د. عباس شومان: الحاج يعود خالصا من ذنوبه مالم تكن عليه حقوق للعباد فهذه يلزمه ردها إلى أصحابها
الحج فريضة وركن من أركان الإسلام على المستطيع لا تغنى عنه أى عمل آخر.. وهى عبادة تؤثر فى سلوك الإنسان تهذيبا وإحسانا.. فرضه الله لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه.. يتوق إليها كل مسلم أداء لفريضة ربه وإكمالا لأركان دينه الحنيف..
فضيلة وكيل الأزهر السابق الدكتور عباس شومان المشرف العام على الفتوى بالجامع الأزهر، يحدثنا عن هذه الفريضة الجليلة، وكيفية أدائها وحكمتها والأعمال التى تعدلها لمن سبق له أداؤها..
يقول الدكتور عباس شومان: أهم الاعمال التى يجب القيام بها فى الحج، هى الإحرام، بمعنى استحضار النية عند الميقات الذى يمر عليه الحاج، كأبيار على أو قبله الوصول إليه حتى لو كان من بيته فى مصر أو المطار أو فى الطائرة، المهم لا يتخطى الميقات قبل أن يحرم، فإن كان متمتعا ينوى العمرة ثم الحج، فيحرم من الميقات بالعمرة فقط، فيقول نويت العمرة اللهم يسرها لى وتقبلها مني، ثم يلبس الرجال ملابس الإحرام، وتحرم المرأة فى ملابسها العادية، فإذا وصل مكة طاف حول الكعبة سبعة أشواط، ثم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم يحلق شعره أو يقصر، وبذلك انتهت عمرته، فإذا كان يوم الثامن من ذى الحجة ويسمى يوم التروية يحرم من مسكنه بمكة بالحج.
وتابع: يفضل أن يذهب إلى منى ليبيت بها إن استطاع، وإلا أمكنه أن يتوجه إلى عرفة مباشرةً ليلا أو صباحا يوم عرفة ليصلها قبل الظهر، ثم يبقى فى عرفة حتى تغيب الشمس فيتحرك إلى المزدلفة، فيصلى بها المغرب والعشاء جمعا، ثم يتحرك فجرا ويجوز قبل الفجر إلى منى، ويوم العيد يرمى جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات، ويدفع ثمن الهدى ويجوز دفعه قبل يوم العيد إن كان لا يذبح بنفسه، ويحلق إن كان قصر فقط فى العمرة، فإن كان حلق مرر موس الحلاقة على رأسه، والمرأة لا تحلق لا فى العمرة ولافى الحج وإنما تأخذ بعض الشعر من أى خصلة من شعرها، ثم يتوجه يوم العيد أو بعده خلال ثلاثة أيام ليطوف بالبيت ويسعى للحج إن لم يكن سعى له من قبل، ولا يبقى عليه إلا رمى الجمرات الثلاثة فى يومين بعد يوم العيد أو ثلاثة إن بقى فى منى ولم يتعجل، ثم قبل سفره يطوف بالبيت طواف الوداع، وبذلك انتهى حجه وعمرته.
ويضيف بالقول: فرض الله الحج لحكم يعلمها سبحانه، وليس علينا أن نعرف الحكمة فى كل أمر كلفنا به، ولكن يمكن أن نعرف بعضها وهي: إحياء سنة الخليل إبراهيم وأسرته، حيث يؤدى الحجاج مشاهد قاموا هم بها، وذلك لبيان أن الإسلام جامع لكل الرسالات قبله، وكذلك ليتخلص الناس من ذنوبهم التى فعلوها فى عمرهم، فالحج المبرور لايبقى شيئا من الذنوب إلا ما يتعلق بحقوق العباد.
وحول أنواع الحج، يقول الدكتور عباس شومان: إفراد يعنى يحرم بالحج فقط، وقران يحرم بالعمرة والحج معا ولايفصل بينهما، وتمتع وغالب المصريين يحجون تمتعا، أى يؤدون العمرة ثم يتحللون ثم يحرمون بالحج، كما سبق بيانه.
وعن حكم التبرع بنفقات الحج للوالد، يقول الدكتور شومان ان كان المقصود هو دفع الابن تكاليف حج أبيه فهو جائز طبعا وهو من البر بالوالدين، ويجوز أن يدفع تكاليف حج زوجته وهو من حسن العشرة، ويجوز دفع تكاليف الحج لأى أحد وحج مبرور ان شاء الله.
ويتابع بالقول: يكفى لبيان فضل الحج ذكر حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث أو يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، فبالحج يعود الحاج مهما بلغ به العمر والذنوب خالصا من ذنوب عمره كاملا، ويصبح كأنه ولد اليوم، مالم تكن عليه حقوق للعباد، فهذه يلزمه ردها إلى أصحابها.
ويضيف فضيلة الشيخ إن الحج فريضة وركن من أركان الإسلام على المستطيع، لايغنى عنه أى عمل آخر، طالما أنه لم يحج فى حياته، لكن من سبق له وأدى حج الفريضة، فهناك الكثير من أعمال البر والخير أفضل من حج التطوع، كالتصدق على الفقراء، ورعاية الأيتام والأرامل، وإصلاح الطرق، وحفر أبيار مياه فى أماكن تحتاج للمياه، وتوصيل المرافق للأماكن المحرومة منها… وغير ذلك من الأعمال المخففة لوطأة الفقر والمرض على الناس، فكلها أفضل من حج التطوع لمن حج قبل ذلك، فالحج فريضة فى العمر مرة واحدة.
أما فضل العشرة من ذى الحجة، فيوضح الدكتور شومان أن أيام العشر من ذى الحجة العمل فيها لا يعدله إلا أجر الشهيد الذى خرج بماله ونفسه مجاهدا فى سبيل الله فلم يرجع من ذلك بشى كما أخبرنا رسولنا الكريم [، في قوله: «ما من ايام العمل الصالح فيها احب إلى الله من هذه الايام» يعنى ايام العشر قالوا: يارسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، وفيها يوم عرفة الذى بشرنا رسولنا أن صيامه يكفر ذنوب سنتين، سنة ماضية وسنة قادمة.
ويختتم بقوله: علامة قبول الأعمال تحسن سلوك الإنسان وهدوء نفسه واطمئنانها، والبعد عن المعاصي، وبخاصة إيذاء الناس وأكل حقوقهم.
ما قـبل الحــج.. وآداب الــسفر إلـيه
وحول شروط ما قبل الحج وآداب السفر إلي الفريضة يقول مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: للسفر للحج آداب ينبغي مراعاتها والعمل بها، ومن ذلك ما يلى: المشاورة: فيستحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه في حجه، وعلى المستشار أن يبذل له النصيحة، فإن المستشار مؤتمن والدين النصيحة، والاستخارة: فينبغي إذا عزم على الحج أو غيره أن يستخير الله تعالى، فيصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول بعدها: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن-ذهابي إلى الحج في هذا العام- خيرلي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاقدره لي».
أما قبل الحج فعلى الحاج إرضاء الوالدين والزوج: يجتهد في إرضاء والديه، وتسترضي المرأة زوجها وأقاربها، ويستحب للزوج أن يحج مع امرأته، وليس للوالد منع الولد من حج الفريضة، وله المنع من حج التطوع، فإن أحرم فللوالد تحليله من هذا الحج على الأصح عند الشافعية، وان تكون النفقة حلالا: ليحرص على أن تكون نفقته حلالً خالصة من الشبهة، فإن حج بما فيه شبهة أو بمال مغصوب صح حجه عند الجمهور، لكنه ليس حجًا مبرورًا، قال الإمام أحمد: لا يجزيه الحج بمال حرام، والاستكثار من الزاد الطيب والنفقة: يستحب الاستكثار منهما ليواسي منه المحتاجين، ولقوله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» والمراد بالطيب هنا: الجيد، وبالخبيث: الرديء، والمسامحة في البيع والشراء: فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أَنَّ رَسُولَ اللَّه قَالَ رَحِمَ اللَّه رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرى وَإِذَا اقْتَضَى»، وعدم المشاركة في الزاد والراحلة والنفقة: فيستحب ذلك إيثارًا للسلامة من المنازعات، وتعلم كيفية الحج: لا بد إذا أراد الحج أن يتعلم كيفيته، وهذا فرض عين؛ إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها. ويستحب أن يستصحب معه كتابًا واضحًا في مناسك الحج، وأن يديم مطالعته، ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده، واصطحاب الرفيق: فينبغي أن يطلب له رفيقًا، راغبًا في الخير، كارهًا للشر، إن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانه. ويحرص على رضا رفيقه في جميع طريقه، ويتحمل كل واحد صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلً وحرمة، ولا يرى ذلك لنفسه، ويصبر على ما وقع منه أحيانًا من جفاء ونحوه. وقد كره الرسول الوحدة في السفر، وكذلك التفرغ للعبادة والطاعة: فيستحب أن يتفرغ للعبادة، خاليًا عن التجارة؛ لأنها تشغل القلب، فإن اتَّر مع ذلك صح حجه، لقوله تعالى: «وليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم»، ولا يريد بعمله إلا وجه الله تعالى، لقوله سبحانه:» وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين» .
وقول النبى: «إنما الأعمال بالنيات»، كما يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وأن يودعوه ويستسمحهم، ويقول كل واحد منهم لصاحبه: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيث كنت». وايضا الدعاء عند الخروج من البيت: فالسنة إذا أراد الخروج من بيته أن يقول ما صح عن رسول الله: «اللهم إني أعوذ بك من أن أَضل أو أضل، أو أَزل أو أزل، أو أَظلم أو أظلم، أو أَجهل أو يجهل علي» وعن أنس أن النبي ^ قال: «إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال: هديت وكفيت ووقيت»، ويستحب له أن يتصدق بشيء عند خروجه، والتكبير والتسبيح: فالسنة التكبير عند العلو، والتسبيح عند الهبوط، وكذلك على الحاج التزام الطهارة والصلاة: فيستحب له المداومة على الطهارة والنوم على الطهارة، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها المشروعة، وله أن يقصر ويجمع، وتسن السنن الراتبة مع الفرائض في السفر، كما تسن في الحضر.