استنبطنا أكثر من 20 صنفا عالي الإنتاجية.. وليس لدينا أزمة أرز في مصر بل وصلنا للاكتفاء الذاتي
تعاونا مع الصين في استنباط أصناف جديدة من الأرز عالية الإنتاجية وقادرة على مقاومة عوامل الطقس
بأحرف من ذهب، سطر الدكتور حمدي فتوح الموافي اسمه بعد إنجازاته التي نالت استحسان الجميع وإبهار العالم، ووضع لنفسه بجدارة لقب «أبو الأرز الهجين المصري»، وخاصة عقب حصوله على الميدالية الذهبية كأفضل اختراع في معرض جنيف الدولي لعام 2022 عن ابتكار تطبيقي باستنباط صنف أزر «سخا سوبر 300» العملاق. وهو الاختراع الذي يتميز بتحقيق زيادة في إنتاجية الفدان والتي تصل لـ 5.5 طن للفدان الواحد من النوع الملقب بـ «العملاق»، حيث يتميز هذا الصنف بتحمله للظروف المناخية الصعبة مثل ندرة المياه والملوحة والحرارة، فضلًا عن جودة حبوبه.
كما يوفر الصنف الجديد، أكثر من 30% من المياه ويتحمل ملوحة التربة بنسب تتجاوز العادية بمراحل، بالإضافة لقدرته على التكيف مع متغيرات درجات الحرارة المختلفة، حيث يعتبر هذا الصنف نقلة نوعية في صناعة الأرز دوليًا... «الأهرام التعاوني» التقت الدكتور حمدي الموافي.. وكان هذا الحوار..
لماذا لقبوك بـ «أبو الأرز الهجين فى مصر»؟
لأننى كنت رئيس ومؤسس البرنامج القومى للأرز فى مصر، وهذا البرنامج كان موجود فى مصر واسس عام 1917 ، وكان الغرض من إنشائه أن يتم تأسيس معهد دولى للأرز فى مصر على غرار المعهد الدولى الموجود فى دولة الفلبين، والذى يضم جميع أنواع الأرز فى العالم ، ويطلق عليه محطة الأرز الدولية ، ولكن كانت البداية الفعلية لمشروع تحسين أنواع الأرز فى مصر والتى بدأنها وبعض الزملاء عام 1982 و 1983 بتحديث البرنامج والإعلان عنه ، وفى عام 1987 كان هذا البرنامج هو المسئول عن تطوير الأرز ليكون برنامج قومى متكامل لبحوث الأرز، وبعد ذلك تم تفعيل البرنامج القومى لبحوث الأرز، وإنشاء مركز لبحوث الأرز فى (سخا ) وفى (الجيزة) وتم تحديد الأهداف والأركان التى يقوم عليها البرنامج ، وهى كيف نرفع إنتاجية الأرز للوصول بها الى أقصى إنتاجية ، وكيف نصل إلى أنواع من الأرز تتحمل الملوحة وتتحمل ندرة المياه , بجانب تغير تركيبة الأرز من محصول استهلاكى للمياه لمحصول يقترب من المحاصيل العادية التقليدية مثل القمح والذرة وغيرها من المحاصيل الاقل استهلاكا لمياه الرى
ومتى ظهرت أول هذه التجارب فى إستنباط نوع جديد من الأرز؟
استنبطنا 14 نوع وليس صنفا واحدا على مدار اكثر من 20 عاما، ففى ظل مشاكل المياه والجفاف والملوحة وقلة الإنتاج الذى كان سائدا فى أوائل الثمانينيات كان لا بد للبرنامج القومى أن يبحث عن أصناف جديدة تتميز بصفات المحصول العالى والجودة العالية بعيدأ عن الأصناف التقليدية التى تظل فى الأرض من 150 إلى 160 يوم مثل جيزه 171 وجيزه 172 وكانت إنتاجيتها قليلة ولكن جودتها وصفات الطهى كانت عالية وكان المحصول فى هذا الوقت محصول إستصلاحى ،الغرض منه إستصلاح التربة وهذة التربه كانت قريبة من البحر الأبيض المتوسط وبالتالى إستصلاح التربة بريها بالغمر من مياه النيل على أساس تقليل نسبة الملوحة وكانت الأراضى فى شمال الدلتا كلها برارى وتم إستصلاحها بالأرز , ولكن تحول الأرز بعد ذلك من محصول إستصلاحى الى محصول غذائى إستراتيجى وزادت المساحة تدريجيا فى الحزام الشمالى للدلتا الى اكثر من مليون ونصف المليون والتى يتم الزراعة فى 6 محافظات أساسية فى شمال الدلتا وهى كفرالشيخ والدقهلية والغربية والشرقية ودمياط والبحيرة ، بجانب 3 محافظات أخرى وهى بورسعيد والإسماعيلية ومناطق من الإسكندرية فيكون الجميع 9 محافظات وكل تلك المحافظات تقع فى أقصى الشمال وتكون متأثرة بملوحة التربة ولكن بعد ظهور مشاكل المياه وقد تغيرت فكرة البرنامج القومى للأرز ويكون الغرض منه أن يقدم للمزارع صنفا جديدا مستنبط بالمعاملات المناسبة التى يتبعها المزارع المصرى للوصول الى أقصى إنتاجية ويكون مقاوم للأمراض خصوصا مرض اللفحة والتبقيع البنى وتكون الجودة عالية وأيضا يكون متحمل لملوحة التربة الموجودة فى الشمال ويكون أقل استهلاكا للمياه ويتحمل الرى بالمياه المخلوطة ، مثل مياه الصرف الزراعى ، ومع كثرة التجارب تم إستنباط هذه الأنواع الحديثة التقليدية التى تتميز بهذه الصفات والتى تغيرت معها الخريطة الإنتاجية للفدان من 2.4 طن للفدان فى الثمانيات إلى 4 طن للفدان فى أواخر التسعينات وأوائل الألفية الجديدة، بالإضافة إلى استنباط 14 صنف من الأرز بعد أن كنا نعتمد على الأصناف طويلة العمر أصبح المزارع يستخدم أصناف قصيرة العمر ، تمكث فى الأرض 125 يوم فقط ، بجانب أصناف أخرى متوسطة العمر تظل 135 يوم ، وقد احتلت مصر المركز الأول فى أعلى إنتاجية لوحدة المساحة وهى 4 طن للفدان خلال التسعينات.
ماذا فعلتم مع مشكلة نقص المياه وتأثيره على الأرز؟
فى عام 1995 ظهرت مشكلة نقص الموارد المائية ، والتى دفعتنا الى تطوير بحوث الأرز من هذه الأصناف التقليدية الى أصناف غير تقليدية وتشمل الأزر الهجين ، والذى بدأت بزراعته دولة الصين ثم دول جنوب شرق أسيا وقمنا أنا و زميلى الدكتور على عرابى بسطويسى بتأسيس برنامج للأرز الهجين فى مصر وأستنباط أول أرز هجين مصرى هو «هجين مصر1» وقد زادت إنتاجية الفدان من 4 اطنان الى 5 اطنان .
ومتى بدأ إنتاج الأزر سخا سوبر 300 العملاق وبما يتميز؟
بدأت التجارب على هذا الصنف من الأرز عام 2008, وفى عام 2010 تم تطويره وإدخال بعض المحسنات إليه ، وفى عام 2014 ظهر أول إنتاج للأرز السوبر العملاق ، ومن مميزات هذا الصنف ، أننا تمكنا بهذه الأصناف من توفير 30 % من المياه وكانت الأصناف القديمة تستهلك من7000 الى 8000 متر مكعب للفدان الواحد من المياه ، أما الأصناف التقليدية الحديثة التى تم إستنباطها فكانت تستهلك من 5000 الى 6000 متر مكعب من المياه للفدان الواحد ، ولكن مع هذا السوبر فأنه يوفر الكثير من المياة ، ومن مميزاته أيضا كثرة الإنتاج ويتميز بزيادة ملحوظة فى عدد حبوب السنبلة ، وكان عدد الحبوب فى سنبلة السلالات التقليدية يصل من 120 إلى 150 حبة ، أما فى الأرز السوبر يصل عدد الحبوب فى السنبلة الواحدة من 250 إلى 300 حبة ، ومن مميزاته أيضا أنه أرز عملاق طوله يرتفع إلى أكثر من 100 سم ، والساق قوية والجذر قوى ويتحمل الحرارة والبرودة والملوحة ، وكان أول صنف أرز سوبر يعطى إنتاجية 5.5 طن للفدان ، كما أنه لا يحتاج إلى مياه كثيرة ، فمثلا بعد أن كنا نروى كل 3 أو 4 أيام أصبحنا نروى من 8 إلى 10 أيام , وهذا يعنى أن المتر المكعب من المياه ينتج كيلو أرز, سخا سوبر 300.
وما أهم هذه الأصناف التقليدية التى تم إستنباطها وزراعتها بالفعل فى مصر؟
أهم الأصناف التقليدية التى تم إستنباطها وتحديثها واستخدامها بالفعل كانت 9 تسعة أصناف من جملة 14تجربة ، وهى جيزة 177 و 78 1 و179وسخا 101 و102 و103 و104 و105 و106و108 وهذه الأصناف التقليدية المصرية القديمة التى تم زراعتها بالفعل من قبل المزارع المصرى ، وهذه كلها كانت محاولات إلى الوصول إلى تركيبة نباتية غير تقليدية لإنتاج صنف متميز وهو سوبر سخا 300.
كيف جاءت فكرة الأرز السوبر العملاق؟
جاءت فكرة الأرز السوبر من خلال سفرى الى الصين أكثر من 10 مرات ومن خلال التعاون العلمى بين مصر والصين ، وكان هناك تعاون وأبحاث مع علماء من الصين ، وخاصة أبو الأرز الهجين هناك والذى يعتبر رقم 1 فى العالم وقمنا بأبحاث وتجارب مشتركة ، وقمنا أيضا بتهجين أصناف الأرز السوبر هناك ، وعندما عدنا إلى مصر قمنا بتهجين الأصناف المصرية بالسوبر، وذلك بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا وبالاشتراك مع وزارة الزراعة ، وقد استطعنا أن ندخل جينات الأرز السوبر للأرز المصرى التقليدى سخا 101 وجيزه 178 وغيرها من الأصناف ، وبعد ذلك طورنا هذه الأصناف المصرية ، وكان أول إنجاز حقيقى لنا أننا سجلنا أول مجموعة من أصناف السوبر بالقرار الوزارى رقم 1115 لسنة 2018 وقد سجلنا أيضا حوالى 9 أصناف من التراكيب الوراثية فى سابقة لم تحدث من قبل ، للوصول إلى سخا سوبر 300 ، والذى تفوق على ما يماثله من الأصناف الصينية والهندية ، حيث تتميز هذه الأصناف بوجود 3 أو 4 فروع أو سنابل فى الساق الواحدة ، وتزن السنبلة الواحدة من 10 ألى 20 جرام، ولكنها مريضة وعندها أصابة بالسقبات وهى الحشرات الساقبة ، ودودة القصب الكبرى والصغرى، ولذلك فإن إنتاجها قليل ومتدني بالمقارنة مع السوبر المصرى.
لماذا كان البحث عن الأرز السوبر الهجين الذى يحمل هذه المميزات؟
كان الغرض من البحث عن هذا النوع من الأرز هو الحصول على نوعية تتوائم مع الذوق المصرى ، بجانب الحصول على إنتاجية عالية فى ظل قلة وحدة المساحة, ورغم إننا مررنا بمشاكل عديدة فى استيراد الأرز الأبيض ، منها عدم إقبال المستهلك المصرى على أنواع الأرز الذى يأتى من الخارج ، بجانب أن المزارع المصرى كان يستخدم من التقاوى مايقرب من 60 كيلو للفدان الواحد بينما الأرز الهجين يستخدم 10 كيلو للفدان فقط ، مع إعطاء إنتاجية عالية تقدر بأكثر من 6 طن للفدان.
وفى بداية 2008 وبعد تهجين هذه الأصناف أصبح عندنا القدرة على تصدير الأرز بما قيمته 2 مليون جنية مصرى , وبعد ذلك كان الأرز المصرى يصدر الى 64 دولة , لأنه عالى الجودة وقيمتة التسويقية عالية وكان سعره مناسب.
هل هناك أنواع من الأرز تتفوق على الأرز السوبر سخا 300 المصرى؟
الأرز المصرى يتفوق فى الجودة على أصناف كثيرة عالمية ولا يعادله إلا أرز ولاية كاليفورنيا بأمريكا والأرز اليابانى ، مع العلم أن اليابان لا تصدر الأرز إلى الخارج ولكن تحتفظ به للاستهلاك وله مميزات كثيرة أنها تستخدمه فى كل أنواع الطهى، بمافيها الحلويات.
ما المساحة المسموح بها حاليا لزراعة الأرز، وهل تكفى المواطن؟
المساحة الحالية لزراعة الأرز 724 الف فدان ، وقد حدثت أزمة فى عام 2018 حينما تم تقليل المساحة الى 724 الف فدان ، ولكن يضاف اليهم 350 الف فدان أخرى فى مناطق أشد تأثرا بالملوحة ونقص المياه وتروى من مصارف الرى والصرف الزراعى ، بجانب مساهمتنا فى إنتاج أصناف كثيرة من الأرز فى مصر ، من أجل تلبية إحتياجات المواطن الذى كان يستهلك آن ذاك حوالى 42 كيلو جرام من الأرز ، وهذا يعنى أن المواطن كان يستهلك مايقرب من 4 كيلو جرام كل شهر، ومع زيادة عدد المواطنين استطعنا أن نتوصل الى هوجن وأصناف تفوق هجين مصر 1 وتوصلنا لسخا سوبر 300 وهو عباره عن صنف عملاق يتميز بقوة الساق وقوة الجزر ، وبه سنبلة كبيرة تحمل أكثر من 1000 حبة ، ولكن نريد أن نزيد فى فروع ووزن السنبلة الواحدة وتكون من 6 إلى 8 جرام .
كيف تصل التقاوى المستنبطة إلى المزارع؟
حينما بدأنا فى إنتاج الهجن والتقاوى ، كان أول موسم نتعاون فيه مع بعض شركات إنتاج التقاوى بالفعل .. وهو الموسم الجديد لسنة 2019 وكان يوجد 10 شركات إنتاج تقاوى سوبر 300 فى سنة 2020 اصبحوا 20 شركة وفى سنة 2021 اصبحوا 70 شركة أما هذه السنة 2022 فهناك حوالى 80 شركة ، ومع ذلك لا نريد أن نركز على السوبر لأن الخريطة الصنفية يجب أن تكون كبيرة لذلك انتجنا أصناف بعضها تحت التسجيل ويسجل إجراءاته بالفعل، مثل 301 و302و 303وكل هذه الأصناف لا تستهلك مياه كثيرة لأن استهلاك السوبر 300 يصل استهلاكه لـ 4000متر مكعب مياه للفدان الواحد.