حب الوطن واجب يقره الشرع ويفرضه الواقع.. وارتباط الإنسان بوطنه وبلده غريزة متأصلة فى النفس.. فهو مسقط الرأس ومستقر الحياة ومكان العبادة.. ومن خيراته يعيش ومن مائه يرتوى وكرامته من كرامة وطنه.. لذا وجب علينا حماية وطننا والدفاع عنه.. والعمل على تقدمه فى كل المجالات.. من ثمة كانت رسالة علمائنا الأجلاء عبر سطور تحقيقنا لكل قرائنا بالدعوة لتربية الأبناء على استشعار ما للوطن من أفضال سابقة ولاحقة عليهم بعد فضل الله ورد الجميل له.. وأنه على مسلم اظهار حبه لوطنه بالالتزام بالقوانين والأنظمة.. والمحافظة والحرص على سلامة ممتلكاته.. مشددين أن نكون جميعا يدا واحدة على كل مجرم أثيم يريد زعزعة أمننا واستقرارنا.. عابثا بمنجزاتنا.. ناشرا للفوضى فى مجتمعنا.. التفاصيل فى السطور التالية.
موضوعات مقترحة
يقول الدكتور محمد إبراهيم دكتوراه فى الفقه والقانون جامعة الازهر: ان البشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة فى النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص، وقد اقترن حب الأرض فى القرآن الكريم بحب النفس قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ»، واقترن فى موضع آخر بالدين: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، وهذا الحب يجب ألاَّ يظل حبيسا فى الصدور، ونحصره فى الشعارات والهتافات، وإنما ينبغى أن يترجم إلى واقع ملموس، وأفعال حقيقية تعبر عن صدق الانتماء، وتسهم فعليا فى إعلاء مصلحته العليا ونهضته والعمل على رفعته.
وحول الحفاظ على الأوطان يقول فضيلته: علينا المحافظة على أمن هذا الوطن ووحدته وتماسكه، وحماية مصالحه ومكتسباته، وأن نكون جميعاً جنوداً مخلصين لهذا الوطن، وأعيناً ساهرة لحماية أمنه، وتحقيق طمأنينته واستقراره، وأن نتنبه لحيل المتربصين به والكائدين له، وأن نقطع الطريق على كل الجهلة والمجرمين داخل مجتمعنا وخارجه من الأفراد والجماعات التى تعمل بسبب جهلها أو إجرامها على زعزعة الأمن والاستقرار، وإثارة الفتن الداخلية، وضرب الوحدة الوطنية القائمة على العدل وإعطاء كل ذى حق حقه، والشعور بالمسؤولية وعظم الأمانة التى يتحملها كل فرد من أفراد المجتمع، فكل محاسب عن عمله، ومسؤول عن إصلاح نفسه ومن تحت يده، وكل فرد فى هذا الوطن له قيمته وقدره، وهو لبنة من لبنات بنائه يؤثر فيه سلباً أو إيجاباً، فيجب أن يدرك واجبه تجاه دينه ووطنه، وأن نجاحه وإبداعه فى عمله وكسبه يصب فى مصلحة وطنه ويقويه، وأن فشله يضعفه ويشقيه.
على كل مواطن تأهيل قدراته
ويستطرد دكتور ابراهيم قائلا لابد أن يجتهد كل مواطن فى تأهيل قدراته، فكل ميسر لما خلق له، وكل مواطن على ثغر من ثغور هذا الوطن، فالله الله أن يؤتى الوطن من قبله، والمشاركة فى إصلاح المجتمع وتزكيته والرقى به، وتنقيته من الأمراض والآفات التى تفسده وتضعفه، والمساهمة الفاعلة فى صناعة التطور الحضاري، ودعم البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تحقق نقلة حضارية للوطن، والحفاظ على الأوطان يتطلب إعلاء المصلحة العامة للوطن، بعيدا عن كل صور الفردية والأنانية والسلبية.
وهذا يحتم على الإنسان الواعى أن يحافظ على تلك القيمة، ويعمل جاهدا على حمايتها، والدفاع عنها، ويبذل كل غال ورخيص كى يرفع شأنها، إذ تحمل فى جنباتها ميراث آل بيت رسول الله، ولذا نوهت السنة المشرفة بفضلها فعن أبى ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنكم ستفتحون مصر وهى أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما» أو قال «ذمة وصهرا»، وفى سبيل المحافظة على أمن الأوطان حرم نبينا صلى الله عليه وسلم الاحتكار والغش، والاستغلال فى التجارة والمعاملات الاقتصادية التى فيها أكل لأموال الناس بالباطل فعن عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله يقول: «من احتكر على المسلمين طعامهم، ضربه الله بالجذام والإفلاس»، وفرض التكافل المجتمعي، وتقديم يد العون والمساعدة للجميع، وهذا يستلزم التكاتف والتعاون من كافة أطياف المجتمع.
حب الوطن فى الإسلام
وعن مفهوم حب الوطن فى الإسلام يقول الشيخ ابراهيم مراسى من علماء الأوقاف: هو محبة الفرد لوطنه وبلده، وتقوية الرابطة بين أبناء الوطن الواحد، وقيامه بحقوق وطنه المشروعة فى الإسلام، ووفاؤه بها، وحب الوطن فى الإسلام لا يعنى العصبية، التى يُراد بها تقسيم الأمة إلى طوائف متناحرة، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، وفى الحديث:(مَن قُتل تحت راية عُمِّيَّة، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلتُه جاهليةٌ)، وحب الوطن فى الإسلام لا يعنى اتِّباع القوم أنَّى ساروا، ونصرهم على كل حال؛ بل يعني: العدل والإنصاف.. وحب الوطن فى الإسلام لا يعنى الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلوما، ولا نغيث ملهوفا، ولا نعين مكروبا، ما دام أنه ليس فى حدود الوطن، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: (مَثَلُ المؤمنين فى تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
المواطنة حقوق وواجبات
وعن المواطنة حقوق وواجبات يقول الدكتور خالد بدوى من علماء الأزهر والأوقاف: إن المواطنة بمفهومها الحقيقى تقتضى أن هناك حقوقاً وواجباتٍ بين المواطن ووطنه ؛ مجموعة من الحقوق للمواطن الذى يعيش على أرض الوطن تتمثل فى الحرية والكرامة والمساواة والعدل والتعليم والرعاية وغير ذلك من الحقوق التى يشترك فيها جميع المواطنين الذين يعيشون على أرض الوطن على اختلاف عقائدهم وديانتهم وثقافتهم، وفى مقابل هذه الحقوق على المواطن واجبات عديدة تجاه وطنه من أهمها تربية الأبناء على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقة ولاحقة عليه -بعد فضل الله سبحانه وتعالى- منذ نعومة أظفاره، ومن ثم تربيته على رد الجميل، ومجازاة الإحسان بالإحسان؛ لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامى الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما فى قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ}، والحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن فى أى مكانٍ منه؛ لإيجاد جوٍ من التآلف والتآخى والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون فى مجموعهم جسداً واحداً مُتماسكاً فى مواجهة الظروف المختلفة، وكذلك غرس حب الانتماء الإيجابى للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية فى المجتمع كالبيت، والمدرسة، والمسجد، والنادي، ومكان العمل، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءة أو مسموعة أو مرئية.
والمسلم الحقيقى يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّا أشد ما يكون الحب له، مستعدا للتضحية دائما فى سبيله بنفسه ونفيسه، ورخيصه وغاليه، فحبه لوطنه حب طبيعى مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقى إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة؛ فيا له من حب!
كيف تبنى الأوطان؟
وتحت هذا العنوان يحدثنا الشيخ حسن أبو سيف الأزهرى من علماء الأوقاف: الأوطان تبنى بحسن الإدارة وحسن استثمار الموارد فى جميع مؤسسات الدولة، والأوطان تبنى من خلال تبنى ثقافة «عمارة الأرض» كما أمرنا الخالق جل وعلا، وتبنى من خلال الجد والاجتهاد وتبنى ثقافة الإتقان، وتبنى بالإخلاص بالنية والقول والعمل وتلازمهما، وتبنى بالعلم والمعرفة فاستخدام الأساليب البدائية تؤدى إلى نتائج بدائية، وتبنى فى تبنى ثقافة الكل يربح وليس مبدأ أنا اربح وأنت تخسر ولا مبدأ أنت تربح وأنا اخسر ولا مبدأ أنا اخسر وأنت تخسر، وتبنى من خلال المصارحة والصدق فمن أحسن يقال له أحسنت ومن أخطأ يقال له أخطأت، وتبنى فى تبنى مبدأ العدل والعدالة فلا يعاقب فلان لأنه فلان وفلان لا يعاقب لأنه فلان، وتبنى من خلال وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب ليس بالمزاجات والولاءات، وتبنى من خلال قبول مبدأ التنوع فالاختلاف بالرؤى لا يفسد للود قضية، وتبنى بحب الايثار للغير وليس كلمه «أنا»، وتبنى من خلال تبنى ثقافة تكافؤ الفرص فى المال والأعمال والوظائف والتعليم والتطبيب وكافه مناشط الحياة،كما تبنى من خلال الجمع بين الأصالة والتحديث مع احترام ثوابت الأمة ومعتقداتها.
مؤكدا: ولا تبنى الأوطان على الفساد المالى والإدارى والأكاذيب والعوز النفسى والتحطيم المادى والمعنوى للانسان، وكل ما يؤدى الى التشاحن والبغضاء والتحريض والإقصاء والتهميش لبعض مكونات المجتمع، ولا نستطيع أن نبنى وطنا بعيدا عن منهج الله.
فطرة الإنسان السليمة
ويوضح الدكتور عبد الله كامل رئيس بحوث متفرغ بجامعة الأزهر الشريف: ان مقر الانسان إقامته، ومرجعية حياته، وماضيه السعيد وحاضره المبارك، ومستقبله المؤمل بالخير والبركة، والمحفوف بالهناء والسعادة، هو الحفاظ على الوطن لشخصية الإنسان، ورعاية لحاله وآماله وتحقيق لأحلامه وطموحاته ونور لمستقبله وإشراق للغد والمستقبل، والوطن للمسلم حاضر سعيد ونور متجدد يدفعه لخوض المشاكل والتغلب على صعوبات الحياة والاستفادة من تراكمات الماضى سواء كانت سعيدة أو ملتبسة بالمشاكل والاوجاع، حيث يتخذ المسلم الصادق من الحاضر زادا للمستقبل وأملا للغد فيتجاوز صعاب الماضى والحاضر، وينطلق الى آفاق الغد والمستقبل متسلحا بالخبرات الطيبة والصفات الحميدة.
وايضاً من الضرورى شعور الفرد بأفضال الوطن عليه، وتربيته على واجب ردّها من باب مقابلة الإحسان بالإحسان، وذلك من تعاليم الإسلام، حيث قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).