تلك ليست عبارة عادل إمام في فيلم «مرجان»، بل هي حقيقة مخيفة إلى حد كبير.
التقدم العلمي يكون عادة في خدمة المعرفة، البشرية وجعل الحياة أكثر راحة.. إلا إن التقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات أصبح مرعبًا؛ لأن سقف التقدم والسيطرة فيه لا حدود له، حتى إنه بات صعب السيطرة عليه أو على ما سيصل إليه.
هذا هو الانطباع الذي وصلت له، وربما تكون قناعة بعد ما قرأت كتاب "برج مغيزل" الصادر في 2022 للدكتور خالد الغمري، الذي يوضح بالمعلومة التاريخية تطور المعرفة وتناقلها من آلاف السنين، وصولًا إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي معتمدًا على معلومات موثقة ودراسات حديثة ذات مرجعية علمية توضح مدى تأثير هذا الغول الذي يرتدي لباسًا شيقًا وجذابًا.
وكلما قدم الكاتب معلومة أكيدة من داخل "مطبخ" الأحداث، اقتنعت بفكرة الفخ الذي وقع فيه الملايين، فحسب ما ذكره في الباب الأول، إن عدد مستخدمي الفيس بوك على سبيل المثال يقترب من ثلث سكان الأرض، وفي طريقه إلى المليار الثالث.. وإن الهند أكثر الدول استخدامًا له، وتأتي مصر في المرتبة العاشرة.
وإن المعلومات التي لدى إدارة فيسبوك عن المستخدمين لا تقتصر على عناوينهم وعلاقتهم فقط؛ بل لديها نسخة رقمية شديدة التفصيل عنهم وعن حياتهم وأفكارهم وانتماءاتهم.
ترى ماذا كان دكتور مصطفى محمود سيقول إن عايش هذا التطور التكنولوجي، وهو الذي نبه إلى خطورة المحتوى الذي يقدم للمستهلكين لأي جديد، وذلك في كتابه "الشيطان يحكم" الصادر عام 1970، حين أشار إلى أن أجهزة التليفزيون والإذاعة والسينما وغيرها من وسائل تقديم الأفكار، تقدم نشوة للمستقبلين فتغرقهم في نشوات مفتعلة إلى درجة التعب، ثم تلقي بهم إلى الفراش ليلا منهوكي الإحساس، لا يدري أحدهم ماذا به، إلا أنه مجوف تمام! كل ما به أنه مربوط بأرجوحة تظل تدور به حتى يغمى عليه فينسى ما كان يفكر به أو ماذا يريد.
فيتحول إلى حيوان أعجم كما يصفه دكتور محمود مربوط العقل والإحساس إلى هذه الأجهزة الغريبة التي تفتعل له حياة كلها كذب في كذب.
ماذا إذن عن وسائل التواصل الاجتماعي التي قدمت حياة موازية للبشرية لا نعرف لها حدود ولا يمكن توقع مستقبلها، لكن من المؤكد إنها تسيطر على الإنسان فلا ينجو منها إلا القليل والنادر.
فكما يقول دكتور الغمري في "برج مغيزل" إن شركات التواصل الاجتماعي هي الوحيدة التي تعرف ماذا تريد وتعرف كيف تحققه.. فتلك الشركات تعرف أن للفضفضة سحرًا، وللحنين سطوة، وللإعجاب والقبول الاجتماعي أثر الإدمان، فتعرف تمامًا كيف "تهندس" كل ذلك، لذلك فإن أي تكنولوجيا متقدمة بما فيه الكفاية يتعذر تمييزها عن السحر!
حقًا، لقد نجح السحر في إن يسحبنا إلى الفخ، فوقعنا فيه أحيانًا بإرادتنا لنلحق بالقطيع وأحيانًا أخرى بتراجع القوى العقلية.