هو شاب موهوب وصاحب أنامل ذهبية، استطاع منذ نعومة أظافره وحتى بعد التحاقه بإحدى كليات القمة وتخرجه فيها أن يحافظ على موهبته ولا يتخلى عنها، وأن يستحوذ بها على قلوب وعقول زملائه وأساتذته الذين صاروا له متابعين، كلامنا عن الطبيب الأزهري محمد محمود أبو النضر، الجراح والرسام والشهير بـ"دافينشي" الذي التقيناه وأجرينا معه الحوار التالي .
لماذا التحقت بكلية الطب رغم أنك موهوب في الرسم؟
بصراحة.. لأن كان حلم والدي ووالدتي أن أصبح طبيبًا رغم أنني كان نفسي أن أصبح مهندسًا، فعندما حصلت على الشهادة الثانوية الأزهرية وكنت من الأوائل وقتها قلت لهم أنا سأقدم في كلية الهندسة لأني أحب الرياضيات والرسم، ولكنهم رفضوا، وأصرا أن أدخل كلية الطب لأنهم كانا يريدا أن يروني طبيبًا مشهورا مثل الدكتور مجدي يعقوب، فسمعت كلامهما ودخلت كلية الطب إرضاء وطاعة لهما فقط رغم أنني كنت عاشقا ومحبا لكلية الهندسة
موهبة الرسم.. هل ورثتها عن أحد من أفراد أسرتك أم ماذا؟
لا والله.. فكل أفراد أسرتي ليس لديهم تلك الموهبة، ولكن أختي كانت تساندي وتشجعني ومؤمنة بموهبتي وتراني رساماً جيداً، فأنا في البداية لكي أصل لهذا المستوى من الاحتراف كنت أتابع كثيرين على اليوتيوب لتنمية تلك الموهبة، وأخذت كورسات عديدة في الرسم، ثم تابعت بعض الفنانين على السوشيال ميديا الذين ساعدوني بخبراتهم، ولا أنسى أبدًا دعم زملائي وأساتذتي بالأزهر وتشجيعهم الدائم لي الذي كان يدفعني أن أستمر وأحافظ على موهبتي .
برأيك.. هل الرسم يعتمد على الموهبة فقط أم ماذا؟ ومتى أول مرة رسمت فيها؟
الرسم يحتاج إلى العزيمة قبل الموهبة، فالإنسان لو عنده موهبة بدون عزيمة ورغبة في النجاح سيفشل، فكلنا في بدايتنا نكون قليلي الخبرة وتأتي علينا كشباب لحظات يأس وإحباط، ولهذا يجب أن نتعب في البداية حتى نصل للمستوى المطلوب، ويكون لدينا عزيمة وإصرار حتى نكمل ونحقق هدفنا ونرتقي بمستوانا وننمي موهبتنا؛ وأما عن أول مرة رسمت فيها كانت وأنا في الصف الأول الابتدائي عندما رسمت صورة لأستاذي بالمعهد الأزهري وهو يشرح لنا في الفصل، فانبهر وأعجب بي كثيرًا ولم يصدق عينيه، وقال لي انت تلميذ موهوب، وكان دائمًا يشجعني ويلقبني بـ" ليوناردو دافينشي"، ومن وقتها أشتهرت بهذا اللقب.
هل صادفك أحدًا وقال لك إن الرسم حرام وكيف ترسم وأنت أزهري ؟
طبعًا كثيرًا جدًا ، والعجيب من أناس ليس لهم علاقة بالدين ، لدرجة أنني تشككت في نفسي وقلت : هل يمكن أن يكون رسمي حراماً ؟! ، فقررت أن أبحث في هذا الأمر ، وألجأ لكبار أساتذتي بالأزهر الشريف من المتخصصين في علوم الدين الذين طالبوني بألا أنصت لهؤلاء الجهلاء المتشددين.
نرى أن معظم لوحاتك رسم بالفحم وليس بالزيت، فلماذا؟
أنا أرسم بالرصاص والفحم، والألوان الخشب والجاف، وبخامات أخرى كثيرة، وكل خامة لها إحساسها ومتعتها فلا يوجد عندي حاجة اسمها أسهل أو أصعب، فأنا ممكن أشتغل رسم بالرصاص في لوحة، وتأخذ مني ساعات كثيرة ومجهوداً أكثر من الرسم بالزيت، فالفكرة في اتقانك واهتمامك بالتفاصيل وليس بالخامات المستعملة في اللوحة أو البورتريه الذي أرسمه، وأنا على العموم أختار لوحاتي من صورة أو فكرة، أو أحاول البحث عن الصور التي أجمع من خلالها فكرتي، أما بالنسبة للأدوات التي أستعملها فالخامات كثيرة، والماركات أكثر، ولكن الاعتماد الكلي في النهاية هو على مهارة يدي.
متى ترسم، وهل أنت راض عن كل لوحاتك أم أن هناك لوحات تحبها وأخرى لا تعجبك؟
أرسم عندما أشعر برغبتي في التعبير بالفن، وطبعاً في وقت فراغي لأن عملي كطبيب جراح يأخذ معظم وقتي، ولهذا لا أقدم على الرسم ألا في وقت فراغي ـ أي ـ في يوم إجازتي الذي لا أكون فيه مشغولاً بالمرضى والعمليات، والحمد لله كل رسوماتي التي رسمتها راض عنها، لأني أختار فكرتي بدقة وعناية شديدة، ولكن أكثر لوحة أحبها هي بورتريه الطبيب وخلفه الموناليزا وغرفة عمليات، فقد أخذت مني وقتاً ومجهودًا كبيرًا.
هل شاركت بأي معارض أخرى قبل ذلك أو فكرت في أن تقيم معرضًا خاصًا بلوحاتك؟
نعم .. شاركت في معارض كثيرة كمعرض الفنون التشكيلية ببيت السناري بالسيدة زينب الذي تعرضت فيه لموقف غريب، وفي مسابقات كثيرة كمسابقة أسبوع شباب المدن الجامعية، ومسابقة نجم الأزهر اللتان حصلت فيهما على المركز الأول قبل تخرجي في جامعة الأزهر عام 2019، ولكني الآن أسعى لإقامة معرض خاص بي في الإسكندرية أعرض من خلاله كل أعمالي الفنية.
قلت إنك تعرضت لموقف غريب في بيت السناري فما هو؟
كان هناك معرض في بيت السناري، فشاركت فيه بلوحاتي وبعد انتهاء المعرض ذهبت لاسترداد لوحاتي، ففوجئت من القائمين على المعرض يقولون لي إن لوحاتي اختفت وغير موجودة، وأنهم بحثوا عنها كثيرًا ولم يعثروا عليها وكان عددها 5 لوحات متميزة، ولكني علمت بعد ذلك أنها بيعت بمبالغ كبيرة، فتضايقت وحزنت حزناً شديدًا من هذا التصرف.
هل ترى أن هناك علاقة بين تخصصك كجراح وفن الرسم؟
أنا تخصصت في الجراحة العامة بسبب حبي للرسم، ولأني وجدت علاقة قوية بين مشرط الجراحة وقلم الرسم، فمشرط الجراحة يزيل الألم، وريشة الفنان تزيل الهم وتزرع في النفس البهجة والسعادة، ولولا تعودي علي الرسم منذ صغري ما استطعت أن أتعامل مع مشرط الجراحة بدقة وتميز أشاد به أساتذتي من الأطباء، والذين عندما عرفوا أن سر تميزي في العمليات كان بسبب الرسم شجعوني.
أنت درست بالأزهر وكثيرًا ما تتهم مناهجه بالغلو والجمود وعدم التشجيع على الإبداع ـ فما تعليقك على هذا الكلام ؟
طبعًا هذا كلام غير صحيح، وليس له علاقة بالواقع ومصدره الشخص الذي قاله وروج له، لأن مناهجنا الأزهرية تعلمنا الوسطية وتشجعنا على الإبداع والابتكار، بدليل أن عندنا مبدعين في كل الأنشطة والمجالات ويقدروا يثبتوا أنفسهم في أي مكان يتواجدون فيه.
بعض الأطباء تركوا الطب حبًا في الفن.. فهل يمكن أن تترك مهنتك من أجل موهبتك؟
إن شاء الله سأكمل في المجالين الطب والرسم، وإذا لم يحقق الطب طموحي المادي فلن أترك تلك المهنة فهي ذات هدف إنساني وليس مجرد ماديات فقط، فهي ممكن تكون سبباً في إنقاذ حياة إنسان، وعمومًا الأرزاق بيد الله تعالى، ولكني لن أتخلى عن واحدة منهما مهما حدث.
باعتقادك.. هل يمكن أن نصحح صورة الإسلام بالرسم والفن التشكيلي؟
نعم .. فلكل مجال دوره في المجتمع، والرسم عمومًا يمكن أن يكون له دور مهم في تصحيح صورة ديننا الحنيف ومحاربة التطرف وحتى أيضًا في تجديد الخطاب الديني، وذلك من خلال قيام الفنانين برسم لوحات تبرز سماحة ديننا.
من هو مثلك الأعلى في الرسم وتعجبك لوحاته؟
أنا أشاهد أعمالاً فنية كثيرة، ولكن أكثر فنان تعجبني لوحاته الدكتور طه القرني الملقب بفنان الشعب لأنه فنان تشكيلي مبدع.