راديو الاهرام

بعد 45 عامًا من ظهور مافيا توظيف الأموال.. لماذا يسقط المصريون ضحايا للمستريحين؟

19-6-2022 | 12:37
بعد  عامًا من ظهور مافيا توظيف الأموال لماذا يسقط المصريون ضحايا للمستريحين؟صورة أرشيفية
وليد فاروق محمد
الشباب نقلاً عن

في الشهر الماضي فقط أكثر من 300 بلاغ من ضحايا دفعوا ما يقارب مليار و500 مليون جنيه لمجموعة نصابين تحت وهم "توظيف الأموال".. ووصل الأمر لدرجة أن سائق توك توك ومسجل خطر نجح في جمع نحو مليار جنيه من الأهالي، والغريب أنه خلال  سنوات تساقط العشرات من النصابين الذين استغلوا طمع البعض ونجحوا في إيهامهم بالربح السريع.. ورغم ذلك مازال الكثيرون يصدقون ويدفعون بأيديهم شقا العمر لنصابين آخرين، فما السر وراء هذه الظاهرة الخطيرة؟!.

كانت بداية شهر مايو مع ظهور قضية "مستريح أسوان"  مصطفى البنك، وهو في الأصل صاحب سوابق  ويعمل سائق توك توك، لكنه نجح خلال فترة بسيطة أن يجمع أكثر من مليار جنيه من الأهالي بعدما ابتكر فكرة جديدة.. وهي أنه كان يخرج من تحت يديه "مستريحين صغار"، بمعني أنه كان يختار مجموعة من المندوبين في كل قرية ليجمعوا له الأموال والمواشي والسيارات.. ورغم القبض عليه لكن هناك بعض أتباعه مازالوا هاربين، كما تباشر حالياً نيابة المنتزه ثانى التحقيقات فى واقعة "مستريح الإسكندرية"، وذلك بعد تقديم عدد من الضحايا لبلاغات، وطالبت النيابة بسرعة طلب تحريات المباحث فى الواقعة والبلاغ الذى تقدم به 14 شخصًا، ضد "ر.ع.م"، صاحب شركة للتداول والتجارة الإلكترونية عبر الإنترنت، يتهمونه بالتحصل منهم على مبالغ مالية وصلت لـ50 مليون جنيه، وذلك بفكرة جديدة مبتكرة، حيث أنشأ شركة للمضاربة فى البورصة، أي عمل قانوني، وعليه جمع الأموال بدون شكوك، مستخدما من نسبة الربح وسيلة لجذب الاستثمارات، والتي بلغت قرابة 40%، ثم قام بتحرير شيكات بنكية، وإيصالات أمانة بأصل المبالغ التي تحصل عليها منهم، وأيضاً في شهر مايو الماضي تم الحكم بالسجن 15 عاماً لمستريح الرخام والجرانيت بالمنيا وإلزامه برد 1.5 مليار جنيه، ويحاكم أيضا أحد الأشخاص المعروف بـ"مستريح البيتكوين"، بعدما استولى على 200 مليون جنيه من ما يقرب من 3 آلاف مواطن، بحجة استثمارها في العملات المشفرة.

بداية النصب 

بدأت شركات توظيف الأموال في مصر منذ نحو 45 عاماً مع ظهور شركة الشريف للبلاستيك لصاحبها رجل الأعمال الإخواني عبد اللطيف الشريف، وانتشرت إعلانات الشركة في الصحف من أجل جمع الأموال من المواطنين، وبعد شهر بدأت الشركة في توزيع الفوائد على المودعين، وقال الشريف إن أصول شركاته ومصانعه قيمتها كانت تزيد علي 3 مليارات جنيه، وتوالت إنشاء الشركات بعد ذلك مثل بدر للاستثمار والسعد والهلال وغيرها، أما أحمد توفيق عبد الفتاح الجابري والشهير بأحمد الريان فبدأ عن طريق شقيقه فتحي الذي كان يعمل في المقاولات في تجارة العملة، وكان يقوم ببيعها بسعر أعلي من البنوك بمكسب يومي – حسب كلامه – يصل لنحو 150ألف جنيه.. وهو ما يساوي نحو مليون جنيه بأسعار هذه الأيام، والتحق بكلية الطب البيطري لكنه لم يكمل الدراسة فيها لأنه كان مشغولاً بإدارة رأس مال وصل لنحو 500 مليون جنيه في منتصف السبعينات، وظهرت شركة الريان لتوظيف الأموال في عام 1983وكانت تعطى فوائد على أموال المودعين بنسبة 25% شهريًا في الوقت الذي كانت نسبة فوائد البنك لاتتعدى 9%، وعدد المودعين في شركة الريان كان حوالي 175 ألف شخص بإجمالي رؤوس أموال بلغت 2.2 مليار جنيه، وتزامن مع ظهور الريان بروز أشرف السعد والمقيم حالياً فى لندن ، وقد فرضت الحكومة الحراسة على ممتلكاته لمدة 15 سنة بعد أن جمع نحو 23 مليار جنيه في شركة لتوظيف الأموال قبل أن يهرب في فبراير 1991 إلى باريس بحجة العلاج، ثم جاءت هدى عبد المنعم أو "المرأة الحديدية".. ولدت في أسرة بسيطة ببورسعيد وحصلت على دبلوم تجارة، عملت موظفة على آلة كاتبة بإحدى الشركات، تزوجت رجل أعمال ليبي وسافرت معه وجمعت منه ثروة ضخمة هربتها لمصر قبل الطلاق منه عام 1981، اقتحمت عالم المال والاقتصاد والتعمير والإسكان، فأسست شركة "الهدى مصر" للمقاولات عام 1986، ونفذت عددا من المشروعات ونجحت في جمع أكثر من 45 مليون جنيه من خلال حملة إعلانية واسعة، وفرضت الحراسة على أموالها في 12 يوليو عام 1987فهربت بجواز سفر مزور ثم صدرت ضدها أحكام غيابية بالحبس 60 عاما في 31 قضية، ثم قررت العودة لمصر بعد أن أقنعتها هيئة الدفاع عنها أن جميع الحكام الصادرة ضدها سقطت بالتقادم، وبعد 5 سنوات سجن قضتها وراء القضبان تم إخلاء سبيلها لسوء حالتها الصحية.

مافيا توظيف الأموال

القائمة تطول لتشمل طارق أبو حسين صاحب شركة الهدي إلي جانب شركات الحجاز وآي سي والفضل والهلال والمراكشي وغيرها الكثير والتى لم تقم باستثمارات حقيقية داخل مصر.. بل قامت بتوجيه أغلب المال للخارج حيث توضع في بنوك ألمانيا وإنجلترا وفرنسا.. بينما الباقي يتم توظيفه عبر المضاربات في الذهب.. ونسبة بسيطة يتم توجيها لمشروعات يتم تضخيمها لتظهر عملاقة على غرار مزارع الماشية والدواجن والأجهزة الكهربائية.. وكانت بينهم وبين المودعين عقود إذعان لا ترتب للمودع أي حقوق، ليس للمودع حق التدخل في أسلوب الإدارة أو الاعتراض واقتسام الأرباح مناصفة مع قبول الخسارة ولو شملت المال كله، صرف سلف شهرية للمودع حتى تسوية الأرباح و الخسائر...ولو زادت الخسائر عن الأرباح يتم الخصم من أصل الوديعة، عدم اللجوء للقضاء إن حدث خلاف والاكتفاء بلجان تحكيم الشركات، والمشكلة الأساسية أن قضايا توظيف الأموال لا يتم تحريكها إلا ببلاغات عديدة من عدة مواطنين من أصحاب الشرائح المختلفة حتى تصبح الدعوة عامة، ولابد أن يكون هناك مشروع حقيقى يستثمر فيه المتهم الأموال التى جمعها من المواطنين ويدفع لهم مقدار ربح ثابت، لانه اذا كان المشروع وهمياً فهذا يعنى أن القضية ستكيف كجنحة نصب.. وليست جناية توظيف أموال، فمثلاً في سنة 2015 ظهر هانى لطفى عواد صاحب شركة ستار كابيتال والذي جمع 410 ملايين دولار من 20 ألف شخص.. وأقنع كل هؤلاء بأن الشركة ستوفر لهم أرباحاً شهرية تتراوح بين 5.5 و7%، وظل يدفع لهم لفترة ثم تعثر وقبض عليه.. ومن قبله في يناير من عام 2014 قبضت مباحث الأموال العامة بالمنوفية على وائل عبد الله أبو منصور.. وهو كان موظفاً صغيراً بالكهرباء ورغم ذلك نجح في جمع مليون و364 ألف جنيه  من الأهالي .

سلسلة المستريح

الأب الروحي للمستريحين – والذي علي اسمه أصبح كل نصاب جديد يسمي بالمستريح – هو "أحمد مصطفى إبراهيم" الشهير بـ«المستريح» والذي جمع مئات الملايين من المواطنين للاستثمار في مصنع للأسمدة مقابل الحصول على فائدة قدرها 12%، ووصلت المبالغ التي جمعها المستريح إلى 53 مليون جنيه و843 ألف جنيه من 311 مواطنًا، وقضت محكمة جنايات القاهرة الاقتصادية بسجنه 15 عاماً وتغريمه150مليون جنيه وإلزامه برد 166 مليوناً للمدعين الوارد أسمائهم في الدعوى، ومن بعدها بدأت وسائل الإعلام تطلق علي كل نصاب آخر يظهر بعضه لقب "المستريح"، وأكبر عملية نصب باسم توظيف الأموال شهدتها مصر على الإطلاق وقعت فى مارس منذ عامين، وبطلها صاحب شركة استشارات مالية يدعى "أحمد.ع"، والذى اتخذ لنفسه مكتباً بمدينة الرحاب وجمع 70 مليون دولار من مئات العملاء بالشركة بغرض استثمارها فى مجال المضاربة على أسعار العملات الأجنبية والمعادن بالبورصات العالمية بعدما اغراهم بالأرباح الطائلة، إلا أنه جمع تلك الأموال وامتنع عن سداد الأرباح لعملائه أو أصل المبالغ المقررة عليه، فتوالت البلاغات على الأجهزة الأمنية التى تمكنت من ضبطه فى نهاية المطاف، أما محمد صابر أو "ريان المرج" أوهم مئات وصفتهم الصحف بـ "البسطاء" بتوظيف أموالهم في مجال تجارة الطيور، ثم اختفي فجأة وبحوزته 46 مليون جنيه! بل نجحت إحدى الفتيات بالقاهرة التى لم يتجاوز عمرها الـ30 فى النصب على عدد من المواطنين وجمعت منهم مبالغ مالية تخطت الـ15 مليون جنيه، بعدما أوهمت ضحاياها باستثمار تلك الأموال فى تجارة العقارات والأجهزة الكهربائية والموبيليات، وامتنعت عن سداد الأرباح الذى سبق وأن اتفقت مع المواطنين عليها، فتوالت البلاغات التى تتهمها بالنصب وحرر ضدها 16 بلاغاً إلى أن تم الإيقاع بها، وشهدت منطقة الاميرية بالقاهرة واحدة من أكبر عمليات النصب باسم توظيف الأموال، حيث نجح صاحب محال تجارية يدعى "أمجد.ح" فى النصب على المواطنين وجمع منهم مبالغ مالية تخطت الـ120 مليون جنيه، بحجة توظيفهم فى الأعمال التجارية التى يعمل بها بفائدة مالية ضخمة، وحصل علي حكم بالسجن لمدة 3 سنوات، وفى بولاق الدكرور ظهرت "مستريحة" حصلت على 18 مليون جنيه من الأهالى بزعم تشغيلها بـ"مسبك للنحاس" ثم اختفت من المنطقة، كما تم القبض علي "مستريح الأرانب" والذي جمع 250 مليون جنيه من 8 محافظات لاستثمارهم فى تربية الأرانب، ووفقاً لما تم تسجيله فى محاضر الأجهزة الرقابية وجهات التحقيق .. فقد بلغت الأموال التى جمعها موظفو الأموال الوهميون من المواطنين خلال عدة أشهر نحو مليار و494 مليون جنيه، أيضاً لا ننسي محمد صابر والمشهور بلقب "ريان الإسكندرية"، وهو كان من رجال الدعوة السلفية وصاحب قناة "أمجاد".. وهو هرب من سنة 2019 بعد ما جمع تقريباً 100 مليون جنيه بحجة توظيفها.  

لماذا تتكرر حكاية النصب؟!

يقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن هذه الظاهرة كان المفروض أن تنحسر منذ أعوام بعد قرار رفع سعر الفائدة على الودائع فى البنوك بشكل يصل تقريباً لنفس سعر الفائدة الذي كانت تطرحه شركات توظيف الأموال فى الماضى لجذب زبائنها، لكن لا تزال الظاهرة مستمرة وقضايا النصب متجددة، ووفقا لتصريحات وزير المالية مؤخرا فإنه لا توجد شركات توظيف أموال مرخص لها وفقا للقانون فى مصر، فلا توجد شركة واحدة قانونية وإنما تعمل فى الخفاء ولا نسمع عنها إلا بعدما تقع الكارثة ويقف الضحايا على أبواب مباحث الأموال العامة، وهناك سبب رئيسي في رأي د. رشاد عبده لانتشار هذا النوع من قضايا النصب وهو أن هناك أموالاً جاءت من مصادر غير شريفة، وبالتالي لا يتم توظيفها فى البنوك خشية أن يتعرض صاحبها لسؤال "من أين لك هذا ؟" خاصة لو كان هذا الشخص موظفا عاماً، بجانب الطمع والجشع والرغبة فى الكسب السريع، وهذه الصفة هى التى تدفع أستاذاً جامعياً مرموقاً مثلاً وعلى درجة عالية من الوعى لتوظيف أمواله عبر هذه الشركات، فالأسطورة مستمرة ولن تنتهى لكن الأنشطة تغيرت فكانت فى الثمانينات عبارة عن عقارات وشركات ومحلات ذهب وغيره، والآن تجارة أجهزة وتسويق عبر الإنترنت، ويذكر الدكتور رشاد أن نفس أساليب الحيل لا تزال متبعة مع الشركات الوهمية الجديدة، فالقائمون على شركات توظيف الأموال بارعين فى عدة نقاط أولها استغلال للدين والإيحاء دائما بأنهم يوظفون الأموال فى مصادر شرعية بعيدا عن فوائد البنوك الربوية، والنقطة الثانية أن نصاب توظيف الأموال يعطى إنطباعا قويا لدى الزبائن بأنه مستثمر فذ وفريد من نوعه، ولذلك هم عندهم قدرة عالية جدا على كسب الثقة وزيادة رأسمالك فى أسرع وقت ممكن بعيدا عن البنوك، ويعملون من خلال دوائر فمثلا هم دائما ما ينجحون مع الزبائن الذين يذهبون إليهم فى بداية إنطلاقهم لأن هؤلاء الزبائن سوف يشكلون قاعدة ثقة لجذب زبائن جدد وهكذا.   

ضحايا الثراء السريع!

الدكتور وليد رشاد زكى، أستاذ علم الاجتماع، أكد أن ظاهرة المستريح هى عملية ممنهجة تستهدف الطامعين في الربح السريع بدون بذل أي مجهود أو الدخول في مخاطرة كبيرة، وتابع:"هذه الظاهرة تأخذ طابع الحرفية وهى الحيل والنصب والغش والخداع، وليس لها مكان معين، ولكنها منتشرة في قري كثيرة وتأخذ أكثر من وجه وفق طبيعة المنطقة، والنصاب يستقطب ضحاياه من خلال إعطاء جزء من الأموال لمن أوقعهم في شرائكه حتى يكونوا داعمين له ويرددون ما يريده بصدق تجارته، من أجل إقناع أكبر قدر من الناس للقدوم له، وعندما يجمع مبالغ كبيرة يتوقف، ويسرع في الهرب، والسبيل الوحيد لتجنب هذه المشكلات هو الوعى، والنظر إلى الجهود التي تبذلها الدولة، والأجهزة الأمنية من أجل ضبط الجناة، بالإضافة إلى تطبيق الوزارات الاقتصادية عملية الشمول المالى التي تضمن الحفاظ على أموال المواطنين وتطوير الخدمات المقدمة لهم، وعلى المواطن أن ينظر إلى هذه الجهود بعين الاعتبار".

والقانون رقم 146 لسنة 1988 وتعديلاته فيما بعد يجرم عمليات توظيف الأموال ويضع الغرامات وعقوبات السجن الكفيلة بمحاربة هذا النشاط غير القانونى، ووفقا لهذا القانون وتعديلاته فإنه لا يجوز لأى شخص أن يمارس نشاط تلقى الأموال وتوظيفها إلا من خلال شركة تلقى أموال مصرح لها، ووضع القانون غرامات وعقوبات تصل للسجن المشدد، والمشكلة فى هذه الأيام أن شركات توظيف الأموال طورت من أنشطتها وواكبت العصر حيث تعمل فى مجال الإلكترونيات وتجارة الإنترنت والأجهزة والهواتف المحمولة وكروت الشحن وغيرها وهى أنشطة قد تحقق مكاسب سريعة لكنها فى ذات الوقت تتعرض لخسائر هائلة ومن ثم يتعرض المساهمون فيها لخسارة أموالهم، وغالبا ما تنتهى هذه القضايا بمصادرة أرصدة وأصول أصحاب الشركات إن وجدت ورد الأموال لأصحابها أيضا إذا توافرت وفى حالات كثيرة يهرب المتهمين ولا يحصل المودعون على حقوقهم المسلوبة إذا نجح المتهم فى الإفلات من قبضة العدالة وهنا لا يخدم القانون الضحايا إذا فشلوا فى إثبات حقوقهم.   

ويرى قانونيون أن ضعف العقوبات وراء انتشار هذه الجرائم، حيث إن العقوبة تتفاوت من السجن 3 إلى 7 سنوات في الجريمة الواحدة، الأمر الذى جعل المستريحون لا يبالوا بهذه العقوبة أمام المبالغ الضخمة التي يستولون عليها، مطالبين بضرورة تغليظ العقوبة.

كلمات البحث