مع ارتفاع تعداد السكان العالمى، وزحف المدن الآخذة فى الاتساع على الأراضي الخصبة، تزداد صعوبة إنتاج الغذاء الكافى للجميع وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يرتفع تعداد سكان المدن بمقدار يزيد على ضعف تعداده فى عام 2020، على أن يقطن هؤلاء السكان على مساحة من الأراضى الحضرية تبلغ ثلاثة أضعاف المساحة الحالية. وسوف يفقد العالم ما يقرب من 2% من أفضل أراضيه الصالحة للزراعة، معظمها فى قارتى آسيا، وإفريقيا، حيث توجد المدن الأسرع نمواً.
موضوعات مقترحة
ولذلك، فلا بد من إسراع الحكومات إلى حماية الأراضى الزراعية، والحدّ من الزحف العمرانى، إذ يُحظر على البرامج الفيدرالية الأمريكية البناء فوق الأراضى الزراعية عالية القيمة، كما تعمد الصين إلى استصلاح الأراضى الطبيعية، عوضاً عن الفاقد من الأراضى الصالحة للزراعة التى تستولى عليها مشروعات التنمية العمرانية.
بيد أن الحد من خسارة الأرض الزراعية لا يعالج سوى نصف المشكلة الغذائية، حيث توجد مشكلة أكبر، ألا وهى الطلب الآخذ فى الارتفاع على الأغذية، وعلى المنتجات الحيوانية بوجه خاص، إذ يحصل الأمريكيون، والأوروبيون على نسبة يتراوح مقدارها ما بين 60 و80 % من احتياجاتهم من البروتين (اللحوم، والبيض، ومنتجات الألبان). وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو» إلى أن الصينيين يستهلكون حالياً إجمالاً نصف هذه الكمية من البروتين، بل إنّ الأنظمة الغذائية الموجودة فى مدن العالم النامى أصبحت أكثر شبهاً بنظيراتها فى البلدان الغربية.
وتظهر بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن الاستهلاك العالمى السنوى للحوم يكاد يكون قد تضاعف منذ ستينيات القرن الماضى؛ ويستهلك سكان المدن فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا - على سبيل المثال - من اللحوم ومنتجات الألبان أكثر من المتوسط العالمى لاستهلاك سكان الريف بخمسة أمثاله.
أما سكان الحضر فيهدرون كميات أكبر من الغذاء، ففى شنجهاى، يتخلص 80 % من الأُسَر، و40 % من المطاعم من أغذية صالحة للأكل، تصل نسبتها إلى 12% من إجمالى إمدادات الغذاء، فى حين تنخفض هذه النسبة فى المناطق الريفية إلى 2% فقط. أما على الصعيد العالمى، فتتراوح نسبة هدر الغذاء ما بين 30 و50 %.
كما تفتقر تربية الماشية إلى الكفاءة، إذ أن إنتاج كيلو جرام واحد من اللحم يستهلك 3 - 8 كيلو جرامات من الحبوب، وهو ما من شأنه استهلاك المحاصيل التى كان من الممكن أن تمد البشر بالغذاء، كما أن إمداد البشر بالكميات ذاتها من البروتين من خلال المنتجات الحيوانية، يتطلب مساحات من الأرض الصالحة للزراعة تفوق أربعة أمثال نظيراتها، فى حال الاعتماد على نظام غذائى نباتى، ويستخدم ما يقرب من 85 % من الحبوب التى تنتجها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية كعلف للحيوانات، بينما تصل هذه النسبة فى الصين إلى 65 %، وتتسبب الماشية فى أكثر من نصف إجمالى التلوث الزراعى، ناهيك عن أن الاستهلاك المفرط للحوم مرتبط بالإصابة بالسمنة، وداء السكرى، وأمراض الشرايين التاجية بالقلب.
ومع ارتفاع مستويات المعيشة، وتفاقُم التوسع الحضرى، تتسبب الأنظمة الغذائية المتغيرة فى منع الاستفادة بمساحات أراض أكثر، مما تتسبب به مشروعات التطوير الحضرى نفسها؛ فعلى الصعيد العالمى، تشير الإحصائيات إلى أنه بين عامى 1990، و2010، خُصِّصَت مساحات من الأراضى الصالحة للزراعة لإنتاج الماشية (8 %)، تساوى أربعة أمثال المساحات المفقودة بسبب النموالحضرى، وإذا استمرت الأنظمة الغذائية فى التغير، فإننا سوف نحتاج مزيداً من الأراضى الصالحة للزراعة لإنتاج علف الحيوانات، وسوف تُزال الغابات، وسوف تتحول المساحات الطبيعية الأخرى إلى مَزارع.
لذلك، ينبغى على صناع القرار السياسى إدارة المدن والمناطق الريفية معاً، لا بشكل منفصل؛ وذلك لضمان التعامل مع عمليات إنتاج الغذاء، واستهلاكه، والتخلص منه كمنظومة واحدة، كما ينبغى على السياسات كبح جماح الزحف العمرانى؛ لتوفير الأراضى اللازمة للزراعة، والحث على عدم الإكثار من تناوُل اللحوم.
مواجهة المدّ الحضرى
يشكل التوسع الحضرى تهديداً على الأمن الغذائى بطريقتين؛ الأولى تتمثل فى الإنتاج المُهدر.. فعلى سبيل المثال، تقع مدينة تشنجتشو - فى سهل شمال الصين - وتشتهر بكونها المُنتِج الأكبر للغذاء فى الصين؛ ومنذ عام 1990، ازداد حجم هذه المدينة بمقدار أربعة أمثال ما كانت عليه (لتبلغ مساحتها اليوم 501 كيلو متر مربع)، بينما فقدت مدينة دلهى الهندية 11% من أراضيها الصالحة للزراعة منذ عام 2001 ، وقد تدَخَّل واضعو السياسات؛ لإبطاء وتيرة هذه الخسائر، ولاستصلاح الأراضى لأغراض الزراعة فبين عامى 2000، و2021.
وتمنح بعض الحكومات الأولوية للنمو الحضرى، مع الحد من التنمية العمرانية بالريف، ويمكن لمثل هذه السياسات أن توفر الأراضى اللازمة للزراعة؛ وذلك بوقف زحف الإنشاءات الشائع فى المناطق الريفية.
ويتيح دمج المساحات الكبيرة من الأراضى الريفية معاً استعمال المزيد من أساليب الزراعة المكثفة، كما يزيد من إنتاج المحاصيل الزراعية، أما المَزارع الصغيرة، فيتعين عليها استخدام كميات أكبر من الأسمدة، ومبيدات الآفات؛ لزيادة محاصيلها، وهو ما يُسفر عن ضرر وتلوث بيئى، ويمكن للتنمية الحضرية، والصناعية أن تعززا من إنتاج الغذاء بطرق أخرى؛ كتوفير الأسمدة، ووسائل الرى، وبالإنتاج الخصيب من المحاصيل الزراعية المتنوعة.
وهناك خطوات للتخفيف من وطأة التوسع الحضرى على الأمن الغذائى
- على الحكومات أن تدشن حملات للتشجيع على اتباع الأنظمة الغذائية المثالية، وتقليص كميات الطعام المهدر.
فعلى سبيل المثال، روَّج العديد من الجامعات لما يسمَّى بـ «هرم النظام الغذائى المتوازن»، وهو نظام غذائى يوصى باعتماد الأشخاص على تناوُل الحبوب، والخضراوات، والفواكه، واستهلاك كميات أقل من اللحوم، والبيض، والحليب، والزيوت.
وأشار أحد التقارير إلى ضرورة تخفيض الاتحاد الأوروبى لاستهلاكه من اللحوم والألبان بمقدار النصف بحلول عام 2050 ويجب على العلماء، وخبراء الصناعة، أن يطوروا أساليب لحفظ الأغذية الطازجة لفترة أطول، بما فى ذلك تحسين عملية التبريد.
- يجب على واضعى الخطط إعطاء الأولوية لتطوير المناطق الحضرية على رقعات صغيرة، ولجهود دمج الأراضى الزراعية معاً، على حد سواء.
- الحاجة إلى تدريب المزارعين وتمويلهم؛ من أجل تمكينهم من التعامل مع المساحات الأوسع، وزيادة إنتاجية المحاصيل إلى أقصى حد ممكن، وتقليل المواد المستخدمة فى الزراعة إلى أدنى المستويات، ويتعين على الحكومات ضخ الاستثمارات لتحسين عمليات الرى، وبناء الطرق، وتوفير الآلات، ولا بد من عقد تعاون بين المزارعين، والعلماء، لتبادل المعارف، وتحديث المهارات فى سبيل اتباع أفضل الممارسات عند اختيار أنواع المحاصيل، وأساليب التسميد والرى.
- يجب تحسين طرق تربية الماشية، ومخاليط العلف فى البلدان الآخذة فى التوسع الحضرى؛ لرفع كفاءة استهلاك الحيوانات للمواد الغذائية، وعلى الحكومات أن تعطى حوافز لمربِّى الماشية؛ لتشجيعهم على الانتقال من إنتاج لحوم الأبقار إلى إنتاج الحليب، والدواجن، والأسماك، ولا بد من تشجيع زيادة استخدام مخلفات المحاصيل كعلف للحيوانات، ومن الضرورى إدارة المراعى على وجه أفضل، لزيادة إجمالى المعروض من منتجات الحيوانات.