مر ما يزيد على عقد من السنوات على ثورات "الربيع العبري" التي أطلق عليها الغرب وأمريكا ومن يخدمونهم من الجماعة الإرهابية ومن عملاء الداخل في كل المنطقة مصطلح ثورات الربيع العربي.. وبعد مرور أكثر من عشر سنوات لم يأت ربيع أو حتى علامة تدل عليه، وإنما أتى خراب ودمار وتفكك دول عادت إلى زمن بعيد، وتحول بعضها إلى دول فاشلة لم تعد قادرة على الحياة.. بل لم تعد قادرة على تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس، أو اتخاذ قرار في برلمان..
السنوات العشر الفائتة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أو التكذيب أن أمريكا والغرب وكل دول الاستعمار القديم لا يهمهم ديمقراطية، ولا حقوق إنسان، ولا مشاعر إنسانية، ولا حتى دينية.. كلهم وحوش يبحثون عن قطع اللحم في أي مكان يأكلونها ويتركون العظام لشعوب الدول التي تسقط بفعل التبعية العمياء أو الخيانة أيًا كانت صورها.
إذا قرروا السرقة فلا يهم الوسيلة التي تتنوع وتتغير بين المال وتوفير الحماية والوعد بالمنصب إلى استغلال التدين الكاذب.. وأحيانًا بلا مقابل.. فالخائن بطبعه يبحث عمن يشتريه بالمال، وإن لم يجد فإنه يعرض نفسه بلا مقابل حتى لا يطويه النسيان.. وهو لا يدري أن مصيره إلى مكب النفايات لا محالة..!
تابعنا الكيل بمكيالين وأكثر في الترويج لفكرة الديمقراطية الغربية، والنموذج العراقي والليبي، وفي حقوق الإنسان رأينا العجب بين النموذج الفلسطيني والسوري واليمني وبين النموذج الأوكراني، ورأينا كيف تتعامل أمريكا والغرب مع ما يبشرون به عالمنا العربي.. تابعنا رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب، وتابعنا وضع الحرس الإيراني على قوائم الإرهاب، واليوم يلوحون برفعه منها مقابل الابتزاز السياسي والمالي لدول الخليج، والأمثلة لن تنتهي!
مصر منذ بدأت ثورات "الربيع العبري" وهي في طوق النار الذي يحيطها من كل جانب.. في الشرق الكيان العبري الذي يجني الآن ثمار كل هذه الثورات التي فقدت بسببها دول سيادتها وقرارها ولم تعد قادرة على الفعل.
وفي الغرب ليبيا التي تحولت إلى بؤرة صراع دولي وإقليمي نازفة، وتتنازعها ميليشيات من كل حدب وصوب، وحكومتان يقتسمان البلاد، وجيش وطني محروم من التسليح حتى لا يستطيع فرض الأمن في البلاد، ومجتمع دولي يدير الأزمة التي صنعها ولا يقدم حلولًا نافذة فيسمح للميليشيات بالتسلح ويحرم الجيش الوطني.
وفي الجنوب السودان الشقيق وتفجر الأزمة تلو الأخرى أملًا في امتداد الصراع الداخلي لتتحول إلى دولة فاشلة ويصبح أمن مصر القومي على الحدود الجنوبية معرضًا للخطر، واستنزاف طويل للقوة والمال لفرض السيطرة على تلك الحدود!
وفي الشمال أزمة شرق المتوسط وثروات مصر ومقدراتها الاقتصادية التي تحتاج إلى المزيد من اليقظة وفرض القوة بالردع المعنوي والمادي، بالإضافة إلى مشكلات وتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية التي تفرض ضرورة وجود سياسة واضحة ومباشرة تحفظ الحقوق المصرية والسيادة في المنطقة المهددة بين لحظة وأخرى بالاشتعال!
هذا ما يتعلق بطوق النار الذي يحيط بالدولة المصرية، ويفرض عليها واقعًا صعبًا وخيارات أصعب عند اتخاذ القرار؛ سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي، وما زاد الأمر صعوبة هو تداعيات الحرب الأوكرانية وما تفرضه من واقع اقتصادي قاس، ومحاولات استقطاب حادة لا تراعي مصالح الدول ذات الاقتصادات الناشئة أو تلك التي تحاول أن تسترد عافيتها بعد جائحة وباء كورونا!
في ظل هذا الوضع - الذي لا تستطيع فيه دولة أن تتنبأ بما قد يحدث بعد شهر وليس سنة، ولا يملك خبراء الاقتصاد والمال توقع ما قد يحدث في العالم بسبب التداخل المعقد في آليات السوق وأزمات الطاقة والغذاء المتصاعدة - تجري وقائع حوار وطني دعا له الرئيس السيسي، وأطلق له العنان في كافة المجالات بدون سقف، ودعا إليه كل الأطياف والأحزاب والفئات باستثناء الجماعة التي اختارت القتال وقت محاولات إسقاط مصر لصالح ثورات الربيع العبري.
الحوار الوطني مهم وضروري.. لكن أهميته تكمن في القضايا التي يناقشها وفي مخرجاته التي تصدر عنه لذلك من الضروري طرح بعض الأسئلة:
* هل قرأ المتحاورون ما يجري حول مصر من أخطار قراءة جيدة؟
* هل يدرك كل المشاركين في الحوار خطورة طوق النار الذي يحيط بمصر؟
* هل يتابع المتحاورون ما يحدث في العالم بسبب تداعيات الحرب في الطاقة والغذاء؟
* هل وصل المتحاورون إلى مساحة مشتركة حول أهم التحديات التي تواجه الدولة المصرية وليس النظام السياسي في هذه الأزمة المركبة؟
* هل استوعب المتحاورون أهمية تصحيح المفاهيم المغلوطة التي يرفعها بعضهم انقيادًا وراء شعارات زائفة لا يعمل بها من أطلقوها علينا؟
الأسئلة لن تنتهي لأن العقول شتى، والمصالح متقاطعة، والولاءات متعددة، وعواجيز الفرح يملأون صفحات الميديا بالتشكيك والتضليل، ويجلسون أمام الكاميرات ينشرون الجهل والسطحية ويسعون لإفراغ العقول، بينما الوطن يحتاج إلى ولاء واحد وواضح، وإلى مصالح متجانسة لا تتصادم مع مصلحة الوطن، وإلى عقول مؤمنة بالدولة الوطنية وبقدرات أهلها على العبور من الأزمة بسلام، وإلى وعي يكون حائط الصد المنيع.