أزياء وجغرافيا الفيوم القديمة.. «حسن ونعيمة» قصة الملحمة العاطفية الأشهر في تاريخ السينما

25-6-2022 | 14:06
أزياء وجغرافيا الفيوم القديمة ;حسن ونعيمة; قصة الملحمة العاطفية الأشهر في تاريخ السينمافيلم حسن ونعيمة
محمود الدسوقي

يظل فيلم حسن نعيمة بطولة محرم فؤاد ، وسعاد حسني ، ذاكرة بصرية ، وكذلك تاريخية ، فالفيلم الذى تم انتاجه عام 1959م ، وتم تصوير مشاهده الخارجية فى الفيوم ، ذاكرة تاريخية أيضا تروي حكاية الملابس الشعبية وكذلك تروي جغرافية الفيوم القديمة ، ومشهد قطارها القديم الذى كان يتنقل به المغنواتى حسن بطل القصة الشهيرة والتى احتضنتها الذاكرة المصرية. 

وقصة الفيلم قصة حقيقية كتبها الشاعر الكبير عبدالرحمن الخميسي،  حيث قدم لها وجها  جديدا ليلعب بطولة هذا الفيلم وهى سعاد حسني  مع الوجه الجديد آنذاك محرم فؤاد ، والفيلم من إنتاج أفلام الفنان محمد عبدالوهاب ، وإخراج هنري بركات   وقصة الفيلم مأخوذة عن واقعة حقيقية لأحد المطربين الشعبيين الذي قتل بسبب حبه لفتاة في قرية مجاورة لقريته، وألقيت جثته في الترعة لتطفو وتنكشف الجريمة التي هزت أركان الدلتا والتى كانت موطن قصة الحب .

بجانب الطاقية البيضاء ، والكولة المزركشة التى كان يرتديها حسن محرم فؤاد ، والطواقي الصوف التى كان يرتديها أبطال الفيلم ، حوى الفيلم أزياء النساء الريفيات وشكلها ، كما حوي الاحتفاء بالثوب الجديد ، فأبن صبيحة الدور الذى أداه الفنان البارع محمد توفيق كان فرحا وهو يشتري ثوبا جديدا ، وهو يتجول فرحا مع كلبه الذى كان يقدم له القبلات لعل حبيبته تبادله الحب دون جدوي ، وقد قام بتصميم الملابس للفيلم كمال مرعي أقدم مصمم أزياء فى السينما والدراما فى مصر  وقد بدأ مرعي فى تصميم ملابس حسن ونعيمة عام 1958م ، وقد كان عمره آنذاك 13 سنة ، حسب تصريحاته ولقاءاته مع القنوات الفضائية المصرية 

ارتدى المصريون وخاصة الطبقات الفقيرة الزنط منذ العصر المملوكي وهى عبارة عن  قلنسوة حمراء، لها خصلات؛ أى شراريب طويلة مسدلة بطول الإصبع، وملفوف من حولها شال؛  ويؤكد سعد الخادم فى دراسته الأزياء الشعبية أن المصطلح الفنى للزنط له مدلولات عديدة ففي بعض المحافظات يدل على غطاء الرأس للأطفال ينسدل من الخلف على الأكتاف أو مادونها ، كما يحجب الأذنين من جانبي الوجه فهو أشبه بجراب يوضع فيه الرأس وقد يتفاوت فى الطول كما فى أغطية الرأس الملحقة بالبرانس وقد يكون الزنط نوع من الجلاليب الشعبية ، وفى الفيلم حوي الكثير من أشكال أغطية الرأس والطواقي كما حوي أشكال متنوعة من الجلاليب سواء المفتوحة المطرزة أو المغلقة بزارير والتى كان يرتديها محرم فؤاد وهو يغنى أغنيته الشهيرة رمش عينه ، أو الشال المطرز التى كانت تضعه سعاد حسنى على أكتافها.

أظهر الفيلم العباية التى كان يرتديها والد نعيمة كنوع من الوجاهة الاجتماعية ، والعمامة القطنية الملفوفة على طاقية  الرأس سواء فى بعض الشخصيات التى كانت تظهر الوجاهة الاجتماعية ، كما أظهرت الأزياء التى كانت ترتديها النساء وبعض الحلى التى توضع على الرقبة ، ويقول  طنطاوي جوهري فى كتابه المنشور عام 1908م إن هناك  تشابه أسماء الثياب العربية والعامية فى مصر حيث قال " ثوب هلاهل ومهللة ، وثوب هفهاف ، ومضلع ، وشباري ، ومشبرق ، والقصب ، وثوب بشوكة يعنى جديد ، وثوب مخطط ، مسير ، ومسهم ، ومنمق ، ومنفوش ، ومبرقش ، وحبرة ، وحبر ، وخيش ، وفوطة ، وفوط ، ونخ ونخاخ ، وبساط وبسط ، وشملة ، وبردة ، وغدقة ، ولحاف ، وقطفة ، وعبعب ، وعباءة ، وعباية ، وقميص وقمصان ، والجيب وجمعه جيوب ، والقب وهو مايدخل الجيب من الرقاع ، وزر وزرته وأزرته ، والكم ، والكردان ، والأكمام ، ألخ ويؤكد سعد الخادم أن الأزياء واسعة فى المسميات وقد يطلق الثوب على اسم مدينة مضيفا أن على مدار التاريخ لبست النساء أثواب متعددة الألوان ومتعددة فى التطريز.

تم التصوير الداخلي بالكامل لفيلم حسن ونعيمة  في استوديو ناصيبيان  وهو تأسس سنة 1937م على يد  المصور الفوتوغرافي  الأرمني هرانت ناصيبيان وكان يضمّ معمل لتحميض وطباعة الأفلام وقاعات لتسجيل الصوت والمونتاج و"بلاتوه" تقام فيه الديكورات لتصوير المناظر الداخلية. لم يكن في القاهرة قبله سوى "ستوديو مصر" اللى أنشأه بنك مصر سنة 1935م أما المشاهد الداخلية التى أظهرت عالم الريف المصري فقد كانت فى الفيوم حيث مشاهد من قطار الفيوم العتيق ويقول اللواء عبدالمنصف محمود باشا فى كتابه على ضفاف بحيرة قارون إن السكك الحديدية أنشأت فى الفيوم فى عهد الخديوى إسماعيل سنة 1867م حيث تم إنشاء خط يمتد من بولاق الدكرور حتى الروضة وكان من المقرر أن يمتد للفيوم ولكن لم يحدث ذلك إلا فى عام 1869م 
وتم مد الخط من مدينة أبوكساه من أملاك الخديوية التى تبعد عن بحيرة قارون بحوالي 8 كيلو متر وتم منح امتياز لشركة سكة حديد الفيوم لإنشاء  خطوط داخلية ، وعام 1912م تم إنشاء خط يبدأ من بنى سويف وينتهي عند اللاهون، حيث يسير نحو بحر يوسف فى الفيوم.

 ويضيف عبدالمنصف محمود باشا إن الطريق الصحراوي المتجه للفيوم والذى تسلكه السيارات تم إنشاءه فى شهر يونيه عام 1931م بالإضافة لطريق الجيزة الموازى لنهر النيل.

الجدير أن قصور الثقافة قدمت فى عدد من المحافظات طقوس العودة وهى عروض مسرحية من  المنودراما، والذي يدور حول الملحمة الشعبية حسن ونعيمة، ففي العرض تتحدث نعيمة عن قصة حبها لحسن وكيف نشأت هذه القصة والتي كان لها تأثير كبير على أهل قريتها، وأهلها بالأخص، وأيضًا يتحدث العرض عن المؤامرة والمكيدة التي دبرها والد نعيمة وأخيها لاستقطاب حسن وقطع رأسه حتى يتخلصوا منه. وقد تناول العرض الحديث فى  طقوس العودة والذي شارك فيه الفنان أحمد الحجار ، قيام نعيمة بانتشال رأس حبيبها حسن من بين الزراعات واحتفظت بها وبين الحين والأخر تخرجها لتتحدث إليها وتتذكر الأيام الخوالي بينهم ولحظاتهم الرومانسية.

وتخلل العرض صوت الفنان الراحل أحمد الحجار الذي يشدوا ببعض المواويل والأغاني الخاصة بالعرض ، إلى أن تقرر نعيمة دفن رأس حسن بعد سنوات من الاحتفاظ بها وينتهي العرض. وتم عرض المسرحية التى استلهمت القصة الشهيرة لمواويل حسن ونعيمة  لمدة ٥ أيام، وسط حفاوة بالمسرحية واستلهام التراث من قبل الجمهور.

كلمات البحث