راديو الاهرام
14-7-2022 | 16:16

هي ظاهرة بلا شك؛ ظاهرة تستلزم التوقف عندها؛ ودراستها بشكل هادئ؛ لأنها آخذة في الصعود كما ذكرنا من قبل؛ ولكن الأهم من دراستها؛ هو تهيئة الناس لمعرفة أضرار التنمر الجسيمة؛ ليس فقط في الوقت الراهن، ولكن في ما هو آت.

نحن في خضم أزمة كبيرة؛ تخص المجتمع كله ؛ بكل ناسه وفئاته؛ ولا أعرف كيف تستقيم الأمور دون تقويمها؛ فالوضع خطير؛ دون تكبير؛ وهل نحن في حاجة لحدوث ما يعكر الصفو؛ حتى يتم التدخل الحاسم واللازم لمعالجة الأزمة؟

يبدو السؤال السابق لازمًا لتكملة قراءة الحالة؛ لاسيما أن حالات التنمر في تزايد؛ وبت أسأل نفسي ذلك السؤال؛ ما الذي حدث لولوجنا في معترك التنمر؟

أعتقد أن معظم آباء هذا الجيل هم في متوسط أعمار الخمسينيات؛ وهم أبناء جيل آباء شباب ستينيات القرن الماضي؛ وذلك الجيل كان يتسم بالشياكة والأناقة؛ كما بينت أفلام تلك المرحلة التاريخية الجميلة.

لكن لم يكن الحجاب أو النقاب قد انتشر في تلك الفترة؛ بل كانت معظم السيدات تسير بملابس أكثر تحررًا من ملابس تلك الفترة؛ ولم نكن نشاهد ما يعكر صفو الناس؛ كانت حالات معاكسة الفتيات في الشارع قليلة للغاية؛ وكانت رقيقة؛ ولم تكن خادشة للحياء؛ وإن حدثت فهي حالة نادرة جدًا؛ لا يمكن التعامل معها باعتبارها مقياسًا.

وكان اختلاط الفتيات بالفتيان؛ أمرًا عاديًا؛ وكنا نرى احترامًا كبيرًا من المجتمع للمرأة؛ احترامًا على مستوى جميع الطبقات؛ لم يستثن طبقة منهم؛ بل لا أبالغ إن قلت إن الطبقات الأبسط كانت أشد تقديرًا وتوقيرًا للمرأة؛ وكان يظهر ذلك بجلاء في المناطق الشعبية بوضوح تام، فكان من العيب التعدي على خصوصية فتاة بأي شكل من الأشكال؛ أيضًا كانت خطيئة غير مغتفرة؛ أن يقع شخص ما في محظور هذا العيب، ونتذكر النداء الشهير "امسك حرامي"؛ وكان الناس يغيثون المنادي. 

الأمر الآخر الذي لا يقل في أهميته عما سبق؛ فهو خاص بالتقاليد التي كانت تسود المجتمع؛ تقاليد خاصة بقيمه وعاداته الجميلة؛ ترسخ أهمية احترام الصغير للكبير؛ وكذلك احترام الضعيف والمريض.. إلخ.

أعتقد أن تلك القيم ليست بهذا الاهتمام اليوم؛ لست متشائمًا؛ ولكني أرصد ما أرى؛ من حالات تنمر غريبة ومقيتة؛ أسعى لمعرفة أسبابها؛ وأحاول تسليط الضوء على آثارها السلبية.

ليس من الغريب سماع جملة "ما تعرفش أنا مين" ؛ أو جملة "ما تعرفش أنا ابن مين" وهي جمل تدعو للإحباط ولإفشاء الضغائن؛ تلك الجمل بدأت تتزايد؛ وهو ما يجعل عددًا غير قليل من متابعيها اتخاذ حائط صد ما؛ وقتها ذلك الحائط يكون بإظهار قوة كامنة لدى هؤلاء.

ومن هنا يبدأ التنمر في الظهور؛ فمثلا؛ حين تقول لشخص ما يشعر في داخله بضعف حيلته؛ إنك متميز من خلال بعض التصرفات؛ ويشعر ذلك الضعيف بهذا التميز؛ سواء كان التميز حقيقيًا أو مفتعلًا؛ يكون رد الفعل إظهار التنمر؛ ومع الوقت وتكرار التصرفات؛ أضحى التنمر صفة ملازمة لعدد من الناس.

كان التنمر حين ظهر؛ موجهًا من الشباب للفتيات؛ ثم تحول من بعض الناس للفتيات والفتيان؛ اليوم أضحى هناك متنمرات؛ وذلك تطور جديد لظاهرة التنمر؛ وأمسى التنمر فكرة آخذة في التطور بشكل لافت؛ وما المانع؛ إذا كان التنمر في وضعية أفضل من غيره.

أثق أن هناك حكايات طويلة يمكن أن نسمعها من عدد كبير جدًا من الناس عن التنمر من الجنسين؛ ليس فقط موجهًا صوب الناس؛ ولكنه بات موجهًا صوب كل ما يحيط بنا؛ حتى مع الحيوانات الضعيفة.

وأخيرًا؛ أهناك تفسير لما يفعله بعض الصبية حينما يقذفون القطار بالحجارة وقت مروره؛ وما يمكن أن يحدثه ذلك من خطر داهم على أرواح الركاب؛ ومن المؤكد أننا سمعنا عن تلك الحوادث وآثارها السيئة على البعض!

الإجابة؛ هي حالة تنمر ظاهرة وواضحة جدًا.

أتمنى أن يهب المجتمع هبة رجل واحد لرصد تلك الحالة والتعامل معها بكل حزم؛ ودون هدوء؛ وإلا ستكون العواقب مؤلمة؛ فما يمكن أن ننجزه اليوم؛ سيكون عائده رائعًا؛ وما نؤجله للغد سيكون عائده ضائعًا.

و في النهاية هل يأتي وقت نسمع فيه "امسك متنمر"؛ ونرى من يغيث المنادي؟

،،، والله من وراء القصد

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
العاصمة الجديدة.. آمال وتطلعات

حمل المقال السابق بعضًا من أمنيات عدد من العاملين بالحكومة؛ المنتقلين للعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ لاسيما أن تحمل بين ترتيباتها كل ما حلم به العاملون؛

الأكثر قراءة