د.مصطفى وزيرى: لدينا خطة متكاملة لمعالجة المشكلات الخاصة بالمواقع الأثرية
العميد هشام سمير: إنقاذ دير أبو مينا يتم على قدم وساق وفقا للخطة الزمنية المقررة
د. أسامة طلعت: لا نستطيع البدء فى الترميم إلا بعد معالجة المياه
خالد أبو الحمد: كوم الشقافة الآن أصبحت متحفًا مفتوحًا للزوار
مشكلة معاناة بعض المواقع الأثرية من المياه الجوفية ممتدة وطويلة، وتزداد تعقيدا مع طريقة وأسلوب العمران الحديث والكثافة السكانية الكبيرة فى الكثير من المواقع الأثرية، ومع ذلك يجرى العمل على قدم وساق فى أكثر من موقع أثرى للتخلص من تهديد المياه الجوفية، وأخيرًا تم الانتهاء من عدة مشروعات على مستوى الجمهورية أبرزها تمثال أبو الهول، ومعابد «الكرنك، والأقصر، وكوم الشقافة، ودير أبو مينا بالإسكندرية، وكوم أمبو، وإسنا، وأسوان، وهيبس». فى هذا التحقيق نرصد بعض المناطق الأثرية التى تهددها المياه الجوفية، وأحدث جهود وزارة السياحة والآثار المصرية فى معالجة هذه المشكلة.
نجحت وزارة الآثار فى إنجاز 98 % من مشروع إنقاذ دير أبو مينا بالإسكندرية، فهو من المواقع المسجلة أثريًا على قائمة مواقع التراث المهددة بالخطر منذ عام 2001، وكان من أكثر المواقع معاناة بسبب المياه الجوفية. وحسب تصريحات الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فقد وضعت الوزارة خطة لمعالجة مشكلة المياه الجوفية تتضمن سلسلة من التحسينات على نظام الصرف الصحى، حول الموقع الذى تبلغ مساحته 1000 فدان، منها مساحة 217 فدانا، تحيط بمنطقة الآثار الرئيسية، وترميم أنابيب وآبار ومضخات تحويل المياه من الموقع، وتغيير أنظمة الرى التى يستخدمها المزارعون فى محيط الموقع إلى نظام التنقيط، للحد من المياه التى تتسرب تحت الأرض فى المنطقة.
من جانبه قال العميد هشام سمير مساعد وزير السياحة والآثار للشئون الهندسية، إن أعمال مشروع إنقاذ دير أبو مينا تتم على قدم وساق، وفقا للخطة الزمنية المقررة مع اتخاذ كل الإجراءات اللازمة تجاه المشروع، والتعاون مع جميع الجهات المعنية، حيث تم تنفيذ 12 بئرا حول المنطقة، وتنفيذ خطوط طرد بطول نحو 5500 متر. وتتم متابعة تنفيذ الأعمال الحقلية بالمشروع بالتعاون مع معهد بحوث المياه الجوفية، ومعهد بحوث مياه الصرف؛ بالإضافة إلى أعمال تطهير المصارف الموجودة داخل المنطقة الأثرية، وتحويل نظام الرى بالغمر إلى نظام الرى الحديث، الذى سيكون له دور فاعل فى تقليل مياه الصرف الزراعى وتقليل مشاكل المياه الجوفية بالمنطقة..
ويوضح العميد سمير أنه بعد الانتهاء من أزمة المياه الجوفية بشكل كامل، سيتم افتتاح الموقع للزيارة، بجانب عمل طريق مسار الزيارة للموقع وعمل عرض متحفى بالموقع للقطع الأثرية، التى أسفرت عنها الحفائر وعرضها بالموقع، بالإضافة إلى وضع الحلول المناسبة للقضاء على الحشائش التى توجد بالموقع بشكل نهائى.
ويقول د. أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، إن مشكلة تراكم المياه الجوفية بالعديد من المناطق الأثرية، هى أزمة قديمة ومستمرة، منذ سنوات وسنوات، ولا نستطيع البدء فى ترميم الآثار الموجودة بأى منطقة إلا بعد معالجة المياه الجوفية المتواجدة بها. وكان شارع المعز من الأماكن التى عانت لفترة طويلة من مياه الصرف الصحى والمياه الجوفية، حيث إن كثافة الأعداد السكنية تختلف فى الدولة الفاطمية عن الوقت الحالى، وكان فى زمن الفاطميين لا يوجد شبكات للصرف الصحى، ثم بعد سنوات تم مد تلك الشبكات، ونتيجة التطور وعدم دراسة الأماكن القديمة بشكل دقيق حدثت العديد من المشاكل، ومع عوامل العمران الحديث ارتفعت المياه بالتربة، وأدت لزيادة نسبة المياه الجوفية حول بعض المناطق الأثرية.
ومن الأثر الأشهر فى المعاناة من المياه الجوفية الآن، مسجد سيدى مدين الأشمونى بباب الشعرية، الذى يرجع بناؤه إلى العصر المملوكى مند 1100عام، وقد فشلت جميع محاولات إنقاذه لمجاورته للعمارات السكنية، والخوف عليها من سحب المياه المتراكمة به، وكذلك لوجوده فى حارة سد يصعب التعامل معه، لكن تم وضع خطة ودراسات له، وتم دخوله اللجنة الدائمة لوضع حلول له لإنقاذه، وهناك قبة الأشرف خليل وفاطمة خاتون الأثريان الواقعان فى منطقة الخليفة.
ويضيف طلعت: نقوم بترميم جميع آثارنا، لكن من خلال رؤية شاملة للمنطقة ككل، وتجتمع لجنة ممثلة من جميع الجهات من وزارة الإسكان والتنمية المحلية ووزارة الأوقاف ووزارة الداخلية، وأيضاً الأشغال العسكرية والمحليات، والجميع يعمل الآن من خلال نظام تم وضعه بمنتهى الدقة بتوجيهات رئاسية ورؤية شاملة لتطوير القاهرة التاريخية. وتقوم الوزارة بتقديم جميع المعلومات الخاصة بكل مكان، فهناك 50 أثرا سوف يتم ترميمها فى الفترة المقبلة ونعمل بالترتيب فى منطقة درب اللبانة وباب زويلة ومنطقة جامع الحاكم، ثم حديقة تلال الفسطاط الكبرى، ثم المرحلة التالية سوق السلاح والمغربلين. كما يتم عمل ارتقاء عمرانى للجزء الخاص بمنطقة بباب الفتوح، والتى وضع لها الدكتور محمد الخطيب خطة خاصة لتطويرها.
ويوجد أيضاً مشهد آل «طباطبا» الأثرى بمنطقة عين الصيرة، الغارق منذ 22 عامًا بسبب المياه الجوفية وفيض بحيرة عين الصيرة، فقد تم إتلاف ومحو جميع الزخارف والرسومات به، ولكن بعد إجراء الدراسات تم تشكيل عدة لجان أثرية وهندسية على مدار سنوات، وقررت وزارة الآثار أنه من الأفضل نقله وانتشاله من المياه للحفاظ عليه، وتخصيص مكان له بجوار متحف الحضارة، فهو ليس أول أثر يتم نقله من مكانه للحفاظ عليه، كما تم من قبل نقل قبة يعقوب شاه المهمندار أمام برج المبلط فى القلعة، وترحيلها لجهة الجنوب خلال شق طريق صلاح سالم.
كما قامت لجنة حفظ الآثار العربية بنقل زاوية فرج بن برقوق أمام البرج الغربى لباب زويلة، وتم إعادة تركيبها على بعد ستة أمتار جهة الجنوب ليتم توسيع شارع تحت الربع لباب زويلة، وكذلك الحال فى باب قايتباى بالسيدة عائشة، وسبيل على بك الكبير بطنطا.
ويؤكد طلعت أنه يتم سحب المياه بشكل مستمر منذ سنوات من معبد إسنا، وعمل الصيانة المستمرة للأدوات من الطلمبات التى ترفع المياه لمحاولة حماية الأثر إلى حين حل الأزمة نهائيا. أما شارع المغربلين بالدرب الأحمر فيحتوى على أكثر من أثر، وجميعها فى حالة صعبة وجميع أعمال الترميم متوقفة نتيجة عدم توافر الأموال من قبل وزارة الأوقاف. كما يعانى مسجد الصالح طلائع، من المياه الجوفية.
وترجع أهمية مسجد الصالح طلائع أو «المسجد المعلق»، لأنه آخر المساجد التى بنيت فى عهد الدولة الفاطمية عام 555 هجرية، فقد أنشأه الوزير الصالح طلائع ليدفن فيه رأس الإمام الحسين ولكنه لم يتمكن من ذلك، ملكية ذلك المسجد تؤول لوزارة الأوقاف، لكنه تحت إشراف أثري، وأن وزارة الآثار عملت على ترميمه بملايين الجنيهات وتم تسليمه إلى وزارة الأوقاف.
ويقول خالد أبو الحمد، مدير عام آثار الإسكندرية، إنه تم الانتهاء بشكل كامل من مشروع خفض المياه الجوفية بمنطقة «كوم الشقافة» فى عام 2019 وأصبحت المنطقة الآن متحفاً مفتوحاً للزوار، ومنطقة الجبانة تحتوى على العديد من المقابر التى تحتوى على توابيت منحوتة، بالإضافة إلى فتحات دفن الموتى بأعداد كبيرة جدا، حيث تم إعادة توزيع القطع بالمتحف المفتوح وعمل لوحات إرشادية لجميع الآثار الموجودة بالمنطقة. وكذلك الحال بقلعة رشيد التى كانت تعانى من أزمة المياه الجوفية فى عام 1985، وتم حلها ثم عادت مرة أخرى الآن.
ويوضح أبو الحمد، أن طرق التخلص من المياه الجوفية بالمواقع الأثرية تختلف حسب ارتفاع أو انخفاض المياه الجوفية بكل موقع، فهناك طرق مختلفة نتبعها للقضاء على هذه الأزمة تتمثل فى 3 طرق رئيسية وهى عمل طلمبات تخفيض مستوى المياه الجوفية لتتجمع بمكان واحد ويتم إلقاؤها مع المجارى العمومية. والطريقة الثانية تتمثل فى “الطلمبات الغاطسة”، ويتم تنفيذها إذا كان منسوب المياه الجوفية مرتفعا فى الموقع الأثرى، ويتم ذلك من خلال شفط المياه وتجميعها فى المصارف العمومية وكفاءة هذه الطريقة أعلى من الطلمبات السطحية. والطريقة الثالثة هى عمل (ستائر لوحية) من خلال إحاطة الموقع الأثرى الذى يعانى من الأزمة بستائر مدفونة فى الأرض ويتم نزولها بعمق معين بحيث يجعل المياه الجوفية لا تصل نهائيا إلى أساسات الأثر، وتم استخدام هذه الطريقة بمعبد هيبس فى الواحات.
ويقول محمد عبد البديع رئيس الإدارة المركزية لآثار مصر العليا، إن المياه الجوفية بمعبد “شنهور” بمحافظة أسوان، تسببت فى تآكل الكتابة الهيروغليفية المنقوشة على جدرانه، وإتلاف حوائط المعبد وجدرانه ونقوشه الرومانية العتيقة مما أضاع قيمته التاريخية، فضلاً عن «المسلة المنقوصة» بأسوان، و«معبد دندرة» بقنا، والآن يتم استكمال مشروع خفض المياه الجوفية هناك، ونفذنا تحت إشراف إدارة المشروعات بالوزارة العديد من المشروعات لإنقاذ الآثار المصرية، وخفض منسوب المياه الجوفية فى هذه المواقع خصوصاً فى الضفة الشرقية بمعبدى الأقصر، والكرنك وما بينهما معبد «هابو» فى الجنوب ومعبد «سيتى الأول» فى الشمال، إلى جانب التماثيل التى توجد على طول هذه المناطق.