حروب شرسة لا أحد يريد استئصال جذورها أو نزع فتيلها؛ بل يسهم كل في إشعالها واتساع مداها.. حروب باتت تفتك بالبشر وتنزع عنهم صفة الإنسانية، وترتد بهم نحو آفاق العدم، بعد أن أحكموا في دواخلهم خيوط المؤامرة الذاتية.
فإذا تساءلنا عن احتدام الصراعات في العالم وتواصل الانقلابات وحروب العصابات والانتفاضات والاحتجاجات والمظاهرات الدامية والاختلالات والمواجهات الداخلية والتسابق المحموم نحو التسلح النووي، وممارسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
وكذلك إذا تساءلنا عن حروب الغذاء وحروب المياه وحروب الغاز والبترول، فلن تجد وراء ذلك سوى شيوع تيار الكراهية، تلك التي فرضت وصايتها على العقل المعاصر بين الأفراد والجماعات والشعوب والأنظمة، محدثة حالة استثنائية من تطاحن معنوي وتلوث أخلاقي وانحدار قيمي وضبابية شكوك واستشراء خوف.. ذلك هو الواقع الرجعي المتجاهل لمعنى خاص هو أننا عندما نستهجن كافة التصرفات العدوانية ونرفض ازدراء الآخر لأسباب طائفية أو عنصرية، فإننا نفعل ذلك حفاظًا على المجتمع والحضارة والكرامة الإنسانية ليس غير، كما قال الفيلسوف "أندريه كونت".
ولعل كل ما ناقشه هذا الكتاب من قضايا وإشكاليات سياسية فكرية ثقافية ارتبطت بتلاطمات المحيط الدولي التي لم يحركها في الأساس سوى رافد الكراهية وحده، فإنه يدخل ضمن الغرائب الحضارية أن يصبح عنصر الكراهية فاعلًا إلى أقصى درجات اللا معقول الإنساني التي تكمن فيها تلك النزعة التمييزية بين البشر على أساس الدين أو العرق أو الجنس واللون أو الهوية أو النسب، وهي بالطبع تقود نحو السؤال الكارثي أو المعادلة الدموية المعاصرة: من يستحق البقاء ومن هو جدير بالفناء؟ من يمنح المشروعية ومن يسلبها؟
ولقد رصدت الشبكات الإلكترونية أرقامًا تفوق أي توصيفات، لكنها لا تتجاوز أن تكون ذات دلالة واحدة لا يختلف حولها وهي التحول الكلي نحو دوائر الاستعداء وإثارة الشر المطلق، فهناك نحو 15.1 مليون منشور يحض على الكراهية خلال أول ثلاثة أشهر من عام 2022، في حين أنه قد تم نشر 17.4 مليون منشور في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021، بجانب أنه قد تم إزالة نحو 22.5 مليون منشور على فيسبوك، و3.3 مليون منشور على إنستجرام، وكلها قد طوقت قارات العالم وصار لها من الفاعلية والتأثير ما جعل الكوكب الأرضي يخوض حربًا سوداء، ربما تكون هي المشهد الأخير في تاريخ البشرية!!
وعلى ذلك ترى أي آلية حضارية يمكن أن تتصدى لطوفان الكره المجتاح أعماق البشر؟ وكيف يقبل العقل المعاصر بأن تتحكم في ميكانيزماته كل تلك النوازع التدميرية تجاه الآخر؟ وهل كان من الحتميات الطبيعية أن تغيب طبائع العرق والهوية واللون والدين، ويسود نمط الاستنساخ البشري؟ وبأي لسان يمكن الحديث عن التسامح والتعايش والسلام والتعددية، والحوار بين الأديان والثقافات والقيم الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي، إذا كان خطاب الكراهية قد صار لغة متأصلة بين كافة الكيانات الدولية؟ ومن ينهض بثورة للوعي في الأفق الكوني؟
فيكفي ويكفي ما يساق عن تفصيلات تلك الفضيحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإستراتيجية، والتي فجرتها الحرب الروسية - الأوكرانية المستعرة، من أن هناك تواطؤًا دوليًا تترجمه خطة سرية أمريكية لإبادة نصف سكان العالم، تم فيها الكشف عن العديد من مراكز إنتاج الأسلحة البيولوجية والغبار الفيروسي والجرثومي في أوكرانيا، وقد أسهمت في إنشائها نحو تسع دول؛ منها: (فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وإسرائيل، وهولندا، وإستراليا)، لكنها في كليتها لم تتخذ مواقفها إلا على عناصر وأبعاد الإستراتيجية العنصرية التي تستهدف سحق الأدنى والأقل والأفقر؛ باعتباره كان وسيظل هامشيًا خارج التاريخ.
تلك لمحة خاطفة من معالم هذه الحضارة التي أبدعت نظرية خاصة عن مفهوم الكراهية وممارساته الدالة على تهاوي معايير العدل الإنساني ووحشية التعامل وجحود قيمة الإنسان وأثره، والإفراط في الأنانية وسيادة النرجسية، وإقرار ميثاق الأقوى المتغطرس الذي أشاع الهمجية الدولية حتى بلغت منتهاها حين صارت الكراهية هوية حضارة!!