"قتل وفصل الرأس عن الجسد" .. "تمثيل بالجثث" .. وغيرها من الجرائم البشعة التي لم يعتد عليها المجتمع كانت هي وقائع الجرائم التي شهدها في الفترة الأخيرة، وتصدرت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية، التي أصبحت تتسابق في نشر فيديوهات العنف والقتل بحثا عن اللحاق بـ"الترند"، وكانت أحدث هذه الفيديوهات، فيديو ذبح طالبة المنصورة الأخيرة "نيرة أشرف"، التي ذبحها زميلها أمام باب الجامعة لرفضها الزواج به.
موضوعات مقترحة
فيديو طعن ونحر الطالبة "نيرة أشرف" انتشر في الساعات الأولى من وقوع الحادث دون أي مراعاة للمشاعر الإنسانية لأهل الضحية، أو التعامل بأخلاقيات نشر الجرائم، فخلال لحظات أصبح الفيديو الدموي "ترند" بسبب فضول الرؤية التي سيطر على عقول الكثيرين، الأمر الذي دق ناقوس الخطر لما تسببه مثل هذه الفيديوهات من تأثير سلبي على المجتمعات، ومساعدتها في نشر الجرائم بشكل متشابه، فبعد يومين فقط من ذبح طالبة المنصورة، تكررت الجريمة بنفس الطريقة في الأردن كأنه فيلم رعب تتم إعادة بثه مرة أخرى.
"الأعلى للإعلام" وضع ضوابط أخلاقية لمنصات البث التليفزيوني
ويعكف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، على وضع ضوابط أخلاقية وقانونية للمحتوى الموجود على منصات البث التليفزيوني عبر الإنترنت، وأكد كرم جبر رئيس المجلس، خلال جلسة حوارية الأحد بعنوان "مكافحة مواقع العنف وإثارة الفتن"، أن المحتوى الذي يروج للعنف غير مقبول قانونيا ومجتمعيا، وأن المجلس يسعى لتحقيق التوازن بين الانفتاح على الثقافات الأخرى وقيم وأخلاق وقوانين المجتمع المصري.
وشدد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على ضرورة التوقف عن بث الفيديوهات التي تتداول مشاهد القتل والعنف وإراقة الدماء، خصوصًا ما يتم تداوله بشأن حادث «نيرة» فتاة المنصورة التي راحت ضحية جريمة وحشية، وأكد المجلس أنه سيبادر بإخطار النائب العام ضد الانتهاكات القانونية والإنسانية في هذا المجال.
التأثير النفسي لمشاهدة فيديوهات القتل
يتسبب نشر فيديوهات القتل والعنف بما تضمنه من مناظر دموية ومأسوية، إلى تأجيج العنف وهز القيم الموروثة في المجتمع، بحسب الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، الذي أكد أن ما نشاهده هذه الفترة يغير من تشكيل المواطن المصري ويستبدله لشخص مليء بالمشاعر السادية المفرطة، وتجعله متبلد المشاعر والأحاسيس لأنه سيعتاد على رؤية مثل هذه المناظر والبعض سيطبقها أيضا لتتكرر الجرائم بنفس الشكل مرة أخرى.
طمس الهوية المصرية
كما يؤكد استشاري الصحة النفسية، أن مشاهدة هذه الفيديوهات ستتسبب في توليد المزيد من العنف نظرا لكونها تجعل مشاهدة العنف أمرا اعتياديا، وبالتالي يمارسه الشخص بشكل إرادي نتيجة مشاهدته لهذه الفيديوهات، ما يسبب في نشر القيم السلبية بين المواطنين وتحول المجتمع لمجتمع أسوأ، وعلى المدى البعيد يحدث طمس للهوية المصرية.
وشدد على ضرورة منع نشر الفيديوهات الدموية نهائيا ووضع رقابة صارمة على الفيديوهات التي تنشر على المواقع، للحفاظ على وجدان الإنسان ومنع تحول المجتمع لمجتمع متبلد المشاعر معتاد على رؤية الدماء والعنف.
خطورة مشاهدة المناظر الدموية على الصحة النفسية
ومكوث هذه المشاهد في الذاكرة خطير على الصحة النفسية للإنسان الطبيعي، فهي قد تدفعه للشعور بالاكتئاب والحزن، وتصيبه بنوبات من القلق النفسي، وفوبيا التعامل مع الآخرين، وتؤثر سلبا على علاقاته الاجتماعية لشعوره بألم نفسي غير مبرر من وجهة نظره، رغم مرور الأيام على رؤيته لمثل هذه المشاهد الدامية.
السوشيال ميديا السبب الرئيسي لتكرار الجرائم
السبب الرئيسي في تكرار الحوادث هو انتشارها بشكل غير طبيعي على السوشيال ميديا، فتؤكد الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع، أن الأمر أصبح طبيعي وتقليدي عند البعض وقد يقوم الشخص بارتكاب نفس الجريمة التي شاهدها على مواقع التواصل أو المواقع الاخبارية، حال مروره بنفس الأزمات التي مر بها الشخص الذي قام بارتكاب الجريمة، كما رأينا الحادثة التي حدثت في الأردن هي نفس ما حدث للطالبة نيرة أشرف.
تأجيج العنف في المجتمع
فعلى الرقم من أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها تعد واحدة من الأسباب الرئيسية في انتشار العنف والقتل، لأنها المسئولة عن ترويج هذه الحوادث وانتشارها بسرعة فائقة في المجتمع، فلا يكاد يمر ساعة واحدة من ارتكاب الجريمة إلا ونجد الملايين شاهدوها وحكموا عليها قبل معرفة الأسباب التي أدت لها، لأننا نعيش في مجتمع فضولي والكل يتدخل في شئون غيره.
كما أن السوشيال ميديا تقوم فقط بعرض المشكلة والجريمة ولكن لا تعرض العقاب الناتج عن الجريمة، ما يؤدي إلى تكرار الجريمة لأن العقاب لم يروج على المواقع بنفس الطريقة التي روجت بها الجريمة، وهذا بجانب وجود المخدرات وضعف الوازع الديني، والأمراض النفسية المنتشرة والتفكك الأسري، ولكن لابد أولا من منع تداول الفيديوهات الدموية وجرائم القتل حتى لا تسود في المجتمع.
دور الإعلام في مواجهة العنف
ومن الناحية الإعلامية، يؤكد الدكتور ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي، أن الإعلام يعكس المجتمع بدقة وموضوعية، ويتجنب الأخبار المضللة في التحريض على الكراهية والطعن في الأعراض.
ويوضح أن عملية نشر فيديوهات الجريمة لابد أن تخضع لآليات ومعايير خاصة، فيجب أن تنشر تلك الفيديوهات لمراعاة حق الجمهور في معرفة ما حدث، للقدرة على التحليل، وتكوين الرأي المناسب لها، وأيضًا لمساءلة الحكومة عن أدائها واحتمالات تقصيرها في إنقاذهم، بالإضافة إلى حق وسيلة الإعلام في الحفاظ على قدرتها التنافسية، في وقت تقوم فيه وسائط أخرى عديدة بنشر كل الصور والأفلام.
حيث إنه إذا لم تقم وسيلة الإعلام بنشر الفيديو فتستطيع أن تراها من خلال منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى دور الإعلام في توثيق الوقائع من خلال الفيديو والصور، ولكن مع مراعاة حق الجمهور في أن تتوافر له الحماية من مشاهدة المناظر المؤذية والجارحة للمشاعر ومراعاة حق ذوى ضحايا العمليات الإرهابية، وتلك الممارسات الحادة، وذلك من خلال التظليل على مشاهد التعذيب والجروح القاسية.
عقوبة نشر فيديوهات جرائم القتل
وتصدى قانون الإنترنت الجديد لجرائم الاعتداء على الحياة الخاصة أو إنشاء موقع على الإنترنت بقصد تسهيل ارتكاب الجريمة، أو نشر فيديوهات تعد في نشرها تكدير السلم الاجتماعي، حيث تصل عقوبة ناشر الفيديو إلى 3 سنوات وغرامة 300 ألف جنيه، بحسب المحامي محمد حامد.