أكدت د. داليا داود، المستشارة العلمية بالمعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة NICE بالمملكة المتحدة، أنه حان الوقت لإعادة تقييم اقتصاديات وسائل التشخيص والعلاج لوباء كوفيد-19.
موضوعات مقترحة
أشارت إلى أن الدراسة التي نشرتها مؤخرًا مع الفريق البحثي بالمعهد تعد من أولى المراجعات المنهجية لرصد وتقييم نتائج الدراسات التي أجريت في هذا السياق والتي مازالت قليلة ومرتبطة بسياسات العلاج في الولايات المتحدة وأوروبا مع غياب الدراسات المشابهة بالدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
وإلى نص الحوار:
في البداية أرجو أن تشرحي لنا معنى مصطلح تقييم التكنولوجيا الصحية؟
هناك 4 مراحل قبل طرح الدواء: الأولى إثبات جودة المنتج من الناحية الصناعية. ثانيا إثبات فاعلية وأمان العلاج وفق نتائج الاختبارات السريرية ثالثا تسجيل الدواء ثم أخيرا تقييم الجدوى الاقتصادية والتسعير وأهمية إتاحته وفقا لتقييم التكنولوجيا الصحية. وبشكل عام يساعد تقييم التكنولوجيا الصحية متخذ القرار والمسؤولين في برامج التأمين الصحي على تقدير نسبة الاستفادة من الدواء وجدواه مقارنة بالعلاجات المثيلة، والبدائل التي يتم اللجوء لها كخط علاجي آخر لمن لم يستجيبوا للعلاج الأول.
عادة يختلف تقييم التكنولوجيا الصحية من دولة لأخرى وفقا لدور هيئة التأمين الصحي وشركات التأمين الخاصة والمواطن في الحصول على العلاج. ففي بريطانيا على سبيل المثال فإن هذا التقييم استشاري وملزم في كثير من الأحيان للحكومة البريطانية. أما في الولايات المتحدة فإن تقييم التكنولوجيا الصحية ليس أمرا ملزما. وفي مصر هناك توجه جديد لتبني هذا المفهوم حيث تم إنشاء وحدة للجدوى الاقتصادية للأدوية بهيئة الدواء. وحاليا هناك تعاون بين المعهد الوطني البريطاني للصحة وهيئة الشراء الموحد بمصر من أجل تطبيق تقييم التكنولوجيا الصحية على نطاق واسع.
نشرت لك مؤخرا دراسة مرجعية عن اقتصاديات العلاج لكوفيد-19 فما الذي توصلتم له؟
الدراسة التي صدرت هي مراجعة منهجية لكافة الدراسات الاقتصادية الحديثة لوسائل التشخيص وعلاجات كوفيد-19. ونهدف من هذا البحث إلى وضع القواعد الاسترشادية لسياسات التشخيص والعلاج لكوفيد-19 وهو أمر بالغ الأهمية خاصة في ظل استنزاف الوباء لكافة موارد الدول وميزانيات التأمين الصحي. الدراسات التي تم تضمينها في المراجعة المنهجية شملت 3 دراسات من الولايات المتحدة و3 من المملكة المتحدة ودراسة من جنوب إفريقيا. هذه الدراسات كانت محدودة جدا لذا حرصنا على تحديث المراجعة المنهجية كل 6 أشهر لمدة عامين لتقييم كل الدراسات جديدة عن التقديرات الاقتصادية المقارنة للكشف وعلاج مرضى كورونا. ويجب الإشارة إلى أننا استبعدنا 3533 دراسة وركزنا على 7 دراسات فقط استوفت الشروط التي وضعناها وهي أن تشمل تقييما مقارنا بين التكلفة والعائد الصحي بين الأدوية أو الاختبارات الخاصة لكوفيد-19 أما الدراسات التي تم استبعادها فهي لأسباب عديدة منها أن تكون العينة تعاني من إصابات أخري غير كورونا، أو أن تكون الدراسة عن التقديرات الاقتصادية للقاحات أو لا تشمل الدراسة تقديرات اقتصادية مقارنة أو تفتقد لمنهجية البحث أو مجرد مقالة رأي.
ما هي أهم نتائج الدراسة؟
حتى تكون للعلاج قيمة اقتصادية فمن الضروري أن يكون له تأثير على معدلات التعافي من المرض ويقلل من نسب الوفيات. وجدنا أن دواء ديكساميثازون نظرا لسهولة إتاحته وانخفاض سعره وكفاءته أنه من الأدوية ذات القيمة الاقتصادية. على الجانب الآخر، وجدنا تضارب في نتائج الدراسات السريرية حول متى يمنح المريض دواء رمديسفير، ووفقا لتوصيات المعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة ببريطانيا فإن رمديسفير من الأدوية التي تم إدراجها ضمن المجموعات بدرجة توصية ضعيفة كعلاج للكوفيد. وتبين من الدراسات وتوصيات الهيئات الصحية الدولية أنه يمنح للمرضى الذين يعانون من انخفاض الأكسجين في الدم وفي حاجة لجلسات التنفس الصناعي والإشراف الطبي بالمستشفى. وبشكل عام فإن توصيات الدراسة متماشية مع التوصيات الدولية.
كيف يمكن تقييم الجدوى الاقتصادية بين أدوية كوفيد-19 خاصة وأن كفاءتها متغيرة حسب الطفرات الوراثية للفيروس؟
هذا الأمر حقيقي لذلك في بعض الحالات نقوم بوضع تقدير افتراضي لمدى تأثير التحور على فاعلية الدواء وبالتالي قيمته الاقتصادية في المستقبل وتقدير الحد الأدنى للفاعلية المطلوبة للحفاظ على القيمة الاقتصادية والاستمرار في استخدامه.
لماذا لم تشملوا الدراسات المقارنة بين اللقاحات؟
لم يكن ذلك من الأهداف الرئيسية للدراسة ومن الممكن إجراء تلك الدراسة في المستقبل القريب.
من المنتجات التي يتم استهلاكها من قبل لمرضى كوفيد-19 بكثافة الفيتامينات والمكملات الغذائية والمعادن؟
وفقا للقواعد الاسترشادية لـ NICE فإنه لا يوجد دليل علمي على جدواها لمرضى كوفيد ونحن نوصى بعدم استخدامها. وربما من الضروري إجراء دراسة عن الهدر وعشوائية استهلاك الفيتامينات خاصة للحالات التي تعالج بالمنزل.
كيف تفسرين قلة دراسات الجدوى الاقتصادية لعلاجات كوفيد-19 رغم مرور أكثر من عامين على ظهور وانتشار الوباء؟
هناك مشكلتان مرتبطتان بقلة الدراسات الاقتصادية في هذا المجال أولا ضيق المدة الزمنية لإجراء التجارب السريرية على الأدوية والبروتوكولات العلاجية ومقارنة الدراسات بين الدول المختلفة إضافة إلى طرح أدوية حديثة تحتاج لوقت أطول للدراسة والتقييم قبل الانتقال إلى تقييم الجدوى الاقتصادية. ثانيا، مع استمرار الجائحة فإن التساؤل المطروح الآن بين العلماء والمسؤولين عن السياسات الصحية هو هل من المجدي المقارنة بين الأدوية وتقييمها اقتصاديا أم توفير كل ما هو متاح، خاصة أن الأولوية هي إنقاذ الأرواح أيا كانت الخسائر المادية. أضف إلى ذلك أن التركيز الأكبر خلال المرحلة الماضية بخلاف إنتاج اللقاحات كان ابتكار علاجات دوائية فعالة. على الجانب الآخر يجب الإشارة إلى أن هيئات التأمين الصحي بدول العالم تعاني من استنزاف ميزانياتها بسبب الوباء، ومع اعتماد العلاجات الدوائية الحديثة مثل الأجسام المضادة أحادية النسيلة ومضادات الفيروسات فإنه من المجدي إجراء تلك الدراسات لتقدير أي الأدوية من الأجدى شرائها أو تصنيعها محليا وفقا للظروف الصحية والاقتصادية للدولة.
ختاما، ما هي أهم توصيات الدراسة؟
هناك احتياج للمزيد من الدراسات حول الجدوى الاقتصادية لعلاجات كورونا خاصة في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض حتى تتمكن تلك الدول من تحديد أولوياتها من شراء وإتاحة الأدوية ووسائل التشخيص. وللتأكيد فإنه لا يمكن تعميم وتوحيد العلاج ووسائل التشخيص عالميا فتلك السياسات الصحية تختلف من دولة لأخرى. كما من الضروري الإشارة إلى أن الفحص المبكر وسرعة الحصول على نتائج الاختبارات تساعد على بدء برامج العلاج والتعامل من المرض.
من هي د. داليا داود
مستشارة علمية بالمعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة NICE وهي هيئة استشارية للحكومة البريطانية وإدارة الصحة حيث تصدر الخطوط الاسترشادية للعلاج وتقييم التكنولوجيا الصحية HTA لوسائل التشخيص والعلاج والأجهزة والتطبيقات الصحية بناء على حجم الاستفادة منها والجدوى الاقتصادية لإتاحتها عبر نظام التأمين الصحي وفقا لعدة معطيات منها أهمية العلاج مقارنة بما هو متاح والسعر وعدد المرضى الذين يحتاجون هذا العلاج. حصلت د. داليا على الدكتوراه من كينجز كولدج لندن عام 2007، وهي أستاذ مساعد بكلية الصيدلة جامعة القاهرة بجانب عملها في بريطانيا. كما أنها المحرر المساعد لدورية Value in Health