Close ad

مدونة سلوك حيوية.. "2 - 3"

3-7-2022 | 10:46

“المحمية الحيوية Biosphere reserve – "، هذا المصطلح الحديث نسبيا، هو وحدة محمية إيكولوجية، "برية أو بحرية"، تتركز مهمتها في صيانة النظم البيئية للسلالات النباتية والحيوانية في الحياة الفطرية بما يسهم في تنشيط التنوع البيولوجي، ويضمن استدامة هذه النظم والسلالات معا.
 
وإذا كانت المحميات تشكل وعاءً حاضنًا لكنوز الطبيعة وتراث الأجداد، فإن إطلاق مبادرة "مدونة سلوك حيوية"، كما عرضنا الأسبوع الماضي، تهتم برسم مسار طريق لإطلاق طاقات التنمية المستدامة بفكر جديد غير تقليدي قوامه التنوع في النشاط ما بين الرسمي والأهلي، والتكامل في الموارد بين البشري والطبيعي، وهي اقتراح يسهم في ترجمة مبادرات ومشروعات الدولة والمجتمع الأهلي في الحفاظ على البيئة بعناصرها وتوفير سياج آمن ونطاق طبيعى لحماية كافة الكائنات، فضلا عن حماية البشر والشجر والحجر.
 
وبالرغم من أن مصر لديها من الكنوز الحيوية الكثير يندر تواجده في قارات ومناطق ودول، وهي بمثابة البؤرة لكنوز كوكب الأرض، إلا أن عدد المحميات الحيوية المعتمدة فيها لا يزيد على محميتين فقط  للنطاق الحيوي، من بين 30 محمية طبيعية في مصر، المحميتان هما محمية "العميد" بمطروح، ومحمية "وادي العلاقي" بأسوان، وهما تابعتان لبرنامج "الإنسان   والمحيط الحيوي" Man& Biosphere: MAB-

وبعيدًا عن ذكر أسباب ندرة عدد المحميات الحيوية لدينا، فإن اطلاق ما يسمى بـ "الحدائق البيولوجية -  Geo- Park"، يمكن أن يشكل بديلا مؤقتا عن التوسع في إطلاق المحميات الحيوية، وحماية تراثنا الجغرافي النادر وصيانته.
 
في أبريل الماضي، وافق المجلس التنفيذي لليونسكو على تعيين 8 مواقع جديدة للحدائق البيولوجية، توضح تنوع جيولوجيا الكوكب باعتبارها حدائق جيولوجية، ليصل عدد المواقع في شبكة الحدائق الجيولوجية العالمية إلى 177 موقعًا منتشرة في 46 دولة.
 
وهذه الحدائق هي بمثابة لوحات طبيعية حفرتها الطبيعة في الصخور والرواسب بنسق خلاب، تعكسه المناظر الطبيعية الجيولوجية المذهلة في تنوعها، وإذا كانت السمات الرسوبية والحفرية والصخرية والتركيبية، متنوعة شكلتها الأحداث التاريخية للأرض، تتميز بنمط استثنائي في مصر ومناطق أخرى بالعالم، فهناك ضرورة لنشر المزيد من الوعي لدى الناس بأهمية المناطق المحمية والحدائق الجغرافية، وتطوير هذا الوعي بأهميتها وأهمية المحميات الحيوية، حيث تتوافر لدينا الإرادة السياسية الواعية بأهمية هذا التاريخ والشأن البيئي بشكل عام، وما نحتاجه هو إرادة مجتمعية.
 
من المهم البدء في تحديد ورصد قوائم بالمواقع الجغرافية، وإعداد قواعد بيانات لها، بالإضافة إلى رفع الوعي الرسمي والشعبي، أي أن الاهتمام بتطوير الوعي لدى المسئول أو متخذ القرار، لابد وأن يواكبه، في نفس السياق، رفع ونشر الوعي لدى المجتمع المحلي والمواطن البسيط، وجوهر هذا الوعي يتمثل في أهمية التراث الجيولوجي وضرورة حمايته لكي تتحقق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والمحلية، للتنمية.
 
هذا بالإضافة إلى بناء قدرات الإعلاميين المتخصصين، عبر تنظيم المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية والورش، وتنظيم المنصات لتبادل الأفكار والمعلومات حول الخبرات وأفضل الممارسات والتطورات الجديدة والاتجاهات الحديثة في التراث الجغرافي المتخصص.
 
ولاشك في أن نقطة البداية لصيانة التراث الطبيعي والجغرافي تبدأ عند المجتمعات المحلية التي هي نسيج من هذا التراث، وأن يكون لتلك المحميات مردود اقتصادي واجتماعي على السكان المحليين، لأن غياب ثقافة "صون الطبيعة" لدى المحليين يصعب من مهمة الحفاظ على التراث، بل يجعلها مستحيلة، فلابد وأن يدرك هؤلاء ما هو التنوع، وكيف يسهم الإهمال في فقدان التنوع البيولوجي الذي هو جوهر الحياة وهو نعمة ومنحة من الخالق سبحانه.
 
من المؤكد أن أهمية محميات "التراث الطبيعي" هي أغلى من التراث العقاري أو المعماري أو الاقتصادي، فهذا التراث المادي المهم يمكن تعويضه، إلا التراث المعنوي والطبيعي، فمن الصعب إعادته إلى طبيعته، فهو رصيد لا يمكن تعويضه باعتباره تراثًا معنويًا تراكميًا تكون وتشكل عبر آلاف بل ملايين السنين.
 
نعلم أن أعباء حماية المحميات تحتاج إلى موارد ضخمة، وعندما نتحدث عن التطوير والاستثمار من خلال الانتفاع الاقتصادى من السياحة البيئية، فلابد أن يكون الحديث دقيقًا والتطبيق أكثر دقة، فهناك مجالات للاستثمار مثل "النباتات العطرية" التى نصنع منها الأدوية، وتكوين متاحف بيئية، ومشاهدة الطيور، ورياضات الغطس والسفارى وتسلق الجبال، والتزحلق على الرمال، وكل هذه المنشآت والمرافق تتم من مكونات بيئية تتماشى مع الكيان الطبيعي للمحمية، وهذه الأنشطة ليست جديدة، فالعديد من الدول والمناطق تفعل ذلك بما لا يشكل تعديا على المحميات، ولابد من توفير خدمات للزوار من خلال مشاركة  المجتمعات المحلية باعتبارها الأكثر قربا وملاءمة لتنمية المحميات والحفاظ عليها، وهي بالتالي تستفيد من التطوير بتنمية قدراتها.
 
المحمية الحيوية والحدائق الجغرافية تؤدي عددا من الوظائف، حددتها منظمة "اليونيسكو"، فهي تتطلب أساليب إنتاج مستدامة من البيئة، كما تحمي الطبيعة، وتقدم كنوزا للبحث العلمي والتأهيل من أجل التنمية المستدامة، فضلا عن الارتقاء بالتعاون المثمر والتفاعل البناء على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وهذا الجهد الشامل يعتمد بشكل أساسي على مشاركة الناس، بما في ذلك المتطوعون..
 
الأسبوع المقبل، بإذن الله، نتابع كيفية تنشيط  العمل التطوعي وأسس المشاركة والتفاعل لحماية المحميات الطبيعية الحيوية والحدائق الجيولوجية، وغيرها من المناطق المحمية.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة