جاؤوا من كل فج عميق تلبية لنداء المولى، رافعين أكف الضراعة ليعرج إلى الله تلبيتهم، وتخرق حجب السماوات، ويصعد إليه الطيب منها، وما من عبد إلا ويطمع في أن يرفع عمله الصالح، ويلقى القبول.
وهو من وصف نفسه في قوله تعالى: "مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ"، أي أنه ذي العلو والفضائل، كما قال ابن عباس، ويتجلى في اسمه استحضارًا لعظمته، وتمجيدًا لصاحب العرش العظيم، ومع علوه ورفعته قرب من أحبابه.
ويشير إلى علو قدره بتحديد وقت يقدره بذاته، كما في قوله تعالى: "تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ*فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا "، وبيان الوقت ليس سوى دلالة على سمو الخالق في عليائه.
ويوضح ابن عباس رضي الله عنهما معنى ذي المعارج بأنها درجات للصعود، وأنها أشبه بالمقامات المعنوية، وتكون بمثابة درجات للأعمال وكذلك مراتب للملائكة، وفسر بعض الفقهاء قوله خمسين ألف عام بيوم القيامة، قاصدين به زمن وقوف الخلائق انتظارًا للحساب.
والتحديد الزمني منزه عن عظمة الخالق، والله قريب من عباده وموجود في كل شيء، امتثالًا لقوله تعالى: "إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ"، ويقلب الليل والنهار وبين يديه الشمس والأرض يحركهما كيف يشاء، وهو من وصف نفسه بالزمن، كما جاء في الحديث القدسي: "لا تسبوا الدهر فأنا الدهر".
ويفيض أسمه ذي المعارج بدلالات جمة، ومنها أهمية تقوى الله في الحياة الدنيا، بسبب عروج أعمالنا إليه في كل ليلة ويطلع عليها، أما مقصده تعالى بعروج الأرواح أي أن أرواح المؤمنين تصعد إلى بارئها، فتحاسب وتدخل الجنة، وترى مقعدها فيها، ثم تهبط إلى قبرها للسؤال.
وقوله تعالي: "وما يعرج فيها" جاء مطلقًا، لينفي إدعاء البعض بأن العروج للسماء يقتصر على الملائكة دون غيرها، وليؤكد شمول العروج لمخلوقات أخرى، فقد عرج سيد الخلق في ليلة الإسراء والمعراج، ورافق مع الحبيب سيدنا جبريل ودابة البراق، وأذن للجن والإنس أن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض، ولكن حدده بشرط سلطان العلم.
ذي المعارج أطلقه المولى على نفسه ليعلم به المشركين أن عذابه واقع، ليس له دافع، إما أن يعجل لهم به في الدنيا، وإما أن يؤجل إلى يوم القيامة، وحتى يعلم المشركون أنه لا مفر من قضاء صاحب الرفعة والعظمة.
وجميع أسماء الله الحسنى دعوة للتفكر والتدبر في قدرته ورحمته وعظمته، ووسيلة اتصال محققة بين العبد وربه عندما يضيق به الحال، وتوصد أمامه الأبواب، فينادي ربه مستجيرًا، كمن ينادي: يا عزيز أعزنا.. يا رزاق ارزقنا.
Email: [email protected]