كنت أتمنى أن يحظى شهر يوليو هذا العام، باهتمام خاص، ليس من جانب الدولة وحدها ومؤسساتها الثقافية، ولكن من جانب الرأي العام عموماً وأدوات التأثير فيه، ففي هذا الشهر قبل 70 عاماً، شهدت مصر ثورة أحدثت تغييراً كبيراً، ليس في الواقع المصري فحسب، ولكن على المستوى الإقليمي، وربما هناك من لا يزال يختلف على "23 يوليو" هل هي ثورة أم حركه جيش؟!
وحقيقة أننا سواء اختلفنا أم اتفقنا على أنها ثورة أم حركة، وفندنا سياساتها هل أصابت أم اخطأت، إلا أننا في النهاية، سنقف أمام حقيقة راسخة، وهي أنها سواء كانت حركة أم ثورة، فقد حظيت على اتفاق شعبي من مختلف القوى السياسية، وهو ما انعكس على تأييد في معظم سياساتها خلال العامين الأولين من إطلاق شرارتها.
ولا خلاف على أن ثورة 23 يوليو ستظل محل دراسة، مهما مرت السنوات، ومهما تعددت الآراء المؤيدة أو المختلفة معها.
والسبب الرئيسي أن توثيق هذه الثورة لم يحدث على أرض الواقع، فتاريخها الحقيقي لم يكتب، وإنما – للأسف – كان في شكل مذكرات ظهرت هنا وهناك، أو مبادرات فردية لم تتمتع بقدرة العمل المؤسسي، لإنجاز عمل بهذه الضخامة، وهذه الأهمية!
على مدى أكثر من 150 عاماً من الاحتلال، ظلت مصر تتطلع إلى تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الثورة العرابية- كما يقول المؤرخ الكبير الراحل د. رؤوف عباس- فقد سعت مصر طوال هذه السنوات إلى التخلص من الاحتلال الأجنبي الجاثم على صدرها، وتخليص اقتصادها الوطني من السيطرة الأجنبية، فكانت جهود الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل ومحمد فريد من بعده، ترمي إلى معالجة قضية الاحتلال باللجوء إلى القوى الأوروبية المواجهة لبريطانيا.
وبعد رحيل مصطفى كامل ومحمد فريد، كان لابد من تفجر ثورة شعبية جديدة عام 19 19، ليشترك فيها الشعب المصري بمختلف قواه الاجتماعية معبراً عن رفضه للاحتلال وللظلم الاجتماعي والهيمنة الاقتصادية الأجنبية، واتخذت هذه الثورة، طابع العنف، ولكنها انتهت بالحصول على استقلال منقوص، وباعتماد التفاوض سبيلاً لإنهاء الوجود الأجنبي، وهو أسلوب طال أمده حتى أنهته ثورة يوليو 1952.
ويحسب لهذه الفترة المهمة من تاريخ مصر، بين ثورتي 1919 ويوليو 1952، مولد تيارات سياسية وطنية مختلفة، يدعمها عنفوان الشباب الذي عاش ثورة 1919 بوعيه أو شهد أحداثها وما أسفرت عنه من تجديد التضحيات التي قدمها الشعب في تلك الثورة.
ورغم حالة الجدل، التي لا زالت قائمة حتى الآن - رغم مرور كل هذه السنوات - حول 23 يوليو إلا أنني أرى على المستوى الشخصي أن مصر كانت على موعد مع انفجار ثوري عظيم في عام 1952، وربما ذلك ما أشارت إليه الأحداث، التي سبقت الثورة أو حركة الجيش بشهور، وهي ما عرفت ب"حرب المائة يوم"، وهي الفترة الواقعة بين إلغاء المعاهدة المصرية-البريطانية في أكتوبر عام 1951 وحتى حريق القاهره يوم 26 يناير عام 1952 ورحيل آخر حكومات الوفد من الحكم.
في هذه الفترة على وجه التحديد، كانت مصر على موعد مع ذروة العنف الثوري، متمثلا في حركة المقاومة والكفاح المسلح، التي اندلعت في منطقة القناة، وشارك فيها بتأثير كبير عدد من ضباط الجيش الذين كانوا يتحركون في إطار من التنظيم السري وخيرة شباب مصر، إلا أن بعض هؤلاء الضباط قد ظهروا للرأي العام بعد يوم 23 يوليو، ولا خلاف على أن كل القوى السياسية والثورية – عدا الإخوان- قد شاركت في هذه الأحداث بكل ما تملك من أدوات وفكر ورجال، وكان هدف الجميع واحداً، وهو الاستقلال وإنهاء الاحتلال البغيض.
بعد كل هذه السنوات وهذه الأحداث، بحلوها ومرها بانتصاراتها وهزائمها، لا بد وأن نعيد النظر إلى ثورة 23 يوليو، بما لها وما عليها، ووضع هذه الأحداث في سياقها الزمني، وظروفها المحيطة.
إعادة قراءة هذه الأحداث الآن، تمثل نظرة واقعية إلى المستقبل.. أين كنا؟، وماذا حدث؟.. وما هي رؤيتنا للغد؟
[email protected]