شهدت الفترة الماضية ظهور تراجع بعض الشواطئ في الساحل الشمالي باتجاه الساحل بما يقرب من عشرة أمتار متمثلًا ذلك التراجع في ظاهرة بيئية تعرف "بالنحر" سيطرت على بعض شواطئ الساحل الشمالي نتيجة لحركة الأمواج واصطدامها بالشاطئ، فما هي ظاهرة نحر الشواطئ؟، وما أسباب ظهورها بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة؟
موضوعات مقترحة
ظاهرة نحر الشواطئ
النحر هو حالة تآكل لأرض الساحل يتراجع معها الشاطئ بسبب تسارع الأمواج تزامنًا مع عمليات المد والجذر، ويعتبر تآكل السواحل يحدث بسبب عوامل طبيعية منها التغيرات المناخية والتي تؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وبالتالي تراجع الشاطئ، بالإضافة إلى العواطف والتيارات المائية والمذ والجزر، كل هذه العوامل تؤدي إلى النحر، ولكن ببطئ مع مرور الوقت، ولكن ما ظهر في الشواطئ الساحلية لمصر في الفترة القليلة الماضية لم يكن بسبب تلك العوامل الطبيعية، فما سبب ظهور نحر الشواطئ دون مقدمات؟ ومن المسئول ثانيًا بعد تغير المناخ في نحر شواطئ الساحل؟
التنمية الصناعية والتوسع العمراني أحد أهم أسباب النحر بفعل الإنسان، إلى جانب عوامل التعرية الطبيعية إلى جانب عملية التجريف التي تمنع عملية نقل الرواسب التي تساعد في تشكيل الخطوط الساحلية، كما يعد السد العالى أحد المتهمين في هذه القضية؛ بحسب ما ذكر البنك الدولي لاحتباسه نحو 90% من الرواسب خلفه مستحوذًا على نصيب باقي السواحل والشواطئ الواقعة في اتجاه مجرى النهر من التجديد.
في تقرير نشره البنك الدولي منذ عام مضى سلط فيه الضوء على خطر يداهم السواحل المصرية، فتشير البيانات الواردة في التقرير إلى نسبة تآكل السواحل المصرية بنسبة 0.1 لكل عام في الفترة ما بين عامي 1984، 2016 مؤكدًا أن بعض أجزاء الشواطئ الساحلية أكثر عرضة للتآكل من غيرها لاكتساب شواطئها الرملية وسواحلها الدلتاوية على ساحل البحر المتوسط تركيبة جيولوجية تجعلها أكثر عرضة من غيرها لارتفاع مستوى سطح البحر، حيث صنفت إحدى الدراسات نحو 72% من الساحل الشمالي للبلاد على أنها شديدة التعرض للخطر أو شديدة الخطورة، ووجدت دراسة أخرى تبحث في تغيرات الخط الساحلي على طول دلتا النيل أنه بين عامي 1990 و2014، تآكلت بعض أجزاء الخط الساحلي بمتوسط 10-21 مترا سنويا، والسبب في ذلك هو التقاء النيل بالبحر في فرعي دمياط ورشيد، اللذان يفقدان 25-36 مترا في المتوسط كل عام.
دراسة أخرى أجراها مركز أبحاث المفوضية الأوروبية عام 2020 أفادت أنه ما يقرب من نصف شواطئ العالم يمكن أن تختفي بحلول عام 2100.
أسباب ظاهرة نحر الشواطئ
أكد المهندس حسام محرم المستشار الأسبق لوزير البيئة أن ظاهرة نحر الشواطئ أحد الظواهر الطبيعية الشاطئية حتى قبل حدوث التغيرات المناخية والتي ساهمت في زيادة حدة اختفاء أجزاء من الشواطئ بسبب ذوبان الجليد، وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر حول العالم، ومن بينها الشواطئ المصرية، "وإن كان بدرجات متفاوتة من بقعة لآخرى وفقًا للخصائص الجغرافية لكل بقعة على حدة" بحسب ما ذكر محرم، مضيفًا أنه يوجد تهديد باختفاء كلي أو جزئي لبعض الجزر في العالم مثل بعض جزر المالديف ومساحات كبيرة من الشواطئ ومنها الشواطئ المصرية التي زادت معدلات تآكلها خلال الـ 20 سنة الماضية مواكبة لتسارع تداعيات التغيرات المناخية والتي تؤدي لتآكل أجزاء من الشاطئ، مشيرًا إلى أنه قد يختفي بعض الأجزاء، بل قد تهدد تلك الظاهرة المكونات المساحات العمرانية القريبة من الشاطئ مثل المدن والقري السياحية والطرق الساحلية والمناطق الصناعية، بدرجة تتوقف علي منسوب كل منطقة على حدة.
الإجراءات الوقائية
وعن الإجراءات الواجب اتخاذها، أشار حسام إلى تأخر الدول في اتخاذ الإجراءات الوقائية أو إجراءات التكيف المناسبة؛ مما سيعرضها لخسائر بيئية واقتصادية هائلة فضلًا عن تعرض كتل سكانية للتهجير، وسيؤدي ذلك إلى فقدان فرص عمل كثيرة وحدوث اضطرابات اجتماعية وأمنية قد تعجز الحكومات عن مواجهتها إن لم تتخذ إجراءات تكيف استباقية، مضيفًا يمكن تجنب كل ذلك بإجراء دراسات جيدة مدعمة بالنماذج الرياضية للتنبؤ بالسيناريوهات المحتملة في كل منطقة علي حدة، وبالتالي تحديد نوع وحجم أجراءات حماية الشواطئ.
ونبه حسام على ضرورة إيجاد الحل والنظر إلى الدول التي يمكن الاستفادة من تجاربها في مثل هذه الظواهر، حيث تعد هولندا وعدد من الدول المتقدمة من الدول التي لها تجربة رائدة في التعامل مع ملف حماية الشواطئ وبهاء حواجز شاطئية لمنع النحر وتداركه، كما أشار إلى إبداع بعض الدول في تركيب توربينات شاطئية في تلك الحواجز لتوليد الطاقة الكهربائية لتخفيف من تكلفتها وتحويلها من تهديد إلي فرصة بمفهوم الإدارة الإستراتيجية.
ومن جانبه، أكد وجوب الاطلاع على هذه التجارب والاستفادة منها، وكذلك الاستفادة من الدعم والتمويل المتاح من المجتمع الدولي والأمم المتحدة المهتم حاليًا بظاهرة التغيرات المناخية، خاصة أن مصر ستستضيف القمة القادمة COP 27، كما ينبغي المسارعة باستكمال عملية إخضاع جميع السواحل المصرية لهذه الدراسات التنبؤية ومن ثم تخطيط وتنفيذ مشروعات الحماية المناسبة لكل منطقة على حدة مع مراعاة الأولويات بالمعايير البيئية والإنسانية والاقتصادية ومراعاة ذلك في المشروعات المستقبلية التي يتم تنفيذها بالقرب من الشواطئ.
تقييم الأثر البيئي
قال الدكتور مجدي علام الخبير الدولي في شئون البيئة إن بعض الأعمال التي تتم في شواطئ البحار والأنهار من قبل القرى السياحية يجب أن تتم تحت إشراف وزارة البيئة وأن تخضع لشروط دراسة "تقييم الأثر البيئي" وشرط الحصول على موافقة البيئة قبل البدء في أي أعمال تتم على السواحل المائية بعد تقديم دراسة تقييم الأثر البيئي.
كما أكد دور إدارة حماية الشواطئ التابعة لوزارة الري في مراقبة كافة الأعمال والأنشطة على شواطئ البحار والأنهار في مصر، بالإضافة إلى تحمل التغيرات المناخية نسبة بسيطة من ظهور النحر مؤخرًا.
وأضاف «التسارع الذي حدث في التغيرات المناخية في العالم كله هو ما يعجل بعملية تسارع حركة البحر ونحر الشواطئ؛ أي مشروع من المفترض أن يتم له تقييم أثر بيئي وإما أن يتم أو لا يتم».
وعلى الفور صدر بيان لوزارة البيئة بإيقاف أعمال التكريك بالمناطق الساحلية والذي ينص على التنسيق بين وزارتى البيئة والرى والجهات المعنية لمعرفة أسباب نحر الشاطئ وإعداد تقرير فنى حول أسباب المشكلة ووضع الحلول لها، إلى جانب استمرار جهود وزارة البيئة بشأن متابعة تعرض أحد الشواطئ للنحر بمنطقة سيدي عبدالرحمن فى الساحل الشمالي، ووجود عكارة بمياه البحر بالمنطقة الشاطئية المجاورة لقرية مراسي المملوكة لشركة إعمار الإماراتية.
حلول عاجلة لمعالجة نحر الشواطئ
كما أكدت د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة أنه تم التنسيق بين وزارتي البيئة والري، والمسئولين بقري مراسى وستيلا والدبلوماسيين، لوضع حلول عاجلة لمعالجة النحر بالمنطقة.
أوضحت وزيرة البيئة أنه يجري حاليًا إعداد التقرير اللازم للتعرف على أسباب المشكلة، ووضع الحلول المناسبة لعرضها على اللجنة العليا للتراخيص بوزارة الموارد المائية والرى لاتخاذ القرار المناسب، باعتبارها الجهة المنوطة بإصدار التراخيص لأية أعمال بمنطقة حرم الشاطئ أو البحر بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات الصلة.
لجنة عاجلة لمعاينة المنطقة الشاطئية
وكانت وزارة البيئة قد تابعت ما تم تداوله من شكاوى المواطنين بوجود عكارة بمياه البحر بالمنطقة الشاطئية المجاورة لقرية مراسي المملوكة لشركة إعمار الإماراتية، وأصدرت د. ياسمين فؤاد تعليمات بتشكيل لجنة عاجلة ومتخصصة من فرع جهاز شئون البيئة بالإسكندرية، والإدارة المركزية للمحميات الشمالية لمعاينة المنطقة الشاطئية لقرية مراسى والقرى المجاورة واتخاذ ما يلزم من إجراءات.
وعلى وجه السرعة، قامت اللجنة بالانتقال إلى الموقع، وأجرت معاينات ميدانية لمدة ٣ أيام متتالية للتعرف على أسباب الشكوى واتخاذ الإجراءات اللازمة، وتبين من المعاينات والقياسات الكيميائية الميدانية لنوعية مياه البحر وجود عكارة بنسب مختلفة أعلى من معدلاتها الطبيعية بالمنطقة الشاطئية للقرى المشار إليها نتيحة أعمال تكريك بالمنطقة.
إيقاف كافة أعمال التكريك
وبناء عليه صدرت التعليمات بإيقاف كافة أعمال التكريك وأخذ التعهدات اللازمة بعدم استئناف أى أعمال جديدة ومغادرة الكراكة للموقع وفك المعدات المتصلة بها.
وقد استمرت أعمال اللجنة الميدانية لوزارة البيئة فى متابعة تنفيذ إيقاف الأعمال وأخذ العينات اليومية اللازمة من مياه البحر بالمنطقة، وتبين أن معدلات تركيزات العكارة عادت إلى معدلاتها الطبيعية تدريجيًا، واستمرت اللجنة فى المتابعة والقياسات اليومية التى أكدت عودة نوعية مياه البحر لطبيعتها، كما أن الوضع البيئي بالمنطقة المتضررة آمن ولا يؤثر على الاستخدامات والأنشطة السياحية.
وتواصل وزارة البيئة المتابعة اليومية مع الجهات المختصة إلى جانب التفتيش على جميع القرى السياحية بالساحل الشمالي للتأكد من الالتزام بجميع الاشتراطات البيئية واتخاذ الإجراءات اللازمة.