فى الحج أدب مع الحجر فيقبل.. والشجر فلا يقطع.. والطير فلا يروع.. والصيد فلا يقتل
موضوعات مقترحة
فى الحج تذوب الفوارق.. فتتحقق المساواة بين المسلمين رغم اختلاف أجناسهم وألوانهم وتباين ألسنتهم وتباعد بلادهم
الحج.. أخلاق حسنة وقيم عالية وآداب رفيعة.. هكذا أكد لنا علماؤنا.. وفى الحج أدب مع الحجر فيقبل.. والشجر فلا يقطع.. والطير فلا يروع.. والصيد فلا يقتل.. مشددين أن «إستووا» ليست كلمة تقال عند الصلاة.. بل منهج نظام وطاعة.. وحلول لكل الفوضى والتسيب والفساد والاختلاف للأمة.. محذرين من هذا البوست الخبيث: «اتركوا الطواف حول الكعبة وطوفوا حول الفقراء» و»التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها»!.. وغيرها من القضايا التى نتناولها مع أكارم علمائنا مناسبة لموسم الحج الذى نحياه الآن.. والتفاصيل فى السطور التالية.
يقول فضيلة الشيخ أبو سيف الأزهرى من علماء الأوقاف: اعلموا جيدا ان الإسلام لم يشرع العبادات بكافة صورها طقوساً ولا شعائر مجردة من المعنى والمضمون، بل إن كل عبادة تحمل فى جوهرها قيمة أخلاقية يجب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدى لهذه العبادة، وأن تتضح جلياً فى شخصيته وتعاملاته مع الغير، ولو تأملنا جميع العبادات لوجدنا ان الهدف منها هو تهذيب الأخلاق وتزكيتها، فهذه العبادات تلتقى كلها عند الغاية التى رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله: (وإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فالإسلام ينقسم الى عقيدة وشريعة وأخلاق، وغاية العبادات هى اقرار الاخلاق وتهذيب السلوك،لأن الأخلاق ثمرة الدِّين، وجوهرُ الدِّين.
والشعائر تتجلى فى الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها مما أمر الله تعالى به، ولا تستقيم الشعائر بدون حسن الخلق، فجميع الشعائر تثمر الأخلاق الفاضلة، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال عز وجل:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) والزكاة تطهر الإنسان وتزكيه، قال سبحانه:( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) والصيام يهذب النفس، قال صلى الله عليه وسلم:« من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه »، والحج يرتقى بأخلاق الإنسان، قال تعالى:( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج).
وفى الحج أخلاق حسنة وقيم عالية وآداب رفيعة، حيث يتأدب الإنسان مع الكون من حوله، كيف؟ أدب مع الحجر فيقبل، أدب مع الشجر فلا يقطع، وأدب مع الطير فلا يروع، وأدب مع الصيد فلا يقتل، وأدب مع المكان فلا يلحد فيه أو يظلم، وأدب مع الإنسان فلا يسب أو يشتم، وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.
من هنا تأتى الاشواق
يضيف فضيلته إنّ المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها يتمنون إتيان هذا البيت فى كلّ لحظةٍ من ليل أو نهار، فليس معنى فرضية الحج والعمرة أنهم يأتونه مكرهين! كيف؟ والفقير قبل الغنى والضعيف قبل القوي، والصغير قبل الكبير، الكلّ يودّ أن لو ثاب إلى البيت كل عام بل وفى خلال العام! فتضاعف شوق القلوب نحو المكان، وازداد حنين الأفئدة كلما هلَّ موسم الحج، ففى كل عام مع دخول ذى الحجة يشتد الشوق لبيت الله الحرام، وتزداد دقات القلب حباً فى المكان وشوقاً للزمان، ويتردد النشيد الثائر: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
والحج هو موسم تجتمع فيه العبادات كلها؛ وبذلك اجتمعت فيه فضائل العبادات كلها؛ وهذا لا يتأتى فى عبادة غير الحج؛ يكفيه ان فيه كلمة حيرت اعداء الاسلام، انها كلمة «استووا»، قال الامام (إستوووا) فتوحدت الأرض والسماء، مساحة شاسعة وأناس من شتى أنحاء الأرض، يتكلمون كل لغات العالم ولا يعرف بعضهم بعضا، هؤلاء إلى اليمين وهؤلاء إلى اليسار وهؤلاء صاخبون والبعض صامتون، أصوات من كل اتجاه لا تستطيع أن تميزها لاختلاف اللغات، وفجأه يقول الإمام (إستوووا) فى عشر ثوانى لاغير يصطف 2 مليون إنسان فى صفوف دائرية غاية فى الانتظام ويعم الحرم صمت رهيب، لا تسمع صوت رجل ولا امرأة ولا طفل، يصلون لإله واحد متمثلين ركوع وسجود وقيام الملائكة فى لحظة توحد بين الأرض والسماء، والسؤال أين برامج التوعية فى العالم من إستوووا؟ أين كل منظمى التجمعات فى العالم وتدريباتهم التى تستغرق عامين ليستطيعوا تنظيم ألف إنسان فقط ؟ .
كيف نشارك الحجاج أداء المناسك؟
حول كيفية مشاركة الحجاج أداء مناسكهم يقول فضيلة الشيخ أحمد عزت من علماء الاوقاف: حين يصل الحاج إلى البيت الحرام فإنه يبدأ بالطواف، سواء كان حاجًا -فيطوف طواف القدوم- وهو سنة، أو معتمرًا -فيطوف طواف العمرة- وهو ركن، ويجب ألا يقل عدد أشواط الطواف حول الكعبة عن سبعة أشواط، أما الطواف الذى هو ركن الحج وهو طواف الإفاضة فيكون بعد العودة من عرفات، ومن خلال الطواف نتعلم النظام، ونتدرب على التعاون وإنكار الذات، ونتلقى دروسًا عملية فى الآداب والمروءة والحب والعطف ونؤمن بأن التوجيه الدينى أسمى من أى توجيه؛ فأى توجيه تكون له مثل هذه الفعالية؟
إن الجيوش تحتاج إلى ربط وإحكام، وضبط ودقة، بعد تدريب متواصل، إلا أننا نرى الحجيج -على كثرتهم واختلاف أجناسهم وأعمارهم وتباين لغاتهم وثقافاتهم- يسيرون فى اتجاه واحد، وارتباطٍ وتآزرٍ، ووحدةٍ، ووسط التلبية الهادرة، إذا أذن المؤذن سمعوا الأذان، ولبّوا النداء، فإذا بالجميع وقوف كأن على رؤوسهم الطير، لا تسمع حينئذٍ إلا همسا، ولا ترى إلا أجساما منظومة، وأقداما مصفوفة، إذا ركع إمامهم ركعوا، وإذا سجد سجدوا، وإذا قرأ أنصتوا، وإذا دعا أمّنوا، إنها صورة من صور الجمال، والحسن والجلال، فلْتَأْتِ الدنيا كلُّها لتُطِلَّ على هذا المنظر البديع وليشهد الوجودُ كله بأن الإسلام هو دين النظام، ودين التضامن، ودين الألفة، ودين الحياة.
والطواف حول الكعبة شعيرة عظيمة فى معناها، ورغم أن الكعبة بنيت من حجر لا يضر ولا ينفع، ولكن الطواف امتثال لأوامر الله وطاعته، وتعظيم أمر الله يجعلك تبلغ الوسيلة كما فى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ»، ونحن كمُسلمين نؤدى ما افترضه الله من دون أن نتساءل عن أسباب فرض العبادات علينا وما هى الحكمة من ورائها، فهذا هو جوهر الإسلام، وهو التسليم للخالق عزَ وجل فى جميع أمور التشريع.
ومن الملاحظ أن جميع عباداتنا تبدأ باليمين فنأكل باليمين ونسلم باليمين وندخل المسجد باليمين، وهكذا دائمًا نفعل كل شيء باليمين إلا الطواف حول الكعبة فإنه يكون عكس عقارب الساعة، وذلك لحِكمٍ منها: أنه يجب على المسلمين اتباع مناسك الحج كما أداها الرسول، وأهل العلم ذكروا أن القلب فى الإنسان ناحية اليسار، فنحن عندما نطوف عكس عقارب الساعة فيكون القلب أقرب ما يكون ناحية الكعبة.
اتركوا طواف الكعبة وطوفوا حول الفقراء
يضيف: وبمناسبة الطواف نحذر من هذا البوست الذى يتم تداوله فى هذه الأيام المباركة بدون تدقيق وإمعان النظر فى معناه ومضمونه، والذى يقولون فيه: «اتركوا الطواف حول الكعبة وطوفوا حول الفقراء»، وآخرين يقولون: «التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها»! فماذا نفعل هل نطوف حول الكعبة أم نطوف حول بيوت الفقراء! هذه الكلمات سواء كنت تعلم أو لا تعلم، الغرض منها هو تزهيد المسلمين فى الشعائر الظاهرة التى يظهر بها شعار الإسلام ويتميزون بها عن غيرهم، فالفقراء موجودون فى كل زمان من عهد النبى إلى زماننا ولم يقل أحد مثل هذا الكلام البارد، وأغلب من يكثرون من العمرة ممن وسّع الله عليهم معروفون بالصدقة والتبرعات أيضًا، إذ لا يحرص على العمرة -غالبًا ويكثر منها- إلا من كان قلبه عامرًا بالإيمان، ثم لماذا لا تكون المقارنات إلا بين العمرة والأضحية وشعائر الاسلام وبين الفقراء؟ لماذا لا تقول: لا تشتر لحمًا مرتين أو أكثر فى الأسبوع واشتر مرة وطف حول الفقراء بالباقي؟! لماذا لا تقول: لا تشربوا السجائر وادفعوا ثمنها للفقراء؟! لماذا لا تقول: اتركوا قاعات الأفراح والأثمان الباهظة وطوفوا حول الفقراء؟! لماذا لا تقول اتركوا المصايف والتنزهات فى العلمين وشرم ولندن وباريس وطوفوا حول الفقراء؟! لماذا لا تنفق الأموال التى تصرف بالمليارات فى الترف والغناء والأفلام والمسلسلات والمباريات وتطوف هذه الأموال حول الفقراء؟!
سؤالنا نحن الآن: لماذا لا تتركون لنا شعائرنا نتمتع بها؟!، لماذا تقارنوا بين عبادتين كلاهما فاضل، وكأنه يلزم الناس أن يتركوا كل شيئ ويهتموا بعبادة واحدة! إن هذه الأسئلة وهذه الأقوال تدبر بالليل ممن يكيدون لهذا الدين، ثم تخرج بالنهار على المسلمين، فيتلقفها السذج منهم والذين ينخدعون بظاهر العبارة ورونقها ولا يعلمون ما وراءها، من عوامل هدم شعائر الإسلام الخفية، ثم إن أكثر من يردد مثل هذه العبارات غالبًا لا يطوفون حول الكعبة، ولا حول الفقراء.
وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم، وأنه وثنية فذاك من زندقتهم وإلحادهم؛ فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله، وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى.
آثار الحج فى حياة الأمة الإسلامية
وتحت هذا العنوان يحدثنا فضيلة الشيخ بركات سيد من علماء الاوقاف قائلا: للحج آثار عظيمة على المجتمع المسلم فى عقيدته ووحدته واقتصاده وجميع شئون حياته ومن أبرز آثاره فى حياة الأمة الإسلامية.. وصل حاضر الأمة بماضيها، وسقوط الشعارات الزائفة التى تجعل التفاضل بين الناس حسب أجناسهم وألوانهم ومكانتهم فى الدنيا.
وعن آثار الحج فيمن أدى فريضته يضيف فضيلته: من آثار الحج فى حياة المسلم الذى يؤدى فريضته تجديد ذكر الله، فيقوى صلة المحبة بينه وبين خالقه، ونيل رضوان الله ومغفرته، حيث يرجع إلى بلده بإذن الله نقياً من الذنوب؛ كما أنه يتعلم دروساً فى البذل والتضحية، والحاج الذى يبقى أثر الحج فى نفسه فيعود منه وقد تحسن حاله واستقام أمره وأقبل على طاعة ربه، هو الذى يرجى أن يقبل حجه، فالله لا يقبل العمل إلا من المتقين «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ».
قال فى الحج
قال رسول الله: «من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة»، وعنه قال: (الغازى فى سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)، وسُئِل النبى أى الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (جهاد فى سبيل الله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور)، وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها، قالت: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد، قال: (لا، لكنَّ أفضل الجهاد حج مبرور)، وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: سمعتُ النبى يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)، وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله، قال: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، إنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء).
وقال رسول الله: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، وقال: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفى الفقر والذنوب، كما ينفى الكير خبث الحديد)، وقال: (ما من مسلم يلبى إلا لبى مَنْ عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا)، وقال رسول الله: (جاءنى جبريل، فقال: يا محمد! مُرْ أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعار الحج)، وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: (العج والثج)، و(العج) رفع الصوت بالتلبية، و(الثج) نحر البُدن.