إنها ثانى أكبر القارات مساحة (30 مليون كم2) بعد آسيا بما يعادل 12 مليون ميل مربع! وبعدد سكان يتجاوز مليار نسمة. وبموارد طبيعية هى الأعلى لدرجة أنها صارت المطمع الأول لدى الدول الاستعمارية فى الماضى. إنها إفريقيا الثرية أرض الذهب والماس.
علماء الأنثروبولوجيا يقولون إن إفريقيا أصل الجنس البشرى وإن أقدم الحضارات وأقدم السلالات الإنسانية انحدرت من القارة السمراء منذ نحو 7 ملايين عام! عاش فيها (إفريقيس بن ذى المنار) أحد أشهر وأغنى ملوك التبابعة اليمنيين. وفى الثقافة الفرعونية القديمة (أفروى-كا) أى أرض الميلاد.إفريقيا هى الأصل وهى منبع الخير.
قوتها البشرية وبنيانها الإنسانى من أقوى وأصلب القوى على وجه الأرض. تلك القوة الهائلة وذلك العنفوان المدهش تحوّل على يد الاستعمار إلى لعنة امتدت تداعياتها: عمليات نهب وسرقة وحشية للكنوز الإفريقية من ذهب إلى ماس إلى نفط وفحم وفوسفات ويورانيوم، بل وبَشر ورقيق وأناس مسالمون تم استرقاقهم وبيعهم كالدواب طيلة عصور بُنيت فيها الحضارة الأمريكية بأيدى سمراء تسري فى عروقها قوة تدفقت من لدن بذرة البشرية الأولى.
ثم تداعَى على القارة مستغلين منها انهمكوا يقتلون بعضهم بعضاً فى نزاعات وحروب أهلية لم تنته إلا لتبدأ، وأكلت القارة نفسها.. حتى جاء الوقت الذى حدثت فيه يقظة إفريقية جماعية.. فمنذ عقود والدول الإفريقية تنهض نهوضَ غافٍ طالت غفوته. وظهرت قوى إفريقية واعدة، وتحولت دول من القاع للقمة فى غضون سنوات، وانعقدت تحالفات، وتدفقت استثمارات غيَّرت منظومة الثروة فى إفريقيا وأعادت هيكلة السياسة الإفريقية عالمياً.
فى 2001 تشكل الاتحاد الإفريقي ليمثل معظم دول إفريقيا البالغ عددها 54 دولة. بهدف التخطيط لحسن استغلال موارد القارة الاقتصادية، وإنهاء مشاكل القارة وأزماتها العميقة المتجذرة كالفساد والأمية والأمراض والحروب والصراعات والفقر والمياه والغذاء. فكم تحقَّق من كل هذا؟
دول إفريقية تنهض..
فى غضون سنوات قليلة سابقة ثمة دول إفريقية تطورت واغتنت فجأة، وتحولت من النقيض للنقيض: رواندا، سيشل، موريشيوس، بوتسوانا، ناميبيا، الجابون، جنوب إفريقيا..هى الدول الأعلى من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلى.
والأعلى اليوم غينيا الاستوائية التى يبلغ فيها نصيب الفرد نحو 15 ألف دولار . أى ما يزيد على نصيب الفرد فى مصر بنحو 5 مرات! فكيف قفزت تلك الدول لصدارة المشهد الإفريقي ومتى؟
بل السؤال هو: كيف نستغل تلك القفزات الإفريقية لتحقيق تكامل وتعاون من خلال هذه المبادرة الرائعة بتفعيل منطقة التجارة الحرة. مما سيدفع بعجلة الاقتصاد للأمام بأقصى سرعتها. ولن تلبث الاستثمارات أن تتدفق من دولة إفريقية لأخرى كأنها لعبة كراسي موسيقية تتبادل فيها الدول الإفريقية مواردها الطبيعية والبشرية.
الصين الإثبات الحى
منذ عقود قليلة كانت الصين تعانى مثل الكافة.. وعندما قررت النهوض نجحت.. والآن هى الأولى عالمياً من حيث سرعة النمو الاقتصادى. ولن تلبث أن تتجاوز أكبر اقتصاديات العالَم بعد حين لن يطول. برغم أن أكثر من نصف شعبها فقير؛ إذ إن الصين برغم غناها، فإن هذا الغِنَى تحتكره فئة قليلة من مليارديرات الصين منهم الملياردير الصيني تشونج شانشان الذى يزاحم إيلون ماسك على قائمة أغنياء العالم.
الصين اليوم هى المستثمر الأكبر فى إفريقيا. وتجارتها أغرقت أسواق أوروبا وأمريكا وهو ما دعا الرئيس الأمريكي السابق ترامب لإعلان حرب تجارية ضدها. فإذا نقَلت الصين جزءا من مصانعها وتقنياتها لإفريقيا. فلن تلبث عدوى الثراء أن تصيب القارة السمراء. وفى ظرف سنوات أو عقود ستصبح صنو الصين. ولم لا؟
لماذا يظن البعض، أن إفريقيا لن تتوحد فعلياً على الاستثمار؟
مهما كانت المشاكل بين الأشقاء الأفارقة فإن العمل معاً سيذيب تلك الجفوة القديمة حتى لو كانت أسبابها نزاعات حدودية أو تاريخية. ومصر تستطيع أن تلعب دوراً محورياً على المستويين الاقتصادي والدبلوماسي.
مصر تعود لدورها الطبيعي
منذ عهد الفراعنة ومصر لها امتداد إفريقي ونفوذ محورى فى القارة السمراء.
وفى التاريخ المعاصر منذ ثورة 52 ومصر تلعب دوراً جوهرياً فى تحقيق الوحدة الإفريقية؛ إذ أنشأت الرابطة الإفريقية عام 1955 لتقديم الدعم العسكري للإخوة الأفارقة. وشاركت عام 1963بتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، ووضعت أسس التضامن الأفروآسيوي. هذا ما دعا الدول الإفريقية إبان حرب أكتوبر لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل تضامناً مع مصر. وفى عام 77 انعقدت أول قمة عربية إفريقية بالقاهرة. كما أسهمت مصر عبر منظمة الوحدة الإفريقية فى استقلال ناميبيا، وإطلاق سراح نيلسون مانديلا، وفى تسوية الصراع بين موريتانيا والسنغال.
اليوم تعود مصر تحت قيادة السيسي لمكانتها ودورها الإفريقي. لا من باب بسط النفوذ أو التنافس على دور ريادى شكلى، وإنما لأجل مصلحة مصر والقارة.
إنها لغة المال والاستثمار التى تستطيع إزالة الخلافات وتحقيق الأمن والاستقرار وتحويل العداوات القديمة إلى صداقات..
الموقع الاستراتيجي لمصر سوف يتيح لها احتلال موقع متميز للتجارة البينية الإفريقية وربطها بقارتَى آسيا وأوروبا. وسوف يمر جزء كبير من التجارة الأفريقية عبر موانئ ومطارات مصر. كما قد تقام عشرات المعارض التجارية سنوياً فى القاهرة والمحافظات الحدودية فى الشمال والشرق والجنوب. لخلق مجال استثمارى إقليمى يحفز التدفقات الاستثمارية من إفريقيا لآسيا وأوروبا والعكس. وتصبح مصر هى المحطة الإقليمية لتلك التدفقات..
الحلم لم يعد بعيداً. ونجاح مؤتمر البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد الذي عقد بالعاصمة الإدارية مؤخرا، دليل علي ذلك.
لقد حان الوقت لاستغلال خيرات القارة، بحيث تغدو موارد القارة لأهلها لا للغزاة والطامعين. وهو أمر ممكن وجائز كما أنه حيوي وضرورى.
[email protected]