تؤثر التكلفة الباهظة للغذاء والطاقة على البشر في جميع أنحاء العالم، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يمكن أن تدفع هذه الأزمة ما يزيد على 71 مليون شخص إضافي إلى براثن الفقر، في هذه المقالة نرصد هذه الظاهرة العالمية ونحدد بدقة مساهمتها في رفع معدلات التضخم في العديد من دول العالم لمستويات غير مسبوقة في تاريخ البشرية، ثم نتطرق باختصار لبعض آثار أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة على البشرية مع سرد بعض التجارب والحلول التي لجأت إليها بعض بلدان العالم للمساعدة في إزالة آثار هذه الأزمة.
من الآثار الاقتصادية للحرب الروسية - الأوكرانية في جميع أنحاء العالم هو حدوث أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة التي دفعت ملايين الأشخاص إلى الفقر حول العالم، فقد أدى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة إلى سقوط 71 مليون شخص في البلدان النامية في براثن الفقر، وفقًا لإحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث صرح مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أكيم شتاينر: "بأن الزيادات غير المسبوقة في الأسعار بالنسبة للعديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم، أدت إلى صعوبة حصولهم على الطعام المعتاد لهم والذي كانوا يشترونه بالأمس القريب دون عناء"، في حين أن اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة كوفيد-19 أدت بالفعل إلى ارتفاع الأسعار إلا أن التضخم ارتفع بصورة أكبر نتيجة الاضطرابات التي سببتها الحرب الروسية - الأوكرانية، فقد لوحظ ان معظم الزيادات انعكست في ارتكلفة الغاز الطبيعي بنسبة 166،8٪ على مدى 12 شهرًا حتى شهر مايو 2022 منذ بدء الحرب في فبراير 2022، ووفقًا لإحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن الحرب الروسية - الأوكرانية مسئولة أيضًا عما يقرب من 40٪ من الزيادة السنوية في أسعار القمح، وعن 60٪ إلى 75٪ من الزيادات السنوية في أسعار زيت بذور الذرة ودوار الشمس، والتي أدت إلى ارتفاع سعر زيت الطعام لمستويات غير مسبوقة حول العالم، فزاد عدد السكان الذين يعيشون على 1,9 دولار يوميًا - وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي - بنسبة 51،6% نتيجة ارتفاع تكلفة الغذاء والطاقة في الأجل القصير، بالإضافة إلى التأثير السلبي لارتفاع الأسعار على السكان الفقراء.
والسؤال: هو ما تأثير أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة في جميع أنحاء العالم؟
ذكر خبراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الدول التي تواجه أسوأ آثار أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة عبر جميع خطوط الفقر هي تحديدًا أرمينيا وأوزباكستان في آسيا الوسطى، وبوركينا فاسو وغانا وكينيا ورواندا والسودان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ وهايتي في أمريكا اللاتينية؛ وباكستان وسريلانكا في جنوب آسيا، ولكن حتى في البلدان الأكثر تقدمًا، هناك أشخاص يضطرون إلى العيش بدون طعام، ففي مايو الماضى، أظهر استطلاع أجرته شركة Ipsos للمنتدى الاقتصادي العالمي أن 1 من كل 4 أشخاص يعانون ماليًا في 11 دولة متقدمة، وفي المملكة المتحدة، يقول واحد من بين كل سبعة بالغين أنه لا يستطيع تناول الطعام كل يوم - بزيادة قدرها 57٪ منذ يناير.
في تقرير عن وكالة رويترز حول البحث عن أسباب ارتفاع الأسعار مكون من ثلاثة أجزاء، نسرد فيما يلي بعض الطرق التي يؤثر بها التضخم على حياة الناس اليومية في ثلاثة بلدان مختلفة من مناطق مختلفة ومستويات معيشة مختلفة:
الحالة الأولى في دولة كينيا، بلغ معدل التضخم أعلى مستوى له في خمس سنوات بنحو 8٪، اضطرت فلورنس كاغيها، وعمرها 44 سنة - التي تبيع الخضار - إلى البدء في استخدام الحطب أو الفحم للطهي مرة أخرى بدلًا من الكيروسين، بدأت تتجول الأسرة في كل مكان، بدلًا من ركوب الدراجات النارية وتناول اللحوم مرة واحدة في الشهر، وقالت لرويترز نصًا: "إن سعر الخضار في سوق الجملة تضاعف؛ ولذا عليَّ أن أبيعها بضعف السعر، لكن الزبائن لا يستطيعون تحملها، وينتهي بي الأمر بتكبد خسارة عدم البيع وبوار السلع".
الحالة الثانية في دولة المملكة المتحدة، حيث ارتفع التضخم إلى أعلى معدل له في 40 عامًا، من 1،6٪ إلى 9،1٪ في 18 شهرًا، كان ليني بوينتون البالغ من العمر 62 عامًا، من جنوب شرق لندن، عاطلًا عن العمل منذ أن فقد وظيفته في عمليات التسريح التي بدأت في أوائل عام 2021، حيث يعيش الآن على إعانة الرفاهية الحكومية التي تمنح حوالي 300 دولار شهريًا، ويصوم بانتظام؛ لذلك لديه ما يكفي من المال لشراء الطعام لكلبه، وقال لرويترز "إنه جهد شاق لتغطية نفقاتهم".
الحالة الثالثة في دولة بنغلاديش، الخريج عبدالسلام هو واحد من 3،6 مليون عاطل عن العمل يكافحون للعثور على عمل مع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في ثماني سنوات، إنه يعيش على 32 دولارًا في الشهر، لذلك استبدل إفطاره الصباحي من البيض المسلوق بالحمص وقليل من المكسرات، قال: "أعتقد دائمًا بإيجابية، أنا مقاتل".
الخلاصة هنا أن الأسر الأكثر فقرًا هي الأكثر تضررًا من ارتفاع الأسعار؛ لأن فواتير الغذاء والطاقة تشكل نسبة أكبر من مصاريفها الشهرية - في بعض الحالات، تصل نسبة الزيادة إلى الضعف ذلك مع ثبات أو انخفاض الدخول الشخصية.
ما الذي تفعله الدول للتخفيف من أزمة غلاء المعيشة؟
تتخذ الحكومات إجراءات مؤسسية نظامية لتخفيف أثر التضخم، بما في ذلك التخفيضات الضريبية، والسفر المجاني بالقطار، ودعم الطاقة والتحويلات النقدية، ومع ذلك، يحذر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أنه لن تكون جميع السياسات فعالة بنفس القدر، وقد يتربح بعض الأثرياء بشكل غير متناسب من جراء هذه السياسات؛ ولذا علينا الدراسة وتوفيق الأوضاع وفقًا لملابسات كل حالة.
"في حين أن الدعم الشامل للطاقة قد يساعد على المدى القصير، فإنه يؤدي على المدى الطويل إلى عدم المساواة، ويزيد من تفاقم أزمة المناخ، ولا يخفف من الضرر الناتج مباشرة من زيادة تكلفة المعيشة بقدر ما تفعل التحويلات النقدية المستهدفة".
يقول الباحث جورج غراي مولينا، رئيس المشاركة السياسية الإستراتيجية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "إنهم يقدمون بعض المساعدات للتخفيف الفوري للأزمة، لكنهم يفاجئون بمستوى أصعب وأشرس من تطور الأزمة مع مرور الوقت".
وهنا أسرد باختصار بعض الحلول التي قامت بها بعض الدول لدعم شعوبها بهدف تخفيف آثار أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة:-
في إسبانيا، اتخذ إجراء مهم يسهل من تكلفة السفر بالقطار لمسافات تصل إلى 300 كيلومتر وبشكل مجاني لمدة ثلاثة أشهر من سبتمبر إلى ديسمبر، للمسافرين الذين يشترون تذكرة متعددة الرحلات، في كينيا، قام الرئيس أوهورو كينياتا، الذي تنحى عن منصبه بعد فترتين في أغسطس، برفع الحد الأدنى للأجور الشهرية بنسبة 12٪، و تساعد الحكومة المزارعين على دفع ثمن الأسمدة وتقدم دعمًا للوقود، بينما اتبعت ألمانيا نهجًا مشابهًا، حيث قدمت الحكومة الفيدرالية بطاقة مواصلات عامة شهرية بقيمة 9 دولارات حتى أغسطس، وفرضت الحكومة في الهند قيودًا على صادرات القمح والسكر وأعلنت عن تخفيضات ضريبية على الوقود والسلع الأساسية للمساعدة في حماية المستهلكين، وفي تجربة أخرى، تمنح المملكة المتحدة 8 ملايين أسرة منخفضة الدخل دفعة مباشرة قدرها 780 دولارًا مقسمة إلى قسطين، بينما ستحصل كل أسرة على منحة طاقة بقيمة 480 دولارًا، وتطرح بنغلاديش البطاقات التموينية العائلية لضمان حصول الأسر ذات الدخل المنخفض على السلع الأساسية.
وفي الختام نؤكد الآتي:-
كثير من الناس حول العالم يخططون لخفض فواتير الطعام والتدفئة واستخدام الكهرباء والإنترنت للتواصل الاجتماعي؛ بل وتأخير اتخاذ القرارات بشأن المشتريات الكبيرة، لكن قلة من الناس قالوا إنهم سيطلبون زيادة في الراتب أو يقترضون المال أو ينتقلون إلى سكن أرخص، و يُنظر إلى ارتفاع تكلفة المعيشة على أنه مدفوع بعوامل خارجية وعالمية في معظم البلدان: فمثلًا يروا أن حالة الاقتصاد العالمي مسئولة بنسبة (77%)، وعواقب الحرب الروسية - الأوكرانية بنسبة (76٪) ووباء كوفيد 19- بنسبة 72%، لكن ينظر الناس أيضًا في هذه إلى أن سياسات الحكومات الوطنية على أنها تلعب دورًا في رفع الأسعار بنسبة 70٪ من، بما في ذلك 80٪ في تركيا و 76٪ في بولندا و 72٪ في الولايات المتحدة، وتحتاج الاقتصادات التي تضم عددًا أكبر من الفقراء يصلون إلى الملايين، وأحيانًا بالمليارات إلى النمو إذا أردنا تراجع الفقر العالمي، و بدون النمو الاقتصادي لزيادة متوسط الدخل في البلدان المحرومة، لن يكون من الممكن للناس أن يتخلصوا من آفة الفقر، كما يمكن أن تساعد عملية إعادة توزيع الدخل داخل البلدان الأفقر أو تقاسم ثروة البلدان الغنية في معالجة المشكلة، وعلى أغنياء العالم التبرع لإنقاذ الفقراء حول العالم؛ سواء من خلال حكوماتهم أو الأفراد للتبرع لفقراء العالم، وأيضًا محاولة إسقاط ديون الدول الفقيرة ذات الكثافات السكانية المرتفعة؛ لتخفيف آثار الأزمة.
وأحد الأسباب المهمة لهذا الطرح تكمن في، حقيقة أن الفقراء في كثير من دول العالم الثالث بالأساس ضحايا استغلال القوى الاستعمارية التي لم تسمح لتلك الاقتصادات بالنمو، وبدلًا من ذلك أفقرتهم، ولذا يجب إنهاء الظلم في عالم غير متكافئ للغاية، في حين أن بعض الأماكن في العالم قد خلفت أسوأ فقر وراءها، فإن الغالبية العظمى من العالم لا تزال تعيش في بلدان؛ حيث متوسط الدخل منخفض للغاية، وهنا يجب مساعدة هذه الدول على زيادة متوسط الدخل من خلال مساعدتها على تحقيق النمو الاقتصادي؛ ولهذا السبب أعتقد أن كل من يهتم بالفقر العالمي يجب أن يكون واضحًا، وأن يقول دون أي تردد إنهم يؤيدون النمو الاقتصادي للدول التي يقطنها مليارات الفقراء في العالم، ودون أن يتحقق ذلك سنشهد عواقب غير محمودة لأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة حول العالم، وعلى العالم المتقدم إنقاذ الموقف من خلال تقديم المساعدات وإسقاط ديون الدول الفقيرة دون تردد، كما أنه بات واضحًا ضرورة حل الصراعات السياسية الحالية بطرق دبلوماسية؛ لأن البديل الآخر كل العالم فيه خاسر.
* عميد كلية التجارة جامعة القاهرة