Close ad
25-6-2022 | 13:04

عبدالسلام فاروق يكتب:

 في الغرب.. كل يوم تقوم مظاهرات تعترض على كل شيء.. لأن الاعتراض ظاهرة صحية تريح الصدور نوعًا.. ومن المعتاد أن تسمع شخصًا يقول: إن الحياة ليست وردية.. وكلامه لذيذ ومقنع.. فتصدقه، ثم تردد هذا الكلام على أنه رأيك الشخصي.
 وليس كل المعترضين يريدون للدنيا أن تغدو وردية جميلة.. فالبعض يحب أن يملأ الدنيا صراخًا ليسمعه الناس ويرونه ويسلطون عليه الأضواء.. أو أنه يختفي خلف لائحة اعتراض كبيرة لكيلا يراه الناس وهو نائم عاطل لا يعمل.. كالتلميذ الذي يقول: إن التعليم سيء، والمدرسة مملة، لكيلا يحاسبه أحد على فشله وإهماله وكسله.
 نحن أيضًا نعترض مثل الغرب.. ونرفع لافتات، ونقوم بمظاهرات.. لكن الفارق كبير.. فهم يعترضون ويعملون، ونحن نعترض حتى لا نعمل!
 وتعليم اليوم مفعم بالمعايب والمساوئ.. والتعليم بالأمس أكثر سوءًا وعيبًا.. والفارق الحقيقي في طالب الأمس الجاد.
 المعنى الوحيد الذي يجب أن يخرج به الطالب اليوم أمام حقيقة: "أن مستوى التعليم في دول العالم الثالث سيئ جدًا".. هو أن عليه مسئولية ثقيلة، وعبء أكبر ليكون مثل طالب العالم المتقدم أو أفضل.
 والظروف الصعبة في التعليم يجب أن تفرز قيمة رائعة اسمها (التحدي).. ويستطيع الطالب أن ينجز بها نتائج مبهرة للجميع وله.
 الاعتراض إذن لا يمكن ترجمته إلى "امتناع عن العمل".. بل تعترض كما تشاء، ثم تبذل جهدًا أكبر في عملك بعد هذا الاعتراض.
 الشيخ الشعراوي اعترض مرة على التعليم، وعلى كونه تلميذًا، وأراد أن يبتكر حيلة تخرجه من التعليم، وتعيده إلى الأرض والزراعة وراحة البال.. فذهب إلى أبيه، وادعى أن الأزهر يطلب كتبًا كثيرة.. وكتب أسماء هذه الكتب.. وكانت كتبًا غالية جدًا.
 وتوقع الشعراوي أن يعجز الأب عن شراء الكتب، ثم يقرر أن يـُخرج ابنه من الأزهر، لأن مصاريفه مرهقة.. لكن الذي حدث، أن الأب جاء لابنه بالكتب المطلوبة كلها، ثم قال: "أنا أعلم أنك لست في حاجة لكل هذه الكتب.. لكني أحضرتها"، بعدها قرر الشعراوي ألا يخذل أباه، وألا يعود لمثل هذه الحيل.. وأن يكون طالبًا مجدًا، وإنسانًا ذا شأن.
 فلا مانع أن تعترض كما اعترض الشعراوي.. لكن هل تستطيع أن تبذل الجهد الذي بذله الشعراوي بعد هذا الاعتراض؟!
هل ضروري أن نجيب عن هذا السؤال؟ وهو سؤال أزلي في عقل كل جيل: هل جيلنا أفضل أم أيام زمان؟! وهذا السؤال معناه أن الإنسان دائمًا يحن لأيام الصبا اللذيذة الهادئة.. والصبا هو آخر ما نذكره عن زمان.. إنها إذن ليست مقارنة بين جيل وجيل، وإنما هو مجرد التلهف والحنين والشوق.
كل جيل يعتقد أن أيام زمان أفضل وأروع وأهدأ من الوقت الحاضر الصاخب المقلق.
وليس هذا الضجيج والصخب في الأصوات والحناجر وزحام السيارات والبشر.. وإنما في داخلنا أنا وأنت.. العقل يعج بأفكار ومسئوليات وترهات وتوافه لا تنتهي.. والنفس مثقلة بسيناريوهات وحوارات دائمة أكثرها مؤلم متعب.. والقلب ينبض بذنوب تصم الآذان كل يوم.
 أيام زمان لم تكن هادئة.. ولا الآن.. والمقارنة ليست بين الماضي والحاضر، بل بين الحاضر والغد.. لا تنظر إلى ما أنت عليه، وإنما ما يجب أن تكون عليه.
 نحن في بحث مستمر عن السعادة والراحة والهدوء.. وهذا الهدوء الداخلي ليس له وجود إلا في السر الإلهي الذي يقيم الأبدان - الروح، وإلا في المدد الدائم بين هذه الروح وبارئها.
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
وسقطت المتاريس والحصون!

إنهم يعلمون كيف يحمون ما سرقوه من أراضٍ وحقول، فصنعوا جدراناً عازلة وارتقوا بالأسوار المكهربة، وظنوا أنهم بمأمن حتى جاء يوم السابع من أكتوبر فتغيرت قناعاتهم وانتهت للأبد

الأكثر قراءة