Close ad
6-7-2022 | 16:37

هناك حزب ضخم يزداد عدد أعضائه ومنتسبيه بسرعة كبيرة ومطردة، واستمرار تناميه وتغلغله يُمثل خطرًا اجتماعيًا داهمًا، هذا الحزب غير المُعلن والذي لم يُشكل بقرار رسمي اسمه "السير عكس الاتجاه"، ولم يعد مقبولًا الصمت على ما يرتكبه مريدوه ومحبوه من جرائم وخطايا بشعة، وحان أوان مواجهته بشجاعة وثبات، وتحجيمه لأقصى حد يمكننا كمجتمع بلوغه. 
 
المزعج في شأن هذا الحزب أنه ينشر بين الناس مفاهيم وأحكامًا مغلوطة وتجافي الحقيقة في كل الأوقات، ويضرب بمعاول الهدم في كثيرٍ من الثوابت والقيم والأعراف الاجتماعية والدينية الراسخة، وتلك الثوابت ليست موضع جدل ولا خلاف على جدواها ومنافعها لحاضرنا ومستقبلنا، ووجوب التزام الجميع بها، وما يضاعف الإزعاج الناتج عن هذا الحزب أن مبادئه الخطيرة باتت ثقافة شائعة بيننا، وتصادف هواءً في نفوس وعقول العديدين.
 
وإذا حسبت أن تجليات تلك الثقافة المقيتة والكريهة مقصورة على ظاهرة السائرين بسياراتهم ومركباتهم عكس الاتجاه في شوارعنا وأزقتنا، فمعذرة، لأنك ستكون خاطئًا في حساباتك وتقديراتك، ويتوجب عليك إعادة النظر فيها، لأن هناك عوارض ومظاهر أفدح وأخطر بمراحل من هذا العارض الذي نقر بخطورته ولا نقلل من أخطاره، وعبر السطور التالية سأعرض عليكم نماذج وشواهد حديثة تبين ما بلغناه من مآسٍ وفواجع، جراء استمتاع كثيرين منا بالانضمام لقافلة "عكس الاتجاه". 
 
الشاهد الأول: قضية الشابة نيرة، التي قتلها غدرًا زميلها بالجامعة في وضح النهار تحت سمع وبصر المارة، وسجلت الفاجعة صوتًا وصورة عند حدوثها، حيث انقلبت الآية من التعاطف الشديد مع الضحية وعائلتها المكلومة، وصب اللعنات على القاتل الوغد، ودعوات بالإسراع بالقصاص العادل منه، حتى يكون عبرة للجميع، إلى هجوم ساحق ماحق على المجني عليها، ونشر صور لها بوسائل التواصل الاجتماعي توحي بأنها إنسانة غير صالحة، وشاعت تبريرات وتفسيرات تلتمس العذر للجاني، وإظهاره وكأنه ضحية لفتاة في مقتبل حياتها. 
 
وعوضًا عن أن يلقى جزاءه المستحق على جرمه الشنيع المؤثم، بدأت حملات مكثفة لتبييض صورة القاتل، وجمع أموال لدفع الدية لأسرة القتيلة، وأخذت أصابع عديدة تلعب لإبعاد عنق المجرم عن مشنقة عشماوي، بل إن أحد الجيران لم يتورع عن امتداح الجاني والإشادة بأخلاقه الحميدة ومناقبه النموذجية، بقوله: "إنه لم يكن أحد يسمع صوته، إلا حين يضرب أمه وشقيقته!!!".
 
تخيلوا أنه يمدح شخصًا يعتدي على والدته وشقيقته، وكأن هذا الاعتداء شيء عادي لا غبار عليه وليس مجرمًا دينيًا واجتماعيًا، ثم يعلن محامٍ شهير اعتزامه الدفاع عنه، حتى بعد أن قالت محكمة المنصورة قولها الفصل بإصدارها حكمًا بإعدامه، عقب عرض أوراق القضية على مفتي الديار المصرية. 
 
نعم من حق المتهم وجود مَن يدافع عنه بمحاكمته، لكن أين الضمير الإنساني والأخلاقي، وكيف أدافع عن شخص أدلى باعترافات تفصيلية دقيقة عن جريمته، وكيفية استعداده لها، وعقده النية والعزم على ارتكابها وكان بكامل وعيه وعقله لدى تنفيذها فور نزولها من الميكروباص مقابل إحدى بوابات جامعة المنصورة.
 
الشاهد الثاني: غمز ولمز البعض تصريحًا وتورية بضرورة مشاركة جماعة الإخوان الإرهابية في الحوار الوطني، الذي بدأت أولى جلساته في الخامس من الشهر الجاري، بدعوى أنه فصيل لا يجوز استبعاده، وفي غيابه لن يكون لهذا الحوار أي معنى أو نفع يرجى. 
 
كلام ودعوة تتأبط شرًا وأثمًا عظيمًا، لأننا إزاء جماعة غير معترفة بالوطن من الأساس، ولا بالدولة الوطنية، ولا بثورة الثلاثين من يونيو التي اقتلعتهم من حكم مصر التي لم يقدروا تاريخها وحضارتها وشعبها، وكادوا يلقون بها عن عمد في براثن حرب أهلية كانت، لولا عناية المولى عز وجل ورعايته، ستقضي على الأخضر واليابس في هذا البلد الطيب، ولم تتوقف شرورهم ومخططاتهم الشريرة عند هذا الحد، لكنها تجاوزتها لرفع السلاح في وجه القوات المسلحة والشرطة المدنية، وإباحة قتالهما، وتلوثت يدها بدماء شهدائنا وجرحانا الأبرار، وتحريضها دول العالم على مصر ومصالحها.
 
أبعد كل ذلك يأتينا مَن يتكلم عن جلوس ممثلين عن الجماعة الإرهابية على طاولة الحوار الوطني، وبخبث يغض الطرف عن جرائمهم وعدم ندمهم عليها، وظهور الإخوان كأصحاب حق لابد من تعويضهم عنه، وإعادتهم لساحة العمل السياسي والاجتماعي ثانية.
 
ألا يعد هذا خبلًا ويرقى للخيانة الوطنية، وليقل لنا المرجون والمتحمسون لدعوة الإخوان عما إذا كانت الجماعة الإرهابية مستعدة للاعتراف بما فعلته خلال السنوات الماضية من تدمير وتخريب وإزهاق للأرواح وتآمر، والخروج عن صحيح الدين الإسلامي، وأنها جماعة تقتات على العنف والقتل ولا تنتعش بدونه، وخرجت من رحمها المسموم جماعات إرهابية نشرت الخراب والدمار في ربوع الأرض، وقبلها ماذا سنقول لأهالي وذوي الشهداء والجرحى الذين لم يبخلوا على وطنهم بأغلى وأنفس ما يملكون، وهو أرواحهم الطاهرة الزكية.
 
الشاهد الثالث: بزعم العطف والحنو على الحيوان يقوم الآلاف بإطعام الكلاب والقطط الضالة في محيط منازلهم، ونتج عن حنانهم المصطنع والضار زيادة أعداد الكلاب بشكل مرعب، وطبقًا لأرقام معلنة فقد وصلت إلى ما يزيد على العشرين مليونًا، وعمليًا احتلوا شوارعنا ومدننا وتوحشوا، واعتبروا الشارع مملكتهم الخاصة وغير مسموح بالاقتراب منها، أو المساس بها، وعاثوا فسادًا وتخريبًا، والحقوا الأذى الكبير بالأطفال والشباب وكبار السن، ويشكلون مصدرًا رهيبًا للإزعاج، خصوصًا ليلا، فضلا عن القمامة التي يبعثرونها من حولهم بحثا عن غذائهم.
 
إن دخلت في نقاش مع العاطفين على كلاب وقطط السكك تنفر عروقهم وتحمر وجوههم وهم يتهمونك بالغلظة وعدم الرأفة، ويسوقون الحديث الشريف عن المرأة التي دخلت النار بسبب عدم إطعامها قطة لديها، ويتجاهلون أن القطة كانت بمنزلها وليس خارجه، ولا يرون أنهم يُحدثون أضرارًا لا حصر لها بمجتمعهم.
 
نفس هؤلاء الرحماء بالحيوان تجدهم يلقون بالزبالة بمنتهى الأريحية على قارعة الطريق، ويتكاسلون في أداء مهامهم بمواقع عملهم، ويرهقون المتعاملين معهم من أرباب المصالح، ويحدثونهم بحواجب معقودة ووجوه كالحة غاضبة، ويهدرون المياه في أشياء غير مفيدة، ويسهلون البناء على الأراضي الزراعية، وأحيانا في اغتصاب أملاك وحقوق الدولة.. إلخ.
 
ما سبق بعض شواهد ماثلة أمامنا جميعًا ونراها بوضوح للمؤيدين والمشجعين لحزب السير عكس الاتجاه الذي يجب أن يتصدى له المجتمع عن بكرة أبيه، ونعلنه كيانًا غير مرغوب فيه وسطنا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: