راديو الاهرام

وداعًا آبي شينزو حبيب المصريين

11-7-2022 | 15:45

لا أميل لكتابة الرثاء، غير أن الحزن العميق، والصدمة في فقد أكثر زعماء اليابان نفوذا في العصر الحديث، وبالطريقة الوحشية، البشعة، التي جرى إزهاق روحه بها، دفعتني بقوة لرواية جانب مضيء مما عرفته –شخصيا- عنه على مدى عقدين.
 
خلال مهمتي مراسلا لـ "الأهرام" العريقة في طوكيو، في الفترة من 2001 وحتى 2005، كان السياسي الياباني الشاب، آبي شينزو، كبير أمناء مجلس الوزراء في حكومة واحد من أشهر الزعماء، كويزومي جونيتشيرو، الذي شرفت بإجراء حديث صحفي معه قبل زيارته لمصر في عام 2003، بمساعدة ودعم آبي شينزو.
 
وبعد انتهاء مهمتي كمراسل، لم تنقطع صلتي بملف اليابان، وامتدت لنحو عقدين كاملين، تولى خلالهما آبي شينزو رئاسة الحكومة لمرتين، أولاهما لمدة عام واحد، 2006-2007، والثانية من 2012 وحتى 2020، ليصبح رئيس مجلس الوزراء الأطول خدمة في اليابان، من حيث عدد الأيام المتتالية التي قضاها في المنصب.
 
في أول زيارة رسمية يقوم بها لمصر في شهر مايو عام 2007، نشرت "الأهرام" حديثا مطولا، أجريته مع رئيس مجلس الوزراء الياباني، آبي شينزو، كشف فيه عن نية اليابان لصياغة عصر جديد من التعاون مع دول الشرق الأوسط، وتحديدا مع مصر، في قطاعات الأعمال والسياحة والثقافة والموارد البشرية.
 
عقب انتهاء محادثاته بالقاهرة، وفي المؤتمر الصحفي الموسع، أجاب آبي شينزو عن سؤال وجهته له، كاشفا عن ترتيبات تجري بين خبراء مصريين ويابانيين، إيذانا بإعلان إنشاء الجامعة المصرية- اليابانية للعلوم والتكنولوجيا بالإسكندرية.
 
هذه الجامعة الفريدة من نوعها، جاءت كأول هدية، "أومياجي"، مقدمة من حكومة آبي شينزو لمصر، ونشرت "الأهرام" لي مقالين، وقتها، أولهما أشرت فيه إلى أن الزيارة فاتحة خير، ومكسب كبير سوف يصب في دعم العلاقات بين البلدين.
 
المقال الثاني، شرحت فيه للقارئ العربي معنى كلمة "أومياجي" اليابانية، وهي الهدية الرمزية، التي يقدمها اليابانيون لأحبائهم، من لذيذ الطعام، وكل ما خف وزنه وزاد ثمنه، ووجهت الشكر له، لما نابني، شخصيًا، من "أومياجي"، وكانت عبارة عن "شمامة كوز عسل" لذيذة، منتجة في اليابان، ويقدر ثمنها، في أول المزادات لإنتاجها بجزيرة هوكايدو، أقصى شمال شرق اليابان، بآلاف الدولارات.
 
مرت السنين، وبعد عودة آبي شينزو لرئاسة الحكومة اليابانية في عام 2012، شهدت العلاقات الثنائية، المصرية-اليابانية بعض التوتر، وتحديدا، عندما اتخذت حكومة آبي موقفًا سلبيًا من ثورة 30 يونيو العظيمة، سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا.
 
وقتها، وبتاريخ 9 نوفمبر 2013، وجهت رسالة صداقة وود في مقال بالأهرام، بعنوان: شينزو آبي لا تقسو على مصر، راجيًا تصحيح الموقف، غير الإيجابي، الذي تتخذه حكومته تجاه مصر، منذ الموجة الثانية للثورة، وانحياز الجيش لإرادة الشعب، وتصحيح المسار في 30 يونيو 2013.
 
اخترت هذا العنوان لتصدر فصل كامل، نشرته في كتاب "رييوا "2050، صدر بتاريخ 23 فبراير عام 2020، وهو يوم الاحتفال باليوم الوطني الياباني.
 
في هذا الفصل، شرحت –بالتفصيل- جانبًا من الأسباب والمؤشرات المؤلمة، وراء بلوغ العلاقات المصرية-اليابانية، أسوأ مراحلها على الإطلاق، آملا في تصحيحها.
 
بشائر الانفراج في العلاقات ظهرت في يوليو عام 2014، عندما تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسي رسالة من رئيس مجلس الوزراء الياباني، آبي شينزو، نقلها نائب وزير الخارجية البرلماني، نوبوو كيتشي، تتضمن دعوة الرئيس السيسي لزيارة طوكيو.
 
وفي رده على الرسالة التي تلقاها من آبي شينزو، ركز الرئيس السيسي على 3 نقاط أساسية:
 
- تقدر مصر تقديرًا كبيرًا زيارة مسئول على مستوى رفيع من اليابان، الدولة الصديقة على مدى التاريخ، والإعلان عن مشروع الدعم الياباني الجديد.
 
- إن الإرهاب الذي تواجهه مصر لا تقتصر أثاره عليها –فقط- بل تمتد إلى المنطقة والعالم كله، هناك ضرورة لمواجهة هذه القضية، من خلال نشر التعليم وإجراءات القضاء على الفقر، وغيرها، ومن أجل ذلك، تحتاج مصر إلى دعم المجتمع الدولي، بما في ذلك اليابان.
 
- تم اتخاذ إجراءات إصلاحية قاسية على الشعب، مثل تقليل الدعم المالي وغيره، ومصر ستواصل اتخاذ هذه الإجراءات بحزم، مع تقديم المساعدة للطبقات الفقيرة، وتحتاج مصر إلى دعم المجتمع الدولي بما في ذلك اليابان.
 
في شهر نوفمبر 2014، قام رئيس هيئة التعاون الدولي اليابانية الـ "جايكا"، الدكتور تاناكا أكيهيكو، بزيارة مهمة لمصر؛ الـ جايكا هي أكبر مؤسسة للمعونة الثنائية في العالم، والسيد تاناكا تولى منصبه خلفًا للسيدة "أوجاتا صاداكو"، صديقة المصريين، وأكبر شخصية يابانية داعمة لاحتياجاتهم التنموية، كانت قد تقاعدت منذ أشهر قليلة، وقتها، بعد عطاء وعمل عام دولي ومحلي استمر لعقود.
 
في أثناء زيارة الدكتور تاناكا للقاهرة، أكدت الهيئة احترامها لخطط التنمية المصرية الرسمية في جميع المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كذلك، أكدت أنها ستلتزم-كما قامت في السابق- بتنفيذ تعهدات الحكومة اليابانية لمساعدة الدولة المصرية، في إطار المنح والمساعدات الإنمائية الشاملة، التي تتضمن دعم الموارد البشرية، وتيسير الاعتماد الذاتي والتنمية المستدامة، وتقليل الفقر.
 
في منتصف شهر يناير عام 2015، قام آبي شينزو بزيارة مصر، ووصف السفير الياباني الأسبق، كاجاوا تاكيهيرو، نتائج القمة المصرية-اليابانية بأنها كانت ناجحة بنسبة مائة في المائة.
 
وفي كلمته أمام اجتماع مجلس الأعمال المصري-الياباني بالقاهرة، قال آبي باللغة العربية وسط تصفيق حار من مئات الحاضرين: "خير الأمور أوسطها"، موضحا القواسم المشتركة في نمط الحياة والتقاليد والاعتدال بين المصريين واليابانيين.
 
تلك هي لمحة سريعة -عايشتها- عن فقيد اليابان آبي شينزو، وقد عبر الرئيس السيسي –بصدق- عما يجيش في قلوب المصريين من حزن عميق، وصدمة على رحيله، فهو الصديق المخلص لمصر، الداعم لها في كل الأوقات والظروف، وشهدت العلاقات الثنائية في عهده تطورًا غير مسبوق على جميع الأصعدة. 
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: