والمتمثل فى ورقة حقوق الإنسان، وصولا إلى النشاط الصينى العسكرى فى بحر الصين الجنوبى.

وكما هو واضح ولا يلزمه شرح وتفصيل كثير، فإننا إزاء أمور تمس السيادة، والحق المشروع واﻷصيل فى الدفاع عن اﻷمن القومى بقوة وحسم وبشتى السبل الممكنة والمتاحة، ومحاولة فرض قيم وضوابط بعينها، من خلال رفع كارت حقوق الإنسان بسبب وبدون سبب، وكأن الرؤية اﻷمريكية لها هى عين الصواب المفروض على الآخرين اتباعه.

لكن وسط كل ما سبق تبقى تايوان فى الوقت الجارى الهاجس والخطر اﻷكبر القادر على إشعال فتيل حرب، وسط تحركات ومناورات تقوم بها سلطات تايبيه، تحسبًا لهجوم صينى وشيك على أراضيها كما أعلنت قبل أيام.

وتغذى الولايات المتحدة وشركاؤها اﻷوروبيون هذه الفرضية، ولا يكفان عن إطلاق التحذيرات والتهديدات من مغبة إقدام الصين على غزو جزيرة تايوان.  

بل إن "ريشى سوناك" أحد المرشحين لتولى رئاسة الوزراء فى بريطانيا، صرح بأن الصين تمثل أكبر تهديد تواجهه بريطانيا، وبذلك فإنها تتفوق على الأخطار الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ومعها الإرهاب، وذاك يُظهر أن هناك جهات وشخصيات تتعمد إشاعة ظاهرة "الصينفوبيا".

المضحك فى الموقف اﻷمريكى واﻷوروبى، وبالذات اﻷمريكى أن الرئيس اﻷمريكى "جو بايدن"، فى ثلاث مناسبات مؤخرًا شدد على التزام بلاده بالدفاع عن تايوان، مما يعطى انطباعًا بأن الإدارة اﻷمريكية مستعدة للوقوف عسكريًا فى وجه  بكين، لكن سرعان ما يتدخل البيت اﻷبيض لتوضيح تصريحات بايدن، وأن المقصود منها ليس المواجهة العسكرية المباشرة مع التنين الصينى.

ومن ثم يغلف التناقض مواقف واشنطن حيال  القضية التايوانية التى لن تقبل بكين حلا وسطًا لها، ﻷنها تتصل بسيادتها الوطنية وحفاظها عليها، وما يبعث على الدهشة والاستغراب من تصرفات بايدن إصراره على سكب البنزين على النار بخطوة إرسال"نانسى بلوسى" رئيسة مجلس النواب اﻷمريكى، لزيارة العاصمة التايوانية، رغم اعتراض الصين وتحذيرها  شديد اللهجة من إتمامها، وأنها لن تمررها مرور الكرام.

وحتى نفهم ونتبين حقائق ما وراء المشهد الحالى المتوتر فى علاقة أمريكا والصين، يجب الإجابة عن سؤالين محوريين، هما بافتراض أن صانع القرار الصينى اتخذ قرارًا بمهاجمة  تايوان كيف سيكون رد الفعل اﻷمريكى ومداه، والثانى لماذا تواصل واشنطن بدأب التحرش ببكين فى كل حين ولا تفوت فرصة للتحرش بها دون انتهازها؟
بالنسبة للتساؤل اﻷول، فإننا سنحتكم ابتداء لدروس فصول ومشاهد اﻷزمة الروسية اﻷوكرانية، حيث تجنبت أمريكا وحلفاؤها الدخول فى مواجهة عسكرية مع روسيا، لخشيتها تكبد خسائر  بشرية فى صفوف قواتها،  وإدراكها أن اﻷمريكيين لن يقبلوا التضحية بأبنائهم وبناتهم فى معركة ليسوا لهم فيها ناقة ولا جمل، وحدوث تصعيد نووى لا يبقى ولا يذر، وانحصر رد الفعل على التعاطف الإنسانى، وجمع التبرعات والمساعدات الإنسانية، والتزويد بأنواع معينة من اﻷسلحة، وفرض العقوبات، والحشد السياسى ضد روسيا فى المحافل  الدولية.

