دائمًا ما يغضب المجتمع عند وقوع جريمة؛ وآخرها مشهد ذبح الطالبة نيرة أمام أبواب جامعة المنصورة؛ والكل يقف بجوارها ويقوم بتصويرها ليحقق سبقًا في النشر وعرض المحتوى على وسائل السوشيال ميديا؛ نعم هي كلمة "النشر" وكلمة "عرض المحتوى" التي أصبحت كلمة تسبب الجريمة في المجتمع؛ من المسئول عن هذا الاستخفاف في العرض والنشر لمحتوى يبدأ عقل الإنسان في تخزينه؛ ومن السهل أن يستدعيه وينفذه في لحظه انفجاره؛ خاصة عند تعرضه لأزمة ما؛ فهنا يستدعي تجاربه ومشاهداته السابقة؛ ويبدأ في تنفيذ جريمة اعتاد على مشاهدتها عبر النشر؛ فهل من الأفضل منع إذاعة ونشر الجريمة لحماية المجتمع من التقليد؛ أم يتم عرضها ونشرها لتوعية الإنسان لمنع زيادة تقليد الجرائم..
تقدم "بوابة الأهرام" رأي المتخصصين في القضية التي أصبحت تهدد المجتمع.
الدراما ترسخ صورة المنحرف كبطل
يقول الدكتور وليد هندي استشاري الطب النفسي، نحن لسنا مع أو ضد، ولكن مع أسلوب النشر وطريقة المعالجة ومنهج الطرح هل من ينشر له نوايا صادقة وحقيقية أن يكون له تخطيط فكري للمجتمع والناس ضد ارتكاب هذه الجرائم؛ وهل يعرضها بطريقة تبين خطر الجرائم والحوادث وآثارها المرعبة والنفسية على النفس البشرية؛ وعوامل الندم على من يرتكبها وتنزيل العقاب الذي وقع على المجرم؛ وكيف تبرز وتسمح له بمساحة طويلة من الوقت وعمل إغراق معلوماتي طول الوقت.
أم أنك تقوم بتمجيد ما يفعله المجرم من جرائم وتبالغ في إظهار جوانب شخصيته بصورة حسنة؛ وتسمح له بمساحة طويلة طول الوقت وعمل دعاية له وإغراق معلوماتي بأن الضعيف الذي أصبح قويًا بالسرقة وله حظوة اجتماعية، وأنه يمتلك سيارات فارهة؛ ويرتدي الماركات ويتنزه في الأماكن الفارهة فيظل يعظم من شأن شخص مجرم طوال العمل الدرامي؛ ثم تأتي لحظة القبض عليه في نهاية الدراما في وقت لا يزيد على دقيقتين مما يترسخ في الصورة الذهنية عند الناس أن هذا المنحرف هو البطل.
لذلك لسنا مع أو ضد إظهار الجريمة ونشرها أو ظهورها في الدراما؛ ولكن القصة تتلخص في طريقة المعالجة وهل العمل الدرامي في مجمله أو من ينشر ويذيع حادثة معينة في أي وسيلة إعلامية هل طريقته في النشر تترك أثرًا غير طيب في نفوس الناس، فيسبب لهم استنفارًا نفسيًا ضدها ويستفزهم لارتكابها بعد ذلك؛ أم يستسهلون ارتكابها وإظهار وتأكيد أن من يرتكبها سيعاني من النبذ الاجتماعي ونظرات غير المستحبة؛ أم إنك تكتب وتعرض بطريقة عرض بها جاذبية وإثارة وتشويق للجريمة ذات نفسها فباتالي تخلق لدى الشخص المتلقي إغراقًا حسيًا؛ يساعده على تقليد الجريمة كنوع من تبلد الإحساس ويكررون فعلتها وتنفيذها بعد ذلك على أنها أصبحت شيئًا عاديًا وطبيعيًا من كثرة مشاهداتها.
وليد هندي
♦ النشر والعرض الأعمى للجرائم بهدف مادي
وفي نفس السياق يتابع استشاري الطب النفسي قائلا، إنه ليس مع أو ضد النشر والعرض، لكن نحن ضد النشر الأعمى الذي يهدف للحصول على تحقيق أهداف ماديه وارتفاع نسبه مبيعات أو غيره أو تحقيق نسب مشاهدة؛ أو بهدف الحصول على تريند في وسائل السوشيال ميديا لكي يتم دعوته للظهور في البرامج التلفزيونية فنحن لسنا مع هذه العشوائية لان من يقوم بالنشر عليه أن يتحمل مسؤولية مجتمعيه؛ لذلك عليه أن يحمل أمانه الكلمة ويعرف تبعاتها.
ولذلك لا يجب أن يتحول الإنسان إلى شخص أهوج خاصة أن الناس لم يعد لديها ثبات انفعالي؛ وخاص بعد علمها أن اليوتيوب يجلب أموالًا ضخمة جعلتهم لايهتمون سوى بالمادة، فأصبح معظم اهتمامهم تصوير الحادثة، ولا يمد يده لإنقاذ المستغيث؛ لكي يحصل على تريند، ويتكسب ويحصل على نسب مشاهدة، ولا يعلم أنه قد يحدث له ولبيته وأولاده هذا الموقف؛ لذلك يجب أن يكون لديه وعي وكفاءة نفسية لعدم نشر أي شيء قد يتسسبب في زيادة الجرائم؛ خاصة إذا كانت فيديوهات وأخبار مجهولة الهوية ولا يعرف الهدف من نشرها.
العقل يخزن الجريمة وينفذها عند وقوعه في أزمة
يؤكد هندي، أنه عند إغراق الناس بالمشاهدة والسمع لفيديوهات الإجرام؛ هنا يتم تملك حواس الشخص الذي تلقى هذه الجرائم؛ فتختزن لديه في صورة خبرات وصورة ذهنية مترسخه عنده ويتشبع بها؛ فهو لا يأتي بجديد بالتالي عندما يحدث له عامل مفجر يثتثير دوافعه أن يقدم على ارتكاب سلوك هنا يأخذ نفس السلوك إلي تشبع به والعقل؛ والذي ترسخت فيه الصورة الذهنية لما شاهده من جرائم سابقه؛ مثل مشهد المرأة التي وضعت زوجها في البانيو ووضعت له مادة لتحليل جسده وفي اعترافاتها للنيابة ذكرت كارثة أنها فعلت ذلك بعد تخطيط وبكل هدوء.
فهي هنا أصبحت متبلدة الإحساس وهي تنفذ ما تشاهده وهذا ما يسمى بإعاده إنتاج السلوك وهناك أيضًا ما يسمى التعلم بالمشاهدة، وهي أن رؤية مشاهد العنف المتكررة تسمى نظرية فقد القيمة أي فقدت عند الشخص قيمة الحياة نظرًا لرؤيته مشاهد الذبح والتنكيل فيبدأ هو الآخر في تنفيذ جريمته وهو متبلد الإحساس وأريحية نفسية بدون أي مشاكل.
وفي مثل هذه المشكلات في الدراما التي عرضت تحلل الزوج بمادة في البانيو أظهروها أنها هي الضحية، وأنها قاست من زوجها وعانت، وبناء عليه لكي تتخلص من الضغوط قتلته؛ وعندما قتلتله وجدنا الناس تصفق لها.
تزييف وجدان الإنسان بتبرير أخطائه
يشير استشاري الطب النفسي، إلى الرجاء في عدم تزييف وجدان الناس مثل جعل الصياغة الدرامية لبعض الأفلام والمسلسلات تجعلنا نبكي على زوجة خائنة تركت ابنها من أجل حبيبها وعشيقها؛ مثلما حدث في فيلم "نهر الحب" ورغم أنها خائنة لكن الصياغة الدرامية جعلتها مجنيًا عليها؛ والجميع بكى عليها، فهنا ألبسنا الحق رداء الباطل فعكسنا منظومة القيم.
وهذه طريقة جعل السم في العسل وخلق تبرر خاطئ للمجتمع؛ وطالما خلقت وصنعت التبرير لأي إنسان فسيفعل أي شيء وأي جريمة ويبرر جريمته؛ فهنا نفقد منظومة القيم وعلى المدى البعيد تضيع ونفقد الهوية.
حتى الأغاني نجد مؤديًا يقول كلمات أغاني مهرجانات كلماتها "ما فيش واحد بيتصاحب"، وكذلك أغنيه أخرى نجدها تقول "دي عيلة واطية وكدابة" والجميع يرقص عليها في الأفراح، وهذه الكلمات الهابطة أكثر تأثيرًا من المخدرات على المخ البشري فالسلوك بعدها يصبح عشوائيًا.
طارق الشناوي
لا لنشر الأخبار المثيرة
تقول الدكتورة ليلى عبدالمجيد عميد كلية الإعلام الأسبق، إن النشر لخبر الجرائم هو نوع من توعية الناس وإخبارهم بأن الجريمة لا تفيد، وأن مرتكب الجريمة يجب أن ينال عقابه كنوع من الردع؛ ولكن يجب أن يكون النشر للجرائم متوازنًا ليحقق الهدف منه وهو حدوث الردع لطمأنة المجتمع أنه يوجد اهتمام بالانتباه لتفادي حدوث الجرائم، وأن مرتكبها يتم القبض عليه لينال عقابه.
لكن المشكلة تكمن في النشر المثير الذي هدفه الإثارة وجعله تريندًا، بهدف زيادة المشاهدات والمتابعين؛ ولذلك نجدهم ينتهكون كل الأخلاقيات وكل المعايير، ويصبح النشر عن الجريمة هنا له رد فعل عكسي، وبالفعل تجعل الناس تقوم بالتقليد والمحاكاة، خاصة وسط الشباب الصغير؛ لأنه متمرد ويحب التقليد؛ لأنه يرى في كثير من المشاهد أن المجرم يتحول إلى بطل فيقلده؛ فيقوم الشاب بتقليد ما يفعله البطل الوهمي، وهنا يصبح النشر لهذه الجرائم بهذه الصور ضارًا على المجتمع.
لذلك لابد أن يكون النشر بهدف الإخبار والإعلام بشكل غير مبالغ فيه؛ وبدون تهويل وعدم إعطاء الحوادث أكثر من أهميتها؛ من خلال التركيز على تفاصيل حدوث الجريمة؛ لأنها بالفعل يمكن تقليدها؛ لكن يكفي أن نقول ونتابع فيها أن المجرم نال جزاءه وننشر أن جريمة ما وقعت؛ ونقدم لها تحليلًا وملابسات لمعالجتها بطريقة متعمقة بحيث يكون الهدف هو أن نفيد وليس أن نضر.
فقدان الوعي
تشير عميد كليه الإعلام الأسبق، أن المشكلة الأكبر هي أن المجتمع فقد الوعي، وهذا ما حدث مع الطالبة نيرة قتيلة المنصورة، وما حدث لها من تعليقات كانت بلا عقل ولا قلب، بلا قيم ولا قانون، وكل ما قيل عليها ليس له علاقة بالقيم الإنسانية؛ لذلك يجب عدم ترك من جلس على السوشيال ميديا لتخريب المجتمع؛ لأن ذلك لا يحدث في العالم، ولكنه يحدث في مصر حتى أمريكا لا يستخدم بها الفيسبوك بهذا الشكل المشين.
لكن في مصر الناس فقدت عقلها وقلبها وأصبحوا بلاشعور أو إحساس؛ لأنهم يستغلون أي حريمه؛ فبدلا من الحديث عن أن المجرم يجب أن ينال جزاءه، يبررون له أن القتيلة كانت ترتدي كذا وكذا فهي تبريرات غير طبيعية.
لذلك لابد من التوازن ونشر ما يفيد فقط، وليس النشر الذي يضر ويجعل الناس تقوم بتقليده؛ بدون نشر فضائح وثرثرة وقيل وقال؛ لأنها ضياع لوقت الناس وإضرار بسمعة العائلات؛ فعلى المجتمع أن يحترم حرمة الموت وعدم استباحة نشر فيديوهات عن القتلى؛ لان كل ذلك مرفوض وسيئ.
وتؤكد عبدالمجيد، أنها مع النشر للحوادث بهدف إعلام وتوعية الناس بهدف المناقشة للأبعاد النفسية والاجتماعية لإيجاد الحلول لمنع الجريمه قبل أن تقع كنوع من وقاية المجتمع من وقوع الجريمة بما يسمى الدفاع الاجتماعي.
الرقابة على المصنفات الفنية
تضيف الدكتورة ليلى عبد المجيد، أن الرقاب على المصنفات الفنية قديما كانت تأخذ إجراءات خاصة حول المادة التي لها علاقة بالأخلاقيات والقيم؛ وكان يعرض عليها النص الدرامي لكن الآن انخفض؛ وما كان يرفض قديما للأسف يذاع ويقدم الآن؛ لان مفهوم الرقابة اختلفت عن زمان؛ لذلك أقول انه توجد مجموعه من القيم يجب الاحتفاظ بها ومنع ما يضر من الوصول للمشاهد؛ وان ويمنع تقديمها في الدراما حتى لا يصبح لها تأثير سئ لذلك يجب وجود المراجعة للمصنفات الفنية؛ لن أقول بنفس مفهوم الرقابة زمان ولكن بالمفهوم المعاصر؛ ولكن مجموعه القيم الانسانيه ومجموعه الأخلاقيات لا تتغير؛ وبتالي يجب أن نضع في اعتبارنا ان الدراما بدخل البيوت ويراها كل أفراد الاسره فيجب احترام ما يقدم للاسره مع مراعاة القيم والأخلاق .
الإفراط يعتبر اتجاهًا خاطئًا
يقول الناقد الفني طارق الشناوي، إن أي تزايد في أي شيء؛ سواء في الدراما أو في العنف أيضا في الأخلاق أو حتى في التدين فهو خطأ؛ ولا يمكن الدفاع عنه، فإذا قدمت الدراما عنفًا مفرطًا فهو خطأ، وحتى لو تم عرض دراما معقمة نقية فهذا أيضًا خطأ فأي تطرف في أي اتجاه فهو خطأ.
ويتابع، أن الرقابة على المصنفات الفنية في مصر الآن تسير بجوار الحائط، ولكن نقول إنه يوجد ما يسمى في التصنيف العمري في المسلسلات والأفلام يجب أن ينفذ بشكل صحيح؛ لأن ما يحدث ليس صحيحًا وهي معناها أنك تجعل العصمة في يد المشاهد والمتلقي؛ بمعنى أنه يتم التنويه أن هذه الدراما تقدم لسن فوق الـ 18 لذلك يجب تربية الطفل إذا وجد الدراما فوق سن 10 سنوات وهو عنده 11 عامًا، فيجب من نفسه الامتاع عن المشاهدة.
ولذلك لابد من وجود الوعي؛ لأن الرقابة الفنية في مصر غير مؤهلة للتطبيق الصحيح، لذلك يجب إعتادة النظر مرة أخرى في الجهاز الرقابي ليصبح قادرًا على التصنيف العمري بشكل علمي؛ بمعنى أن يتم من خلال أستاذ علم اجتماع وعلم نفس لإعادة الصياغة ولتقييم الأمور، ولكي تصبح مؤهلة لتصنيف العمر، وهنا يجب إعادة هيئة الرقابة.
وسبب محاكاة الواقع هي تكمن في أن القضية هي وجود استعداد نفسي لدى الإنسان في تنفيذ الجريمة؛ وهذا هو السبب الحقيقي وإذا قدم في الدراما مثلا تجريس الرجل في الفلاحين عبر ارتداء ملابس سيدات، كما حدث في واقعة الفيوم، وقالوا إنه تمت محاكة مسلسل الأسطورة، ورغم أنها ثقافة معروفه في المجتمع، هنا علينا محاربتها وليس الحل هو إيقاف المسلسل، ولكن بتغيير الواقع وليس تغيير الصورة، وبالتالي فإن منع مسلسل هو تغيير للصورة وليس تغييرًا للواقع.
لذلك يجب عدم تحميل الدراما موبقات المجتمع خاصة أن المجتمع معبأ وفيه انفلات، ونجد أن الناس حدث لها تعايش سلمي مع الشتائم والتجاوز والدليل أنهم عندما وجدوا الطالبة نيرة تذبح، أصبح المجتمع حولها متفرجًا ويصورها فقط.
الجميع يستسهل الأمور ويلقي باللوم على الأغاني والدراما وعلى بعض الفنانين قديمًا وحديثًا ومهاجمتهم اجتماعيًا والهجوم على أن الدراما تجرئ الناس على المجتمع وعلى تقليد ما يقدم في الدراما .