راديو الاهرام

قضية "نيرة".. تحية للقضاء وتحذير للأسرة والمجتمع

3-7-2022 | 10:29

تزايدت في الفترة الأخيرة حدة وكم وأشكال الجريمة والعنف بشكل مؤسف، يدق أجراس الإنذار بحدوث تغيرات سلبية واضحة في المجتمع المصري؛ مما يستدعي الدراسة والتحليل والحوار لمواجهة هذه المشكلات المتزايدة بشكل واضح في الفترة الأخيرة.
 
والواقع أن هناك أسبابًا خارجية وداخلية وتكنولوجية مجتمعة، قد تكون أدت لتزايد حدة ووتيرة العنف في المجتمع المصري؛ حيث أثرت التكنولوجيا الحديثة على الشباب والأسرة تأثيرًا بالغًا، والخطير أن معظمها ينقل تراث وثقافة الغرب إلى أبنائنا، والأخطر أن كثيرًا من الآباء والأمهات انشغلوا بهذه التكنولوجيا عن متابعة وصداقة الأبناء؛ حيث أصبح من المألوف والمعتاد أن يجلس أفراد الأسرة معًا، ولكن كلًا منهم مشغول بعالمه الخاص، وتلفونه واتصاله بوسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت في كثيرٍ من الأحيان في مجتمعنا إلى وسيلة للتباعد والفصل الاجتماعي؛ مما زاد من الفجوة بين الآباء والأمهات والأبناء.
 
وهنا مصدر الخطورة والانفصال الاجتماعي داخل الأسرة المصرية، مع الفجوة الطبيعية بين الأجيال، وخاصة مع تسارع حدة وتداعيات المشكلات الاقتصادية العالمية والمحلية والإصلاح الاقتصادي، مع ارتفاع الأسعار وتكاليف الزواج وانخفاض الأجور وتزايد البطالة وارتفاع أسعار المسكن، كل ما سبق يمثل ضغوطًا إضافية على الشباب تصيب بعضه بالإحباط، والبعض الآخر باليأس في إقامة أسرة وحياة مستقرة، مع انتشار الفن الهابط الذي ينشر ويمجد في أعمال البلطجة والعنف، وظهور متكرر لاستخدام السيوف والسنج والسكاكين.. وغيرها من أدوات القتل والعنف، ثم تكريم القائمين بهذه الأعمال فننشر القدوة السيئة، ونشيد بنموذج العنف والبلطجة؛ ولذلك أصبح المجتمع بيئة مهيأة لمثل هذه الجرائم؛ مما ينذر بمزيد من المشكلات إن لم نتدارك جميعًا خطورة الموقف.
 
وهنا كان موقف القضاء نموذجًا يستحق التحية والتقدير في سرعة الفصل والحزم في تطبيق القانون، بل أيضًا في تحذير المجتمع من خطورة وتداعيات الأحوال الاجتماعية المهيئة للجريمة والانحراف.
 
ومعروف أن هناك اتجاهين يعملان معًا لمواجهة الانحراف والجريمة؛ الاتجاه الأول هو الضبط الرسمي من خلال رجال القانون والشرطة، وفي القضية الأخيرة كان القضاء نموذجًا في تقدير خطورة القضية؛ ولذلك تم صدور الحكم بعد نحو أسبوع فقط من الجريمة، رغم مشاغل القضاء وتعطل الأحكام بوجه عام؛ لكثرة الضغوط، ولكن القضاء أعطى أولوية لمثل هذه الجرائم لكي تكون رادعًا سريعًا، ولذا فهو يستحق كل التحية والتقدير، وعلى الأمن متابعة مثل هذه الجرائم بنشر مزيد من الكاميرات في كل مكان؛ لرصد أي تجاوزات، كما كان الأمن يقظًا وتم القبض سريعًا على المتهم، وذلك لمواجهة الجريمة والانحرافات.
 
والاتجاه الثاني في المواجهة يعتمد على الضبط غير الرسمي، وهذا هو دور الأسرة والمدرسة والإعلام والفن والمجتمع بوجه عام، ونبدأ بالأسرة فعليها التقرب من الأبناء ومناقشتهم ومشاركتهم مشكلاتهم وأحلامهم، وتبسيط إجراءات الزواج وتخفيف المطالب، وبث الأمل ومواجهة الإحباط، وصداقة الأبناء، فكما يقول الحديث: "علِّموا ولا تعنِّفوا، فإنَّ المعلِّمَ خيرٌ من المعنِّفِ" فإن هناك مسئولية للكبار تجاه الصغار وللأخوة وبعضهم البعض، ثم على وسائل الإعلام نشر القدوة الصالحة ومناقشة الخبراء والعلماء في قضايا ومشاكل الشباب والمجتمع.
 
وأيضًا على المسئولين عن التعليم في كافة مراحله إدماج هذه القضايا في المقررات الدراسية، وعقد الندوات والمؤتمرات لمناقشة قضايا الشباب والمجتمع في الجامعات ومراكز الشباب ومؤسسات المجتمع المدني، مع ضرورة عقد مؤتمرات علمية بين الخبراء والمتخصصين لدراسة هذه القضايا والمشكلات.
 
وعلى جميع أفراد المجتمع دورهم في الردع الفوري لأي تجاوزات في الشارع المصري من أي فرد تجاه امرأة، فالردع الجماعي يمكنه من ردع الانحراف ومنع الجريمة قبل وقوعها، فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسئولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسئولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسئولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسئولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيتِهِ"؛ لأن سلبية رجل الشارع تعني تشجيع المنحرفين وزيادة الجريمة.
 
وهنا على الإعلام نشر والإشادة بالنماذج الإيجابية في هذا المجال لتكون قدوة لغيرها، والتشهير بمن يقومون بأي تجاوزات أو انحرافات، والإشادة بمن يساهم في مواجهة الانحرافات.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: