Close ad

آل إبراهيم عليه السلام .. أصل رسالات السماء

10-7-2022 | 15:16
الأهرام المسائي نقلاً عن

 

  • لم أفهم مغزى قوله تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ" إلا عندما وقفت أمام الكعبة حينما حججت مع أمي رحمها الله منذ عدة سنوات.. فقد وقع في قلبي عظمتها ومهابتها وقداستها.. فقد رأيت كيف تهفو النفوس إليها، وكيف تذرف العيون مدرارًا عند رؤيتها.. ومقدار شغف الحجيج بالقرب منها ومحاولة لمسها أو مداومة النظر إليها.
  • فقد كان بعض الحجاج يمكث وقتًا طويلًا متأملًا وناظرًا إلى الكعبة.. وكأن كل نظرة إليها تملأ قلبه إيمانًا ويقينًا وهدى.. والجميع يتسابق في تصويرها من كل الأوضاع والأدوار.
  • لقد عشت مع أمي، رحمها الله، وقتها بقلبي ومشاعري مع هذا البيت العظيم، الذي جعله الله "مثابة للناس وأمنًا".. فالناس تثوب إليه - أي ترجع إليه باستمرار - ومن زاره لا يمل من تكرار زيارته ويشتاق إليه كلما أذن مؤذن الحج بالرحيل إلى بيت الله الحرام.. ويتنافس الملايين من المسلمين كل عام للفوز بالذهاب إليه، وحينما يحلون بالبيت الحرام يتنافسون فى مس الكعبة المشرفة أو لمس الحجر الأسود أو القرب منهما.
  • حينما رأيت ذلك أيقنت أن الكعبة بيت الله المشرف "هداية للعالمين" تعد حقيقة لا مراء فيها.. وحينما تذهب إلى المسجد الحرام تتذكر إبراهيم، عليه السلام، نبى الله العظيم، وأبا الأنبياء، خليل الرحمن.. وكيف جاء إلى هذا المكان بزوجته أم المسلمين جميعًا، مصرية الأصل، وصعيدية المنبت من مدينة ملوى، ومعها ابنها إسماعيل الطفل الرضيع.. وحط رحاله بهما في هذا المكان الموحش القفر، وأمرها أن تمكث فيه امتثالًا لأمر الله الذي أعد هذا المكان لأمر عظيم ورسالة عظمى.. فأطاعت ربها وزوجها ولسان حالها يهتف: "إذًا لا يضيّعنا الله".. وحينما أمر الله إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل الذي وهبه له على كبر وشيخوخة امتثل الأب والابن لأمر الله.. بل إن الابن الشاب قال بلسان الواثق بأبيه، والمستسلم لأمر ربه: "يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصَّابِرِينَ".
  • هذه الأسرة المباركة التي رفعت لواء الاستسلام والانقياد لرب الأرض والسماء كرمها الله بالفداء والنجاة.. وخلّد كل مواقفها الإيمانية بأن جعلها جزءًا أو ركنًا من أركان الحج.
  • أما أصحاب العقول التائهة والقلوب القاسية الذين لم يفقهوا شيئًا من العلم بالله ولا بأمر الله، ولم يدركوا عظمة الأنبياء وقدرهم ومكانتهم فيرفعون اليوم عقيرتهم للطعن فى هذه الأسرة العظيمة التي لولاها ما فهم أحد معنى الاستسلام والانقياد والطاعة لله سبحانه وتعالى.
  • هؤلاء لم يفهموا أن الحج كله يحمل معنى واحدًا هو الانقياد والاستسلام لله.. والإقرار بأنك عبد له سبحانه.. فالجميع يرتدى زيًا واحدًا من قماش أبيض أشبه بالكفن لتخرج هناك من دنياك وغناك وسلطانك.. فلا حذاء ولا بدلة ولا كرافتة.. ولا رتب أو نياشين أو ألقاب.. ولا حرير أو زينة.. الغنى مثل الفقير.. والرئيس مثل الخفير.
  • لقد تأملت منظر الحجيج وقد أسلموا رؤوسهم للحلاق.. الكل خافض رأسه ليزيل آخر ما تزين به وهو شعره ليدرك أن زينته الحقيقية هي "عمله الصالح وقلبه الأبيض".. وكأنه يناجى ربه: "يا رب، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك.. ذللت لك.. وخضعت لجنابك.. وهذا آخر ما تزينت به تركته من أجلك يا رب".
  • وقد سألت أحد أصحاب الملايين عن سر اختياره لحلق رأسه كاملًا فى منى دون التقصير، فقال: "الحلق شرف لي ولكل مسلم أيًا كان منصبه.. وعبودية الله شرف للجميع".
  • إن الذين لا يعيشون معاني الإيمان وعبودية الله هم المحرومون حقًا من جنة الدنيا.. فذكر الله ومحبته وعبوديته بحق هي جنة الدنيا، ومن لم يدخلها لن يدرك جنة الآخرة.
  • إنني أشفق على أولئك الذي جهلوا حقيقة ربهم ولم يقدروه قدره سبحانه.. وجهلوا حقيقة أنفسهم وأعطوها فوق حقها طغيانًا وعلوًا.. وأرادوا أن تكون أنفسهم إلهًا فوق الله سبحانه.. أو أعطوا أنفسهم حق السخرية من أنبياء الله، ومن نسك هؤلاء الأنبياء العظام الذي تلقته الأمة كلها بالقبول والرضا.. وهم يدركون أن أمثال هؤلاء الأنبياء هم الذين علموا الدنيا كلها فنون الهداية لا الغواية، والرشاد لا الضلال، والصلاح لا الفساد، وعبودية الله لا عبودية الشيطان والهوى.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة