يمثل البحث العلمى ركيزة أى نهضة حقيقية وتخطيط استراتيجى مستقبلى للوصول للتنمية المستدامة ورفاهية الشعوب، ويعد المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد التابع لوزارة التعليم العالى والبحث العلمي، أقدم مركز بحثى مصرى معنى بالبحار والثروة السمكية فى مصر، قبل إنشاء الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ولازال أحد ملاذات الدولة لعلوم ودراسات تخطيط هذا القطاع وتنميته.
ذهبنا إلى مدينة السويس الباسلة، والتقينا الدكتور أحمد عبد الحليم، مدير فرع المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد بخليجى السويس والعقبة وأجرينا معه هذا الحوار.
نريد التعرف على طبيعة عمل المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد؟
.. المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد، أحد المعاهد القومية التابعة لوزارة التعليم العالى والبحث العلمي، وهو أحد 13 معهد بحثى علمى قومى تابعين لذات الوزارة، والمعهد أيضًا يعد من أقدم المعاهد البحثية فى الشرق الأوسط وأفريقيا، واحتفلنا عام 2018 بمئوية المعهد الذى جاء إنشاؤه بقرار سلطانى عام 1918.
ما هى اختصاصات المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد ؟
.. المعهد مختص بعلوم البحار والمصايد عمومًا، وكل ما يتعلق بها من بيئة، سواء بالبحر وكل ما يحتويه من كائنات حية، بالإضافة للمصايد ونظم الصيد وأنواع الأسماك وتجمعاتها وكل ما يتعلق بها.
أين تقع مناطق عمل المعهد وفروعه ؟
.. المعهد يُغطى جميع أرجاء الجمهورية تقريبًا، وتتبعه فروع فى 10 محافظات، وفروعه الرئيسية الأربعة أولها فى الأسكندرية. والفرع الثانى فى السويس، أما الفرع الثالث المعنى بالبحر الأحمر والموجود فى الغردقة، فيختص بالمنطقة من الغردقة شمالاً حتى حلايب على الحدود السودانية جنوبًا، ويأتى بعده الفرع الرابع الخاص بالمياه الداخلية ونهر النيل والبحيرات الداخلية كناصر وقارون والتمساح والريان والمُرة وموجود بمدينة القناطر الخيرية.
وما مدى تغطية المعهد للمسطحات المائية على مستوى الجمهورية ؟
.. المعهد يغطى كامل المسطحات المائية على مستوى الجمهورية، وأى منطقة بها مياه طبيعية تجد المعهد متواجدًا بها، يبحث مشكلاتها ويضع حلولها.
وماذا عن الدور العلمى للمعهد ؟
.. من الناحية العلمية نحن كمعهد قومي، أشبه بالجامعة ونتبع وزارة واحدة فالجامعة تتبعها كليات، ومعهدنا يتبعه أربع كليات أساسية ونسميها فى المعهد شُعَب، منها شعبة البيئة البحرية وهى أكبر شعبة وتدرس المياه والتلوث الموجود والكائنات الحية بهذه المياه والتغيرات الموجودة فى قاع البحر وكل ما يخص التغيرات المناخية. والشعبة الثانية هى شعبة التغذية والاستزراع، .
والشعبة الثالثة، هى شعبة المصايد، والشعبة الرابعة تختص بالمياه العذبة، بينما الشعب الثلاث الأخرى معنية بالبحار، وبها أقسام بكل فروع المعهد تقريبًا وتعمل فى كل مكان بمصر.
كيف يتم التعاون بين المعهد والجهات العلمية أو التنفيذية ؟
.. بالطبع هناك تعاون كثيف بين المعهد وعدد من الجهات المعنية والتنفيذية، ففى السابق كنا نعمل وحدنا بصفتنا الوحيدون المتخصصون فى الثروة السمكية، وبعد ذلك تم إنشاء هيئة الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة وهناك أيضًا شُعب متخصصة تتبع وزارة الرى متعلقة بالمياه، وهناك تعاون كبير بين المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد وهذه الجهات خاصة هيئة الثروة السمكية وجهاز شئون البيئة.
ما هو شكل التعاون بين المعهد وجهاز شئون البيئة ؟
.. إذا حدث بلاغ من جهاز شئون البيئة، بوجود تلوث فى منطقه ما، يتم الذهاب إلى مكان البلاغ فورًا ونتعاون لحل المشكلات، ونقدم آراءنا كهيئة بحثية بينما يقوموا هم كجهة تنفيذية لها سلطة تنفيذ العقوبة، باتخاذ الإجراءات القانونية بعدما نقدر نحن الخسائر التى حدثت، والتعاون بيننا دائم وكثيرًا ما تحدث المشكلات الزيتية ونقوم بالتعاون مع جهاز شئون البيئة لحل هذه المشكلات وبحمد الله نجحنا فى حل الكثير منها.
نسمع كثيرًا عن مصطلح الاقتصاد الأزرق.. فما هو ؟
.. الاقتصاد الأزرق إشارة للبحر، مثلما الاقتصاد الأخضر إشارة للزراعة، وبالتالى الاقتصاد الأزرق معنى بكيفية الاستفادة من البحر، فالبحر مجرد منتجع للسائح أو مصدر سمك للصياد، لكنه وفقًا للاقتصاد الأزرق، أكبر من ذلك بكثير فهو عالم كبير يدرسه الخبراء وهو من أهم مصادر الطاقة التى يمكن الحصول عليها.
ما هى الثروات الموجودة فى البحر ويمكن الاستفادة منها ؟
.. أولاً به طاقة مباشرة مثل آبار ومنصات استخراج النفط والغاز، وبه أيضًا طاقة الرياح التى منها يمكن إنتاج الكهرباء كما فى الزعفرانة ورأس غارب، كما أنه يمكن استغلال حركة الأمواج نفسها وبوضع نوع من البدالات يمكن الاستفادة من هذه الحركة، وهناك الفارق فى الحرارة بين السطح والقاع ويمكن استغلال هذا الفارق فى إنتاج الطاقة والكهرباء، وهناك أيضًا الفارق فى الملوحة بين السطح والقاع أى أن هناك طبقتين مختلفتين فى الملوحة وشديدة الملوحة منهما فى القاع ويمكن استغلال هذا الفارق أيضًا فى إنتاج الكهرباء.
هل هناك إمكانية لإنشاء ملاحات جديدة ؟
.. من أهم أوجه الاستفادة من مياه البحر، إنتاج ملح الطعام ذات القيمة الاقتصادية العالية وهو مرتفع الثمن فى أوروبا، فرغم توافر البحار حول القارة الأوروبية إلا أنه ليس لديهم حرارة الشمس المرتفعة القادرة على تبخير الماء ليتبقى الملح، وبذلك يلجأون للدول القريبة من خط الاستواء كمصر التى يوجد بها ملّاحات وشركات كبرى لإنتاج الملح، ومصر بما تمتلك من إمكانيات بحر وحرارة يمكنها إنتاج كميات هائلة من الملح وتصديرها للخارج وهو مشروع مرتفع الربحية إذا أقدم القطاع الخاص على الدخول فيه.
هل معنى ذلك إمكانية تحقيق عوائد مادية جديدة من البحر تدعم الاقتصاد القومى ؟
.. العالم بدأ دخول مجال الاقتصاد الأزرق، والدولة التى لديها بحر تمتلك ثروة هائلة لكن لم يتم الاستفادة منها حول العالم بالقدر الكافي، فالبحر ليس مجرد مناطق استخراج غاز ونفط أو صيد وتربية أسماك، ونحن لدينا حوالى 2400 كيلو متر سواحل بحرية على البحرين المتوسط والأحمر وفى حال نجاحنا فى استغلال هذه المساحات الشاسعة سنستفيد بشكل جيد.
وماذا عن تحلية مياه البحر واستغلالها فى التنمية المستدامة ؟
.. من أبرز ما نهتم به حاليًا، إنشاء محطات لتحلية المياه وفى السابق كنا نستعين فقط بمياه النيل والآبار لتوفير احتياجاتنا من المياه الحلوة، وكنا لا نتجه للتحلية لارتفاع تكاليفها جدًا، وبالمقارنة بالسعودية ودول الخليج، فهى اتجهت إلى تحلية مياه البحر نظرًا لعدم وجود أنهار أو رصيد مياه جوفية.
ونحن فى مصر لدينا الآن 15 محطة تحلية لمياه البحر على البحر الأحمر وحوالى 7 محطات أخرى على البحر المتوسط، وبذلك نكون استفدنا من مياه البحر كمصدر اقتصادى مهم وثروة عظيمة تتمثل فى توفير احتياجاتنا من المياه العذبة.
هل لدينا الكفاءات العلمية القادرة على النهوض بهذا المجال ؟
.. مصر تمتلك الكفاءات العلمية القادرة على بناء اقتصاد أزرق، فلدينا حاليًا محطات تحلية عملاقة منها محطة العلمين التى تنتج 150 ألف متر مكعب مياه حلوه يوميًا ونتجه نحو 200 متر مكعب يوميًا، وهناك محطات عملاقة أخرى فى منطقة السخنة أنشأت قبل 3-4 سنوات وجارى إنشاء أخرى عملاقة فى منطقة الجلالة ويوجد غيرها فى بورسعيد وشرم الشيخ وطابا ونويبع وهى ثروات لم تكن مستغلة من قبل بهذا الحجم.
وهل يهتم خبراء المعهد بهذا الجانب ؟
.. لدينا فى المعهد شعبة البيئة، التى بدأنا فيها تطبيق تقنيات لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل ولدينا أساتذة خبراء حصلوا على براءات اختراع فى هذا المجال، وأبحاثهم منشورة فى مجلات علمية دولية.
وما هو الوضع بالنسبة للاستزراع السمكى ؟
.. مصر تعتبر من أوائل دول العالم فى الاستزراع السمكي، خاصة البلطى والبورى وهو مجال ضخم جدًا خاصة لما تملكه مصر من كفاءات كبيرة فى هذا المجال، والاتجاه القادم هو الاستزراع البحرى فى البحر الأحمر، عبر وضع أقفاص لاستزراع الأسماك البحرية عالية الجودة ومرتفعة السعر وهذا أمر اقتصادى جدًا لأن أسماك البحر أغلى كثيرًا من أسماك المياه العذبة، وتم بالفعل تحديد 15 نقطة على البحر الأحمر ونأمل أن نتبوأ مكان متقدم عالميًا فى الاستزراع البحري، وأن يكون هذا التوجه نقلة نوعية.
ما أبرز الأنواع البحرية التى يمكن استزراعها ؟
.. مصر تستزرع على مياه البحر المتوسط أسماك بحرية عدة، يأتى فى مقدمتها الدنيس والقاروص واللوت، وفى البحر الأحمر والسويس وشرق التفريعة وأيضًا فى الأسكندرية نجحنا فى استزراع الجمبري، وأعتقد أنه خلال الفترة القادمة سيكون لدينا إنتاج جمبرى بكميات كبيرة، والبحر الأحمر يتميز أنه يتضمن أنواع كثيرة من الأسماك بخلاف البحر المتوسط، ويرجع ذلك إلى أن البحر الأحمر مليء بالشعب المرجانية وهى تمثل بيوت آمنة وجاذبة للأسماك من مختلف الأنواع، كما أن طبيعة البحر الأحمر من حيث الملوحة وعدم تلوثة كما البحر المتوسط، تساعد على جذب ونمو الأسماك، وأشهرها أسماك الشعور والقشر والوقار.
وبماذا تنصح لتنمية إنتاج الأسماك البحرية ؟
.. استزراع هذه الأنواع البحرية أصعب ومداها الزمنى أكبر من استزراع أسماك المياه العذبة كالبلطى والبورى وغيره، والأفضل لتنمية ما فقدناه من رصيد فى البحر، أن نقوم بتهيئة الطبيعة البحرية لها حتى تنمو وتتكاثر أفضل من استزراعها وإعادة ضخها فى البحر، وأسماك البحر تكون حساسة جدًا وأى تغير فى البيئة المحيطة بها يؤثر عليها ولا تتلاءم مع التربية المحبوسة مثل البلطى والبوري.
كيف ترى الدعوات الخاصة بجعل السويس مدينة عالمية للصيد والنزهة البحرية والصيد بالصنارة ؟
.. هذا أمر غاية فى الروعة، لكن التنفيذ يحتاج بعض التطوير لبعض المناطق التى يمكن البدء فيها مثل منطقة السخنة والجونة الزعفرانة، لكن مدينه السويس نفسها يصعب حاليًا بدء تنفيذ الفكرة بها لوجود تعداد هائل من السكان ومصانع وشركات.
وما الذى يميز هذه المناطق عن مدينة السويس ؟
.. تتميز هذه المناطق بانخفاض التلوث ووجود كميات كبيره من الشعب المرجانية الجميلة والنادرة، التى ستكون جاذبة للغطاسين خاصة مع توافر أنواع عديدة من الأسماك البحرية زاهية الجمال.
وأين نحن الآن فى مجال الاستزراع السمكى ؟
.. مصر من أكبر دول العالم فى الاستزراع السمكي، خاصة من البورى والبلطى وهو مجال ضخم جدًا، خاصة مع ما تملكه مصر من كفاءات فى هذا المجال، والاتجاه القادم هو نحو الاستزراع البحرى فى البحر الأحمر خاصة بعد المشاريع التى تمت فى هذا المجال فى أحواض الترسيب التابعة لقناة السويس الجديدة ثم بركة غليون ومشروع الفيروز وغيرها.
الدكتور أحمد عبد الحليم يتحدث للزميل تامر دياب