د. محمد خير: إنشاء صندوق للاستفادة من الموارد الطبيعية فى كل دولة
موضوعات مقترحة
هشام عيسى: تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء يتم من خلال تفعيل العلاقات مع القارة الإفريقية
إنذارات الخطر التى تشير إلى قرب حدوث مجاعة عالمية بسبب نقص الغذاء تدوى فى كل مكان فى العالم. وفى منتدى دافوس الأخير، تم إطلاقها صراحة «العالم على شفا مجاعة تهدد البشرية حال استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية». ونحن فى وطننا العربى لسنا بمنأى عن تلك الأزمة وعما يحدث عالميًا. فقد بدأت الأسئلة تطرح نفسها حول الأمن الغذائى العربى والبدائل المتوافرة للتعامل مع الأزمة العالمية المتوقعة، وكيف يمكن تحقيق أمن غذائى عربي قادر على مواجهات الاضطرابات الدولية؟
فى البداية يقول الوزير مفوض محمد خير عبد القادر، مدير إدارة المنظمات والاتحادات العربية بجامعة الدول العربية، إن الدول العربية تستورد 50 % من احتياجاتها الغذائية خصوصا من روسيا وأوكرانيا، اللتين تستحوذان على 30 % من الإنتاج العالمى للحبوب، و43 % من استهلاك العرب من الحبوب يأتى من الدولتين أيضاً. والحرب الروسية الدائرة الآن ومع استمرارها، تعنى قفل الأسواق الرئيسية التى يستورد منها العرب، ويجعل البحث عن أسواق بديلة ضرورة لا تقبل التأجيل، لكن مع هذا البحث يجب الاستعداد لارتفاع الأسعار فى تلك الأسواق البديلة التى يزداد الطلب عليها فى ظل معروض ثابت. كما أن الهند على سبيل المثال كانت مقصداً لعدد من دول العالم لتغطية الاحتياجات من الحبوب، لكنها لم تستطع تغطية ذلك الطلب المتزايد واضطرت لغلق عمليات التصدير فيها.
ويلفت خير النظر إلى أن الأوضاع الدولية الحالية، فرضت على الدول العربية البحث عن بدائل داخل المنطقة العربية نفسها، عبر التعاون وتمويل مشروعات ضخمة لسد الفجوة فى الاحتياجات الغذائية، ربما يحيى ذلك مشروعا قديما يحقق اكتفاء ذاتياً عربياً دون استعانة بدول خارج المنطقة.
وبشكل عام فإن الحرب الروسية ليست المحرك الوحيد للتعاون العربى فى هذا الشأن، بل إن التغيرات المناخية هى الأخرى عنصر ضاغط آخر، يدفع دفعا نحو التكامل العربى زراعياً واقتصادياً. حيث تواجه دول عربية خطر المجاعة حالياً، خصوصا فى مناطق القرن الإفريقى، ما يجعلها تعتمد اعتمادا كليا على المساعدات التى ربما تتوقف فى أى وقت بسبب الضغوط المالية العالمية، التى سيكون لها تأثير بالطبع على حجم الإنفاق على المساعدات.
وأشار الوزير المفوض إلى أن هناك خطوات جادة تدرس حالياً فى الغرف المغلقة، من بينها عقد قمة عربية خاصة بالأمن الغذائى، إلى جانب البحث فى إنشاء صندوق عربى خاص بالأمن الغذائى تموله الدول العربية التى تملك فوائض مالية؛ لتستفيد من الموارد الطبيعية والأراضى الشاسعة الصالحة للزراعة فى دول أخرى لكن كان ينقصها التمويل.
وقال إن تهيئة مناخ الاستثمار تحد كبير أمام نجاح ذلك الهدف، حيث لجأت دول عربية بالفعل إلى الاستثمار فى دول أخرى فى إفريقيا على سبيل المثال، وليست عربية بسبب الصعوبات التى وجدتها فيما يتعلق بقوانين وضوابط الاستثمار فيها وعدم الاستقرار السياسي، ما جعلها بيئة طاردة للاستثمارات وليست جاذبة، بحسب مدير إدارة المنظمات والاتحادات العربية بجامعة الدول العربية.
واستعرضت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «فاو» فى تقرير لها بعض الحقائق الخاصة بالأمن الغذائى العربى من بينها محدودية الأراضى الزراعية والإنتاج بطرق بدائية والتغيرات الاجتماعية التى جعلت الناس تنفر من العمل فى المهن الزراعية، ذلك كله إلى جانب نقص الخبرات والتقنيات الحديثة. فعلى سبيل المثال كانت السودان تعد «سلة الغذاء العربية» لكن الأمر تغير بسبب إهمال الزراعة وعدم استغلال الموارد الطبيعية المتوفرة إلى جانب الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية. وكان الأردن ينتج ويصدر فى أربعينيات القرن الماضى حتى الستينيات، لكن الحال تغيرت وأصبح يستهلك أكثر من 700 ألف طن سنوياً ينتج منها ما بين 25 إلى 30 طنا فقط. كما تحاول بعض الدول العربية الانتقال إلى الزراعة بالاستثمار فى دول أخرى لتحقيق الأمن الغذائى لشعوبها.
وفى مصر بدأت الحكومة المصرية فى اتخاذ خطوات استباقية مستفيدة من التحذيرات الدولية المتتالية، حيث أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن استهداف الدولة رفع نسبة الاكتفاء الذاتى من إنتاج القمح إلى 65 % بحلول 2025. كما تستهدف رفع نسبة الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزيتية إلى 10 % بحلول العام نفسه، وذلك بالتوازى مع إعلانات متوالية آخرها من وزير المالية الدكتور محمد معيط، أفاد فيها بتخصيص 1.1 مليار جنيه كدفعة مقدمة لشراء القمح المحلى من المزارعين.
من جانبه، قال الدكتور هشام عيسى، عضو المجلس العربى للاقتصاد الأخضر: إن تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء عربياً سيتم من خلال تفعيل العلاقات مع القارة الإفريقية، التى تملك مساحات شاسعة من الأراضى الصالحة للزراعة، والدول العربية لديها إمكانيات مالية ومصر على سبيل المثال لديها الخبرات الفنية، فإذا اجتمع الثلاثة عناصر سنتمكن من الوصول إلى الهدف المطلوب.
وأشار إلى أن ذلك النوع من الشراكات لا بد أن يكون مبنيا على مصلحة جميع المشاركين فيها، فالدولة المستثمرة مستفيدة والدولة التى ستوفر الأراضى مستفيدة والدولة التى ستقدم مستشاريها وخبراءها أيضاً مستفيدة، وذلك لضمان نجاح التعاون. ولفت النظر أنه على الدول العربية التخلى عن فكرة جعل الاستيراد هو الحل، فما حدث من أزمة قمح عالمياً بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، كشف عن حقيقة أن توافر المال لا يعنى الحصول على السلع التى تريد شراءها.
وأضاف عيسى أنه فى الوقت الذى بدأت الدول تتوجه نحو منتجين آخرين للقمح للشراء منهم، وهى نفس دائرة الحلول قصيرة الأجل، لم تقرر أى دولة عربية التوجه نحو حلول إستراتيجية طويلة الأجل تنهى وجود أى أزمة مستقبلاً بتوفير احتياجاتها من السلع الغذائية الأساسية، دون الاعتماد على منتجين آخرين قد يتحكم فى الأسعار أو لظروف طارئة تتعطل سلاسل الإمداد مثل ما حدث فى كورونا.
وبعودة بسيطة إلى الماضي، استرجع عضو المجلس العربى للاقتصاد الأخضر ما حدث فى حرب أكتوبر عام 1973، عندما وضع العرب تقييداً على تصدير النفط للدول الغربية، فقرروا فوراً عدم الاعتماد كلياً على النفط العربى، وبحثوا عن بدائل أخرى تؤمن احتياجاتهم ولا تضعهم تحت سيطرة وتحكم منتجى النفط العرب، فلجأوا حينها إلى النفط الروسي، وهذا يعطينا اليوم درساً فى ضرورة إيجاد بدائل بالاعتماد ذاتياً على مواردنا.
ولفت النظر أن الاتحاد الأوروبى مثلاً يضع خريطة للزراعة فى الدول الأعضاء بحيث تلتزم كل دولة بزراعة المحصول المخصص لها، لتلبى كل احتياجاتها الغذائية حسب طبيعة ومناخ كل دولة، مشيراً إلى أن الأمر نفسه ينبغى أن يتم على مستوى القارة السمراء، بحيث يتم وضع خريطة مشابهة لتلك التى يضخها الاتحاد الأوروبى, وتكون بمثابة إلزام على الدول فى إطار تعاون قارى متكامل.
فيما يرى الدكتور محمد راشد، الخبير الاقتصادى، أن الاكتفاء الذاتى عربياً هدف قديم سعت الدول العربية إلى تحقيقه، وهو كمصطلح اقتصادى يعنى تقليل التبعية الاقتصادية للدول الأخرى بالاعتماد على الإمكانات الخاصة للحصول على احتياجات الدولة من السلع الغذائية الإستراتيجية. وأوضح أن قضية الأمن الغذائى أصبحت أولوية فى الفترة الحالية بعد ما يشهده العالم من أزمة فى الغذاء تنذر بمجاعة عالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التى دخلت شهرها الخامس.
وعلى الصعيد المحلي، أكد راشد أن القيادة السياسية تسعى بخطوات ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى عبر عدة مشروعات زراعية خاصة بإنتاج البروتين بشكل خاص، وذلك عبر افتتاح المزارع السمكية إلى جانب الإنتاج الحيوانى والداجني.