راديو الاهرام

لا غيره يفرحني.. وسنظل أوفياء!

24-7-2022 | 14:17

 قبيل أيام فاز نادي الزمالك بكأس مصر لكرة القدم، وبغض النظر عن كون الفوز جاء على حساب منافس تقليدي له هو فريق الأهلي، لكن المتابع لتعليقات مواقع التواصل قبل وبعد هذه المباراة أو غيرها، يلحظ أن الأمر ليس على هذا النحو التنافسي الرياضي فقط! رُبما ستعثر بين التناطح المتبادل على تعبيرات من طراز: "الزمالك الملكي، الأهلى يا دولة، ولا غيره يفرحني أو سنظل أوفياء"، إلى آخر هذه المفردات النفسية المبالغ فيها! مما قد يدفعك لتأمل أثر الكرة في النفوس.

حتمًا ستجد حولك أحدهم، حتى وإن كان ممَن يتسمون بالحكمة، وقد تبدَّل عند انفعاله بفوز أو إخفاق فريقه إلى إنسان آخر! كائن منتصر بفخر أو مهزوم بعمق، وعلى نحو متعدٍ لمجرد نتيجة مباراة! بقليل من التدبر لهذا الشخص، رُبما تستشف أن ما طرأ عليه هو أن فريقه قد حقق له منجزًا بالوكالة، أنساه ولو مؤقتًا كل هزائمه في الأرض، أو أن ضيقه بانتكاسة لاعبيه قد وضع كل إخفاقاته بالحياة أسفل عدسة مكبرة! لذا تجد رجل أعمال وقد عقد نهارًا واحدة من أكبر صفقات مجموعته الاستثمارية، لكنه نام ليلته مجروحًا بصدق عقب خسارة فريقه لثلاث نقاط في سباق الدوري! ورُبما موظف صغير بشركة حكومية، تكالبتْ عليه شتى صنوف الهم والعجز وقلة الحيلة، لكنه وفي نهاية اليوم وعقب إحراز فريقه للبطولة في المساء، سوف يرتقي فراشه امبراطورًا مزهوًا بنفسه بفضل ميدالية لم تقرب رقبته وكأسًا لم يلمسه! هذا الشخص ذاته لو انهزم فريقه ولم يسر مخدر النصر دافئًا بعروقه لرُبما ثار في جنون على كل الأوضاع المحيطة به بدءًا من تعاليم مديره في العمل وصولًا لتعاليم السماء! هذا ما يجعلنا ننصت في دهشة لبعض الملتزمين خلقيًا أو دينيًا وهم في لحظات مهووسة وبلا إرادة يسبون الديانات الإبراهيمية والوضعية لرأس حربتهم حين يطيح بالكرة خارج المرمى والفريق مهزوم ودقائق الوقت بدل الضائع من أعمارهم تنفرط! هكذا ولأن الانتصارات في الحياة نسبية وكذلك الهزائم، لذا فإن أهم ما تحققه الكرة، هو النصر بالوكالة لكل مهزوم!

 مع تتالي المباريات تمر السنون وتتراكم الذكرى. تتخلق في وجدان المُشجع قيمة عجائبية الوقع في نفسه! حالة شعورية معقدة تنتابه حيال فريقه! يمتزج فيها الحب بالشجن بالحنين! شجن تجاه ما فات وحنين إلى مَن كانوا جواره يشجعون. رُبما الأيام الضبابية الأولى لأحدهم هي مباريات كأس العالم بالمكسيك عام 1986، حتمًا ما زال متذكرًا جده وهو يشجع أصحاب الأرض، لا لشيء سوى اعتقاده أنهم في ملامحهم يشبهون المصريين. مشجع آخر رُبما مباراة الزمالك والمرعب "أشانتي كوتوكو" بنهائي إفريقيا للأندية الأبطال عام 1993 هي المرة الأولى التي يري فيها أباه يقفز لهذا الحد مع ركلة الجزاء الأخيرة بملعب القاهرة الرئيس. مشجع ثالث إلى الآن ما زال مستحضرًا رفقة صديق البدايات للإسكندرية يوم حصد الأهلي درع الدوري بمباراة فاصلة أمام الإسماعيلي بنتيجة 3/4 عام 1994 في مباراة لن تنسى. من أجل هذا يتوق الأول مع كل خبر عن منتخب المكسيك إلى جده البعيد، ويحن الثاني مع كل فوز للزمالك إلى صيحة وقفزة أبيه، بينما يتذكر الثالث مع كل نصر للأهلي صديقه الذي ارتقى مع الـ 74 أو مع الـ 22. هكذا مع الأعوام يكتشف المشجع أن رغبته في حصد فريقه للبطولة ليس فقط من أجل أن يفرح ويبتهج، لكنها أيضًا وفاءٌ عميق في نفسه وحنين لمَن رافقوه أيامًا عزيزة في البيت أو المدرج أو الشارع، هكذا مع السنين تستحيل خزانة ناديك مساحة افتراضية كبرى للدروع والكؤوس والذكريات وحكايات فرحة مجنونة مع بشر لم يعودوا بيننا موجودين.

 المتأمل عن كثب قد يجد أن مباريات كرة القدم بأحوالها المتقلبة في جنون، هي للشغوفين بها، المعادل البصري الأكثر إثارة لقصص حيوات البشر على الكوكب، فما حكايانا إلا الصراع، إلا النصر الذي يعقبه هزيمة، والهزيمة التي تأتي من بعد نصر، هذا هو جوهر تنافس ركل الكرة، ورُبما هذا أيضًا ما جعلها لملايين الأرضيين واحدة من أبدع مخدرات الروح.

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر:twitter.com/sheriefsaid

كلمات البحث