راديو الاهرام

الاستغفار "وتنفس" العزة

2-7-2022 | 12:06

لا ينتبه الكثيرون للارتباط الوثيق بين الاستغفار والعزة، وأنه الطريق المضمون للفوز بها بعد الاستعانة بالرحمن.. من منا لا يتمنى تنفس العزة؛ والعزة هي القوة وعلو القدر والإباء والشموخ والاستعلاء عن الرضوخ لغير الخالق.. 

من أسماء الله الحسنى العزيز والمعز؛ العزيز معناه الغالب القوي الذي لا يستطيع أحد أن يغلبه والمعز هو الذي يهب ويمنح العزة لمن يشاء من عباده؛ فمن "أراد" تنفس العزة فليستعن بالعزيز وبالمعز وحده ولا يلتفت للخلق وليطلب منه عز وجل أن يمن عليه بالعزة ويلح بالدعاء ويتذكر الآية الكريمة: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين".
 
يعد رفض الاستغفار بعد العناد في الاعتراف بالأخطاء مدخلًا رئيسيًا للخصام مع العزة؛ فيُكرر الخطأ نفسه مرات ومرات حتى "يستوطن" العقل والقلب والجوارح ويصبح عادة وبمرور الوقت تتحول لمكون من مكونات شخصية صاحبها؛ ويصعب عليه التفكير في التخلي عنها فيوقع "نفسه" في الكثير من الخسائر الدنيوية والدينية؛ فلا يوجد خطأ يستحق الاستغفار عنه إلا ويلحق به خسائر دنيوية أيضا؛ بدءا من النميمة ومرورا بالكذب وانتهاء بالكبائر بأنواعها..
يتوهم البعض أن اعترافه بالخطأ يقلل من شأنه ولا يسارع بالاستغفار عنه للخالق عز وجل ويطلب العفو ممن أخطأ بحقه؛ وهذا أكبر إساءة للنفس واستسلام بغيض لوساوس إبليس اللعين، ومن يفعل ذلك يلقي بنفسه في "جحيم" الاستكبار ويتناسى أننا جميعا بشر وكلنا نخطئ ونصيب وفي الحديث الشريف: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" ويحرم نفسه من حب الله وفي الآية الكريمة: "إن الله يحب التوابين".
 
الاستغفار نعمة وفضل من الرحمن ندعوه عز وجل بأن يرزقنا إياه وألا يحرمنا منه أبدًا؛ فالاستغفار هو إقرار منا بالعبودية لله وحده وبألوهيته سبحانه وتعالى وعزمنا الشديد على ترك المعاصي وبغضنا لها والتوبة عن كل ما يغضب الله والتوسل للرحمن ليغفر لنا ذنوبنا؛ وكلنا أمل أن يشملنا بمن ذكرهم بالآية الكريمة: "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم".
 
من يستغفر "يصنع" عزته ويرى نفسه عزيزًا وعمره عزيزًا وعقله عزيزًا وقلبه عزيزًا؛ فيكره لأي منهم كل ما "ينتقص" من أسباب عزته والعكس صحيح.
 
في الحديث الشريف: "إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: "أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك".
 
فلنستغفر دومًا لأنفسنا ولكل من نحب لنرتفع درجات بالدارين ولنتطهر من الشوائب التي تمس رصيدنا من العزة، ونرفض تناقصه "ونسعى" لزيادته بوعي وبيقين أن الرحمن العزيز سيساعدنا وينير قلوبنا وأعمارنا وعقولنا؛ "متى" استغفرنا بصدق وندمنا وعزمنا بقوة ألا نعود لذنوبنا وكرهنا الذنوب ولا نكره "أنفسنا"؛ فكراهية الذنوب ستجعلنا أكثر رفضا لها وكراهية النفس تضعفنا وتؤذينا وتجعلنا نفقد الثقة بها مما يرشحنا للعودة للأخطاء أو الوقوع "بسهولة" في غيرها.
 
يمنح الشعور بالعزة صاحبه مزيجًا رائعًا من القوة النفسية والاعتزاز الجميل بالنفس وحسن تقدير الذات "وصيانتها" – عن الوقوع في الأخطاء الدينية والدنيوية – ما استطاع- "وسرعة" الاعتراف بها فور ارتكابها والمسارعة بالاستغفار للوهاب وبرد الحقوق للبشر؛ لأنه "يعز" نفسه ويضن بها عن اعتياد الخطأ ومصاحبته..
 
من يحب رؤية نفسه عزيزًا فليُذكر نفسه دومًا بالآية الكريمة: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور"؛ فيحرص على تنقية تفكيره وقلبه وتصرفاته من كل ما "يخجل" أن يطلع عليه الخالق عز وجل، وسبحانه يرانا دومًا ويسارع بالاستغفار وبالعمل الصالح ليمحو السيئة بالحسنة؛ وكلنا نفعل السيئات أحيانا..
 
من يرغب في اختيار العزة رفيقًا وهاديًا لن يضع نفسه بمنزلة تنتقص منه، ولن يتذلل لبشر ولن ينافق أو يلجأ لطرق غير مشروعة للحصول على ما يريد؛ "وسيزرع" الصبر داخله ويستعين بالله ولا يعجز ويثابر ليفوز بأفضل ما يمكنه وسيحمي نفسه بمشيئة الرحمن من أخطاء وخطايا كثيرة، ومن يرضى لنفسه بمخاصمة عزة المؤمن سيرتكب الكثير من الخطايا "وسيبررها" بأن غيره يفعلها ولو "أعز" نفسه لما فعل ذلك ولما قال ذلك، فنتحداه لو أكل الجميع طعامًا مسمومًا أن يتناول القليل منه.
 
من يرغب في الذلة ويخاصم العزة طمعًا في الدنيا؛ فليحذر وليتدبر الحديث الشريف: "من أعطى الذلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس منا".
 
لا تعني العزة بالطبع التكبر على الخلق؛ فالتكبر مذموم دينيًا ودنيويًا، وكذلك تذلل البعض لذوي المناصب العليا أو لأصحاب الأموال طلبًا للعزة وعليهم المسارعة بالاستغفار وتذكر الآية الكريمة: "أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا".

لن نصبح ملائكة فسنخطئ حتمًا؛ ولكن من تنبه لأهمية الاستغفار وتذكره وسارع إليه؛ حفظ نفسه ومنع تراكم الذنوب حتى لا يصعب عليه محوها ولنتدبر الآية الكريمة: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ"..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: