راديو الاهرام

على مقهى في الشارع السياسي

10-7-2022 | 15:16
الأهرام المسائي نقلاً عن

على مقهى في الشارع السياسي

 

[email protected]

 

 قَبِلَ إحسان عبد القدوس دعوة أنيس منصور للكتابة في مجلة أكتوبر، ولأنه دفع بما تجمع لديه من قصص جاهزة للنشر إلى جريدة الأهرام، وهربًا مما كانت تجره عليه المقالات السياسية، فقد اهتدى إلى صياغة أفكاره في شكل حوار - على مقهى- بين شاب فوار بالقوة والحماسة، وعجوز خبر من الحياة الكثير الذي يؤهله لعرض تجاربه وآرائه، ولأن إحسان صاحب تعبير (الشارع السياسي)، فقد ارتأى أن يُقيم مقهاه على إحدى نواصي ذلك الشارع.

 ثم كان أن جمع إحسان مقالاته ونشرها في كتاب تحت عنوان (على مقهي في الشارع السياسي).

مضت أعوام بعيدة على القراءة الأولى، وأقنعتني الثانية بإعادة تقديمه للقارئُ، مُكتفيًا بزاويتين؛ الأولى عن تصنيف الأحزاب بين يمين ويسار وبينهما وسط، والثانية عن حرية الصحافة. فلنقرأ ونستمتع معًا.

 

(قال العجوز في هدوء: ما هو الوسط؟، إنه الوسط بين كل شيء وضده. الوسط بين الرجعية والتقدم. بين الديمقراطية والديكتاتورية. الوسط ليس عقيدة ولا مذهبًا ولا مبدأ، لكنه موقف تنفيذي لتحقيق التوازن. والوسط ليس دائمًا هو أن تمسك العصا من وسطها، فقد يضطر الوسط لتحقيق التوازن أن ينضم لأحد أطراف العصا. فإذا طغى اليمين وتجبر انضم الوسط إلى اليسار في معركته مع اليمين. وإذا طغى اليسار وتجبر انضم الوسط إلى اليمين في معركته مع اليسار.

 قال الشاب: إنك تُنكر على الوسط قوته، فقال العجوز: الوسط في كل بلاد العالم هو أقوى التنظيمات وأقربها إلى الحكم. فإن الحكم القوى في بلد حر هو الحكم الذي يستطيع تحقيق التوازن بين كل المذاهب والطبقات).

(قال الشاب متعجبًا: ماذا تقصد؟، قال العجوز في هدوء: اليمين واليسار كلاهما لا يعترف بالواقع، وكلاهما ينطلق من الحرمان. قال الشاب: أي لا فرق بينهما؟، قال العجوز: لا، بينهما فارق كبير، اليمين يعيش على الذكريات. قال الشاب: واليسار؟، قال العجوز بسخرية: يعيش على التصورات. قال الشاب: لا أفهمك؟. قال العجوز: الناصريون يعيشون على ذكرياتهم الخاصة أيام جمال عبد الناصر، والوفديون على ذكريات حزب الوفد، والإخوان يعيشون على أمجاد الخلفاء الراشدين، وتتوقف ذكرياتهم عند عهد معاوية بن أبي سفيان. قال الشاب: وماذا تعني بأن اليسار مجرد تصورات؟، قال العجوز: ليس لهم نصيب من الواقع. يتصورون مستقبلاً خاصًا بهم قائمًا على نظريات ماركس.

 ولننتقل معًا إلى ما كتبه عن حرية الصحافة، (قال الشاب: عادوا يتحدثون عن حرية الصحافة!. وقال العجوز في مرارة: كل الذين يتحدثون عن حرية الصحافة أغبياء يفهمون حرية الصحافة على أنها حرية الرأي. قال الشاب في دهشة: أليست هي حرية الرأي!. وقال العجوز: قطعًا لا.. هناك فرق كبير بين حرية النشر وحرية الرأي. إنك الآن وأنت جالس على المقهى حر في أن تقول رأيك؛ ولكن لكي تنشر رأيك فأنت في حاجة إلى أداة للنشر وفي حاجة إلى رأس مال يوفر لك هذه الأداة. والصحافة ليست إلا مجرد أداة للنشر. فالمعني الصحيح لحرية الصحافة هو حرية رأس المال الصحفي. أي حرية أصحاب الصحف. وقال الشاب: ولكن رؤساء التحرير هم الذين يسيطرون على ما ينشر ويستطيعون توفير حرية الرأي. وقال العجوز: أبدًا. إن رئيس التحرير مجرد موظف عند صاحب الجريدة.. ينفذ أوامره ويعبر عن اتجاهه السياسي أو الاجتماعي.)

 حوار لم يجف حبره رغم مرور قرابة الخمسين عامًا عليه، يحتفظ بطزاجته وحيويته، فعندما كان الشاب يُلح في أسئلته، يقاطعه العجوز ضاحكًا: (كفاك دوشتني وأوجعت رأسي.. لاعبني عشرة طاولة حتى أكسبك! إن العجائز يكسبون دائمًا الشباب).

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة