خبراء وباحثون يكشفون دور استراتيجية المناخ في صيانة المحاصيل الحيوية
موضوعات مقترحة
الزراعة على المصاطب والرى بالتنقيط وتعديل مواعيد الزراعة أبرز الحلول
أحمد أبو كنيز: التغيرات المناخية تؤثر على المياه والتربة والمحاصيل
عماد عدلى: مليون نوع من النباتات والحيوانات تواجه الانقراض.. والفلاح المصرى يحتاج إلى دعم كاف
وهى تبنى الجمهورية الجديدة، حرصت الدولة المصرية على مواجهة الآثار الوخيمة المحتملة للتغيرات المناخية على المحاصيل الزراعية خصوصًا الاستراتيجية منها، ولذلك سارت «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050» في خطين متوازيين، وهما تقليل الانبعاثات والتعامل مع التغيرات المناخية المحتملة، وذلك كأحد أركان ضمان جودة واستمرار مشروعات التنمية، والنجاة من كوارث المناخ.
ولتخفيف تأثير هذه التغيرات، أوضحت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، أن الاستراتيجية الوطنية ستسهل عملية تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة، بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية للدولة، باتباع نهج منخفض الانبعاثات، كما تعزز قدرة الحفاظ على موارد البلاد من تأثيرات تغير المناخ، بما فى ذلك الأراضى الزراعية والمحاصيل هدفا أساسيا.
وأشارت وزيرة البيئة، إلى إدراج العديد من البرامج المتعلقة بالزراعة فى الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، لتنفيذ برامج الزراعة الذكية والرى لتحسين مرونة النظم الغذائية، وضمان قدرتها على التكيف، ومنها البرامج التى تركز على تكيف المحاصيل والأنظمة الزراعية، مع تغير المناخ فى وادى النيل والدلتا من خلال استخدام الممارسات التكيفية، مثل زراعة الأصناف التى تتحمل الظروف المناخية واستنباط أصناف للمحاصيل الاستراتيجية عالية الإنتاج والتى تتحمل الظروف الجوية السيئة، مثل الحرارة العالية والملوحة والجفـاف، بحيث تكون تلك المحاصيل قليلـة استهلاك الميـاه، لمجابهـة الآثـار السـلبية للتغيـرات المناخيـة وأيضا برنامج نظام المراقبة والإنذار المبكر الذى يزود المزارعين بالمعرفة اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة والتكيف مع مخاطر تغير المناخ.
وفي السياق نفسه، قال الدكتور أحمد زكى أبو كنيز نائب رئيس المنتدى المصرى لتنمية نهر النيل، رئيس الاتحاد النوعى للبيئة بأسوان: من الحقائق الثابتة أن الزراعة تتأثر بالتغيرات المناخية والمقطوع به حتمًا أن الإنتاج الزراعي، ومن وراءه إنتاج الغذاء فى دول العالم الثالث سوف يتأثران سلبًا بالتغيرات المناخية، وخصوصًا بالبلدان المعرضة بالفعل للجفاف والفيضانات والأعاصير، وأنه من الثابت أن العديد من هذه الدول فى الأساس تعانى من تدنى الدخول، بالإضافة لانتشار الجوع والفقر من أهم تداعيات التغيرات المناخية على مصر، هو غرق قرابة 25 % من مساحة الدلتا جراء ارتفاع مستوى سطح البحر، وهنا ستكون مصر مضطرة لإعادة توطين أكثر من 15 مليون نسمة، سيتم تهجيرهم جراء غرق الدلتا.
وتابع: رغم أن تكيف القطاع الزراعى مع تغير المناخ سيكون مكلفًا، فإنه إجراء ضرورى وحتمى لتحقق الأمن الغذائي، والتخفيف من حدة الفقر والحفاظ على فعالية النظم البيئة واستمرارها فى أداء الخدمات التى تحقق التوازن الطبيعى فى إقليم ما من عالمنا، كما سيكون من الضرورى أيضًا الحد من غازات الاحتباس الحرارى المنبعثة من الزراعة.
وعن تأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية، قال أحمد أبو كنيز: تذبذب واردات المياه القادمة من وراء الحدود (نهر النيل)، فسيناريوهات محاكاة التغير المناخى للتنبؤ بعيد المدى توضح ارتفاع معدل البخر بسبب ارتفاع الحرارة, مؤكدًا أن العديد من السيناريوهات تتوقع انخفاض إيرادات نهر النيل بنسبة 15 % بحلول عام 2100, فى حين تتوقع سيناريوهات أخرى زيادة معدلات الأمطار على مناطق منابع نهر النيل، مما يزيد الإيرادات المائية، ولا يؤثر تغير المناخ على موارد المياه فحسب، بل يؤثر أيضًا على الاستهلاك، فارتفاع درجة الحرارة يؤدى إلى زيادة الطلب على المياه، وتحتاج بعض المحاصيل إلى كميات أكبر من المياه وايضا انخفاض انتاجية غالبية المحاصيل، وانتشار الأمراض ومسبباتها وهذا يؤدى إلى خسائر اقتصادية، مؤلمة بالإضافة إلى التأثير الواضح على الامن الغذائى المصري.
تأثير التغيرات المناخية على التربة الزراعية
ويرى أبو كنيز، أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدى لرفع حرارة التربة التى تؤثر بدورها على نشاط وفعالية الإحياء الدقيقة للتربة، وتعمل درجة الحرارة المرتفعة أيضاً على تعجيل العمليات الكيميائية داخل التربة، وارتفاع معامل التبخر والمعاناة من نقص المياه، وهذا يؤدى إلى خفض الإنتاجية لبعض المحاصيل ويتوقف هذا على نوعية المحصول، كما أن نشاط الرياح الناجم عن التغيرات المناخية، تؤدى إلى تعرية التربة، وخصوصًا خلال أشهر الصيف الحارة الجافة، حيث تؤدى الرياح العاتية إلى تطاير حبيبات التربة الناعمة فى الطبقة السطحية وانتقالها، وبالتالى زوال العناصر الغذائية للنباتات وبذلك تفقد قدرتها الإنتاجية بمرور الزمن، لافتا إلى أن الرياح هى الأخرى تزيد من معدلات البخر فتزداد حاجة النبات للماء، ويقل المحتوى الروبى للتربة كما تعمل الرياح على تفتيت سطح التربة الخارجي، ونقل حبيباتها مؤدية إلى التعرية وهى أهم المشكلات فى المناطق الجافة وشبه الجافة، لما تسببه من تهديد مساحات واسعة من الأراضى الزراعية وتحويلها التصحر.
المحاصيل الاستراتيجية والتغيرات المناخية
وأوضح أنه عند الاستعانة بنماذج المحاكاة وسيناريوهات تغير المناخ المختلفة، للتنبؤ بعيد المدى يتبين أن التغيرات المناخية التى ستتسبب فى ارتفاع درجة حرارة الأرض، سوف تؤثر على إنتاجية المحاصيل المختلفة، وفى الوقت نفسه سيزداد الاستهلاك المائى لها فمحاصيل الحبوب كالقمح الشعير والذرة الشامية والذرة الرفيعة والأرز ستنخفض إنتاجيتها. أما قصب السكر فسوف تنخفض كمية السكر الناتجة من الفدان بحوالى 25 %، مع زيادة استهلاكه المائى بنسبة 2.5 %، ولكن أشد المحاصيل تأثرًا بالتغيرات المناخية هى الطماطم، وذلك لفرط حساسيتها لارتفاع الحرارة, فعند ارتفاع الحرارة بحوالى 1,5°م وسوف تنخفض إنتاجيته بحوالى 14 % فى حين أن هذا النقص سوف يتضاعف اكثر من ثلاثة مرات بارتفاع الحرارة 3,5 °م.
ويشير أبو كنيز، إلى أن المفاجأة تكمن فى محصول القطن حيث ستؤثر التغيرات المناخية تأثيرا إيجابيا على إنتاجيته والتى ستزداد بحوالى 17 %، عند ارتفاع درجة الحرارة بحوالى 2°م، فى حين ستتضاعف الزيادة فى المحصول، عند تضاعف ارتفاع درجة الحرارة, ومن ناحية أخرى سوف يزداد استهلاكه المائى حوالى 10 % مقارنة باستهلاكه المائي، تحت الظروف الجوية الحالية، فضلاً عن ذلك، هناك بعض المحاصيل قد لا تتأثر انتاجيتها بقدر تأثر صفات الجودة بها, بسبب التربة الزراعية وانتشار الآفات، ونقص حجم وجودة الموارد المائية، حيث تصبح المحاصيل الزراعية أقل نضجًا، وأكثر عُرضة للتلف والإصابة بالأمراض خاصة خلال عمليات التخزين أو التداول ويتوقع خروج بعضًا من المحاصيل من منظومة الانتاج الزراعى المصري.
التكيف مع التغيرات المناخية
وقال: يجب تبنى سياسات استباقية أو وقائية، بتنويع المحاصيل ومواسم الزراعة، وتعديل مواعيد الزراعة والحصاد، أو عن طريق استحداث أساليب جديدة فى الزراعة، والتحول إلى نظم الرى الحديثة، فهى أكثر تكيفًا وكفاءة فى التعامل مع التحديات المناخية المتنوعة، بالإضافة إلى استنباط اصناف جديدة من المحاصيل المتأثرة بالتغيرات المناخية تتسم بتحملها للجفاف واحتياجاتها المنخفضة من المياه ومقاومتها للأمراض والآفات، وزيادة المحصول، فضلًا عن تحسين صفات الجودة به والتأقلم مع تغير المناخ، باستخدام عدة طرق وهى الزراعة على المصاطب والرى بالتنقيط وزراعة المحصول الاسترتيجى قصب السكر بالشتل، حيث استقر فى عقولنا ثوابت.
وتابع: صرنا نؤمن وننفذ بدون تفكير أن قصب السكر لن ينجح الا فى الأراضى ذات الخصوبة العالية، أو ما تعودنا أن نطلق عليها أراضى الدرجة الأولى أو أن القصب شره وغول فى استهلاك المياه، وهذا غير صحيح وفى الأونة الأخيرة، وجدنا من يزرع القصب فى الأراضى الرملية والجيرية، أو لنقل بصفة عامة، أن الأراضى الفقيرة وحديثة الاستصلاح منزرعة بالقصب، والكثير منها يحقق محصولاً يساوى الأراضى القديمة بل ويتجاوزها. وأيضا بدأنا بعض التدقيقات فى الاحتياجات المائية للقصب ووجدناها لا تصل إلى السبعة آلاف متر مكعب للفدان فى الموسم بالوجه القبلى. الأمر الذى يشى بأمر واقع واضح، وهو أن القصب متهم بريء من استهلاك مياه مصر، وللتكيف مع التغيرات المناخية فى زراعة القصب التحول إلى الزراعة بالرى بالتنقيط وعلى مسافات متباعدة تصل إلى متر والزراعة بالشتلات ويتميز قصب السكر عن البنجر فى الانتاجية حيث يتم توريد 240 الف فدان قصب يعطى إنتاجية 900 ألف طن سكر بينما 700 ألف فدان بنجر يعطى مليون و400 طن سكر
وأضاف قائلًا: وسوف يتفوق قصب السكر عن البنجر ويمكن زراعته فى الأراضى الصحرواية وأتنبأ خلال الـ50 عام القادمة بخروج القصب من الأراضى القديمة وخلفه الصناعة، حتى نقلل التلوث البيئى وزرع محاصيل أخرى فى الأراضى القديمة، والآن أصبح توجهاً قومياً للدولة، وبدأت وزارة الزراعة فى إنشاء محطتين لإنتاج شتلات قصب السكر المعتمدة، يقوم عليها معهد بحوث المحاصيل السكرية الأولى بمركز كوم أمبو والثانية بمركز إدفو، لإنتاج ما يقرب من مائة مليون شتلة فى الموسم.
ويتابع مؤكدًا: لم تعد زراعة القصب بالشتل ترفًا، فنحن فى أمس الحاجة إليها لزيادة فى المحصول وتوفير كمية التقاوى المستخدم، وإعطاء فرصة لزراعة محصول شتوى قبل شتل القصب فى الأرض المستديمة مثل القمح أو الشعير...الخ.
بالإضافة إلى ما سبق، طالب ضرورة الاهتمام بتطبيق ممارسات التكثيف المحصولى (التحميل)، لإنتاج اكثر من محصول فى ذات المساحة ونفس الموسم. وأيضًا ضرورة الاستفادة من المتبقيات الزراعية (المزرعية والصناعية)، وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية عالية، تزيد من دخل المزارع، وتمثل إضافة للناتج القومي، بالإضافة إلى تنشيط ودعم ورعاية دور البحث العلمي، وتنمية الوعى المجتمعي، وتفعيل دور المنظمات الأهلية كشريك ضرورى فى مواجهة هذه الآثار السلبية للتغيرات المناخية على الزراعة والأمن الغذائى فى مصر.
أما الدكتور عماد الدين عدلى رئيس المكتب العربى للشباب والبيئة، ورائد مبادرة بلدنا تستضيف قمة المناخ الـ27، فأشار إلى التقرير الصادر عن المنبر الحكومى الدولى للعلوم والسياسات فى مجال التنوع البيولوجى وخدمات النظم الإيكولوجية، من وجود مليون نوع من النباتات والحيوانات تواجه خطر الانقراض بسبب الاستهلاك المفرط من مليارات السكان فى الدول المتقدمة والنامية مما يتطلب اعتماد استخدام أكثر استدامة للأنواع البرية من النباتات والحيوانات والفطريات والطحالب فى جميع أنحاء العالم ويرى أن الفلاح المصرى هو نقطة ارتكاز حاضر ومستقبل مصر، وأن التصنيع الزراعى هو الميزة النسبية لضمان الأمن الغذائى والمائي، حتى تقوم الساعة.
ويضيف عدلى أنه ينبغى أن يكون الفلاح المصرى فى بؤرة الاهتمام، ومثلما نطالب الدول الغنية بأن تدفع للدول الفقيرة والنامية لتمويل مواجهة تغير المناخ، نطالب بأن يكون للفلاح نصيب كبير ودعم كاف، لأنه هو الذى أوجد المادة الأولية الخام التى قامت عليها الصناعات ومظاهر الحضارة وحتى لا يهجر الفلاح أرضه، ويبحث أبناؤه عن مهنة أخرى.