وتعلم أمريكا وصناع قرارها دون غيرهم أن الوضع فى تايوان يختلف إستراتيجيًا وعسكريًا وسياسيًا عن نظيره اﻷوكرانى، وهذا الاختلاف سيجعل من اﻷصعب على واشنطن والسائرين على دربها تقديم دعم ملموس لتايبيه، مثلما جرى فى أوكرانيا.

فتايوان جزيرة ليس لها عمق إستراتيجى مثل أوكرانيا، بما يفيد أن القتال فيها لن يكون واسع النطاق، وربما جرت العمليات العسكرية بشكل خاطف وسريع يحقق النتائج المرجوة فى أسرع وقت ممكن، وبالتالى لن تكون هناك مساحة كافية تتيح  للأمريكيين واﻷوروبيين مد تايبيه بمساعدات عسكرية أو غيرها، فضلا عن أن المخاطرة بإرسالها يُحمل فى طياته خطر الانجرار من دون قصد لأعمال قتالية، وستتصدى البحرية الصينية وبقية أفرع قواتها المسلحة للسفن والطائرات الحاملة للمساعدات.

كما أن العواقب التالية للصراع بين الصين وتايوان ستكون أفدح وأكبر  من نظيراتها المسجلة فى الحرب اﻷوكرانية الروسية، نظرًا لوضع الصين داخل الاقتصاد العالمى، حيث إن الصين أكبر شريك تجارى لأكثر من ١٣٠ دولة، تتصدرها الولايات المتحدة التى ستجد مشقة فى إقناع المتحالفين معها بتقبل أضرار فادحة لاقتصادياتها من أجل عيون تايوان.

ونحسب أن العالم ليس مستعدًا لموجة جديدة من الخلل فى سلاسل الامداد نتيجة المشاركة فى عقوبات اقتصادية شاملة على بكين، والتى سيتبعها نقص فى الإمدادات، وارتفاع اﻷسعار، وخسارة أضخم سوق عالمى للشركات المحلية، غير ذلك فإن الصين لن تقف مكتوفة الأيدى وستتخذ إجراءات انتقامية ستزيد من تفاقم اﻷزمة الاقتصادية العالمية.

يدفعنا ما سلف دفعًا للإجابة عن السؤال الثانى، والمتعلق بالدوافع الحقيقية للتحرش الأمريكى المنظم بالصين؟ 
إجمالا فإن أمريكا فى نظرى تجد صعوبة بالغة فى مجاراة الصين وقفزاتها المستمرة على اﻷصعدة والمجالات كافة، لا سيما العسكرية منها، حيث تمكنت من تطوير وتحديث قدراتها على إنتاج أسلحة متقدمة بات لها سوق رائجة دوليًا.

وبفضل تعظيم إمكانياتها الاقتصادية والمالية استطاعت تعميق وتوسيع رقعة نفوذها الإقليمى والدولى، بينما تتقلص رقعة النفوذ اﻷمريكى، وتخسر كل يوم المزيد منها، بسبب سياساتها غير الحصيفة والكارثية عند نشوب اﻷزمات الدولية، وتفضيلها الانكفاء الداخلى فى عهد "دونالد ترامب"، وبلا شك فإن مؤسسات صناعة القرار اﻷمريكى غير راضية وغير مرتاحة لذلك، وتود استعادة تفردها باﻷمر والنهى على الساحة الدولية، وأن تكون كلمتها مسموعة ولا اعتراض عليها .
فنحن أمام منافسة حامية الوطيس على زعامة العالم، ومَن يقدر على إزاحة الآخر من مقعده الوثير على القمة، وقبل أن نتسرع فى استصدار اﻷحكام والتوقعات علينا ألا ننسى أن ما يميز الصين هو طول النفس، وحساب كل خطوة تقدم عليها وأثرها الراهن والمستقبلى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة