الشكوى حق مكفول للجميع؛ هذه قناعة الكثيرين -من الجنسين- وترتبط كثيرًا بخيانة النفس؛ فيبالغ البعض ويشكو "لطوب الأرض" كما يُقال من كل شيء "يزعجه"؛ ولو قليلًا وكأن الحياة يجب أن تخلو من أي إزعاج، وكأننا نعيش في الجنة وليس في الدنيا؛ حيث تمتزج السعادة بالمضايقات ولا تخلو حياة أي إنسان في الكون منهما "سويًا"..
لا ننكر "الحق" في الشكوى أبدًا؛ فهي حق إنساني؛ فقط ننبه بكل الود والاحترام لأخطاء شائعة تتسبب في التعاسة للشاكي وتزيد همومه بدلا من "التنفيس" عما يؤلمه.. أبرزها الشكوى من كل شيء؛ فهي تصرف الناس عن الاستماع إليه "بجدية" وبتقدير يستحقه ويتعاملون معه "كمدمن" للشكوى وبمرور الوقت لا يبالون بما يشكو ولو كان مؤلمًا؛ لاعتيادهم على سماع الشكاوى منه..
لذا نوصي "بفلترة" ما نشكو منه وألا تكون الشكاوى "مصدرًا" للحصول على الاهتمام أو لدرء "الحسد" عن النفس-كما يفعل البعض-؛ ففي الأولى سيضيق منا الناس ولو بعد حين، وبالثانية فمن نتعامل معهم "أذكياء" وسيفهمون ولو لاحقًا وسيتألمون لخوفنا من حسدهم لنا وسيردون علينا "بأساليبهم" الخاصة؛ بعضها قد يكون حادًا والآخر بالابتعاد عنا ولو نفسيًا..
يخون نفسه من يشكو البعض ويسرف في ذكر تفاصيل مؤلمة ويعيدها "للتأثير" في المستمع؛ ولا يعلم أن ذلك يضايق المستمع فيشعر أنه يحاصره للضغط عليه ليتبنى موقفه من شكواه وهذا صحيح غالبا؛ فيضيق به ويحتد عليه أو يعامله بلا مبالاة..
يشكو آخرون "وكل" همهم التنفيس المؤقت عما يضايقهم ولا يفكرون في الحلول أو المساعدة، ويضيقون بمن يطرحها عليهم ويصرخون في وجهه أنت لا تشعر بما نعاني منه ولم تمر به ولقد "جربناها" كلها ولم تأت كأي نتيجة بل ساءت الأمور..
المؤكد أن الطبيب لم يمرض بكل الأمراض التي "يصف" العلاج منها للمرضى؛ وليس مطلوبًا منه المرض بها ليجيد التشخيص والعلاج؛ وليس مطلوبًا ممن يعرض علينا الحلول أن يمر بمشاكلنا، يكفي أن يكون "مُخلصًا" وواعيًا ولديه الخبرة..
"يغلق" الزعم بأن الشاكي جرب كل الحلول الأبواب أمام المستمع، ومنها باب "التعاطف" معه؛ لإدراكه أن الشاكي لا يريد الحل ويرغب إثبات تعاسته للآخرين؛ وكثيرًا ما يأتيه الرد بأن "يأخذ" المستمع دور الشاكي "ويغرقه" بسيل من الشكاوى بعضها تخصه والباقي لآخرين يعرفهم بغية إشعاره أنه ليس الوحيد الذي يعاني بالدنيا فتزداد المشاعر السلبية للطرفين وتتضاعف خيانة النفس..
من خيانة النفس الشائعة عند الاستماع للحلول للشكوى؛ التسرع وعدم انتظار المستمع لإكمال كلامه ومقاطعته، والأفضل الانتظار حتى ينتهي من فكرته؛ فربما اكتشفنا "مخرج" من خلال التفاصيل، وإن لم نجد فمن اللياقة عدم المقاطعة ومن الذكاء الاحتفاظ بعلاقة طيبة مع "الراغب" في مساعدتنا وإن لم تعجبنا أفكاره؛ فيكفيه المحاولة "ولنسعد" باهتمامه وبمحاولته ونشكره عليها "بصدق"؛ ففي ذلك سعادة له ولنا، فسيفرح بشكرنا له وبتقديرنا لاهتمامه وربما زاد اهتمامه بتقديم المزيد من الدعم النفسي وبالتفكير في حلول أخرى، وسنسعد بوجود "احتمالات" للخروج من معاناتنا فالفكرة غير الجيدة مع التفكير الجيد ستأتي بأفكار أفضل وسنحمي أنفسنا من "خسارة" من يهتم بنا ونحافظ على علاقتنا به وهذا سبب للفرح أيضا..
من أسوأ خيانة النفس في الشكوى خاصة الزوجية ومن مشاكل العمل؛ الإصرار على ذكر ما يؤيد صحة مواقفنا "وتعمد" تجاهل ذكر أخطائنا وكأننا ملائكة لا نخطئ والأطراف الأخرى شياطين..
الشكوى الناجحة وحدها التي نذكر فيها كل التفاصيل "بأمانة" تامة؛ لنكون كالمريض الذكي الذي يذكر لطبيبه كل الأعراض التي لديه ويخبره "بمخالفته" للعلاج وللنظام الغذائي الذي أوصاه به؛ فإن لم يفعل سيخطئ الطبيب "حتما" في التشخيص، وسيعطيه علاجًا لا يناسبه وسيتفاقم المرض والعكس صحيح..
كلما ذكرنا دورنا بنزاهة تامة في أسباب الشكوى ساعدنا "أنفسنا" في التخلص منها والنجاة من مضاعفاتها والعكس صحيح..
عند الحصول على إجابات لا ترضينا ونحن نعرف أنها الصواب ولكنه "العناد" ورفض رؤية الواقع كما هو ورفض "التغيير" لإصلاح ما نشكو منه؛ يلجأ البعض لخيانة النفس؛ بالتشاجر مع من ينصحنا بأمانة أو بالبحث عن غيره مع ثقتنا بصحة نصيحته وبأمانته، ولا يهدأ حتى يجد من يقول له أن الطرف الآخر مخطئ وأنه "رائع" بأكثر مما ينبغي؛ ولا أحد منا كذلك، ومن يخُلص لنا النصح يحبنا ويحترم أعمارنا ويخبرنا بدورنا بالشكوى لتغييره ولنعيش أفضل؛ ومن يتجاهل ذلك يخون نفسه..
يرفض القليل -من الجنسين- الشكوى من أي شيء يضايقه ولو كان أزمة صحية أو مشكلة مادية ويراه "ضعفًا" أو من قبيل الاحتياج؛ وهذا أيضًا من خيانة النفس، فالحديث عما يؤلمنا لمن "نثق" أنه يحترمنا ويحب لنا الخير -من وقت لآخر- ليس ضعفًا بل هو مشاعر إنسانية "طبيعية" وقد نصل لحل ونحن نتكلم وقد نعرفه نحن..
دوما خير الأمور الوسط؛ "فكبت" الشكوى ضار وكذلك الإفراط فيها، والشكوى للجميع "تسيء" إلينا وتخصيص البعض للشكوى وعدم إخبارهم بما يسعدنا هي خيانة لهم ولنا؛ الأولى معروفة والثانية لأنهم سيضيقون بنا ولو بعد حين.