في مجتمعاتنا الكثير من العادات والتقاليد التي تعرقل زواج الشباب ومن أخطرها "المغالاة في المهور" وفي النفقات والنظر إلى المظاهر لنجد أنفسنا أمام صراع العادات والتقاليد وبين مقاصد الزواج الذي أساسه التيسير والمودة والرحمة لبناء أسرة تصنع أفرادًا وتبني مجتمعًا.
موضوعات مقترحة
وأعطانا القرآن نموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه ولي الأمر، فقال تعالى عن سيدنا شعيب عليه السلام: "قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ" ذلك لأن موسى- عليه السلام - سيكون أجيراً عنده، وربما لا يتسامى إلى أن يطلب يد ابنته، لذلك عرضها عليه وخطبه لها وشجعه على الإقبال على زواجها، فأزال عنه حياء التردد، وهكذا يجب أن يكون ولي أمر الفتاة إن وجد لابنته كفؤاً، فلا يتردد في إعفافها، إعمالا لقول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
وأعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن إطلاق مبادرة موسعة لمواجهة التكاليف الباهظة للزواج في محافظات الجمهورية، تحت بعنوان: "لتسكنوا إليها"، حيث تسعى المبادرة لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تقضي على العادات السيئة والمتبعة في الزواج، أملًا في تيسير الأمور المتعلِّقة به، ومواجهة المغالاة في تكاليفه خاصة في مثل هذه الظروف الاقتصادية التي يعاني منها العالم أجمع، وذلك في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، واهتمام المجمع بالقضايا التي تؤرق المجتمع المصري.
" بوابة الأهرام " تستعرض آراء الخبراء والمختصين حول هذه القضية...
القدوة العملية من وجهاء المجتمع
في البداية يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن قضية التيسير في نفقات الزواج سواء الهدايا أو ما تعرف عليه المصريون الحُلي الذهبية " الشبكة" أو المهر العيني الأثاث والأجهزة، وكذلك متممات الزواج من الوليمة ونفقات حفل الزفاف كل ذلك يجب في الحياة العملية التطبيقية وجود القدوة العملية من وجهاء المجتمع سواء كانت شخصية سياسية أو اقتصادية أو علمية أو دعوية، لافتًا في أي مبادرة لا تصاحبها قدوة تعتبر إنشائية لا جدوى منها.
أقلهن مهورا أكثرهن بركة
وتابع: الدليل على ذلك أن النبي جعل من نفسه القدوة العملية فما زاد في مهور بناته عن عشرة دراهم وأيضا كلف السيدة أم سلمه بتأثيث منزل السيدة فاطمة رضي الله عنها لما خطبها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بأثاث بسيط للغاية، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف " أقلهن مهورا أكثرهن بركة" ، وقال في حديث جامع" ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع الرفق من شيء إلا شانه"، مضيفًا ومن هنا فإن المبادرات عمل طيب وتذكرة طيبة لكن الناس يطبقون ويتأسون ويقتدون بالقدوة العملية فهل من مدكر وهل من فاعل للخيرات بأن يخرج على الرأي العام ويجهز بناته بالقليل؟
الدكتور أحمد كريمة
التيسير دون المغالاة
ومن جانبها ترى الدكتورة عزة فتحي، أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس، في ظل الأزمة الاقتصادية والغلاء يجب أن نتساهل ونيسر دون المغالاة في طلبات الزواج، يكون الاتفاق على الأساسيات الضرورية التي تضمن حياة كريمة غلى أن تستقر الحياة، لافتة إلى ضرورة نظر الأهل من الطرفين نظرة تعاطف نظرًا للظروف والأحوال الاقتصادية فالزواج مؤسسة يكون أساسها المودة والرحمة والتيسير والتخفيف عن كاهل الطرفين وبالتدريج ستكتمل كل الأشياء.
بناء الأسرة
وأضافت، أن أساس بناء الأسرة هو الخلق والدين والصبر في ظل هذه الحياة الصعبة علينا التركيز أكثر فيما هو أهم وهو بناء الأسرة.
دور مؤسسات الدولة
أوضحت، يجب إلقاء الدور على تلك القضية من خلال الدراما فنجد أن الدراما أحد أدوات القوة الناعمة لما لها من تأثير واضح، كما يلعب التعليم دورًا هامًا في هذه القضية فهناك مناهج التربية الأسرية ولكنها غير مفعلة، كذلك الثقافة وهي مرتبطة أيضا بالتعليم فلماذا لا نستغل مراكز الشباب في تنظيم دورات توعوية لطرح حلول لتلك القضية من خلال ورش عمل حيث يمكن استغلالها استغلالا حسنا في مواجهة الحياة الجديدة، مضيفة أن الخطاب الديني المستنير أيضا أحد أهم العوامل وذلك بالتحدث بمنهجية علمية لمقابلة متطلبات المجتمع، هذا بالإضافة إلى دور الإعلام واختياره للخبراء والمختصين في هذا الشأن.
لجنة حكماء
وطالبت الدكتورة عزة فتحي بتشكيل لجنة حكماء من كافة التخصصات لعرض المشكلات أيضا والنظر إلى قوانين الأحوال الشخصية لتواكب الحياة الجديدة وتكون منصفة لكلا الطرفين.
الدكتورة عزة فتحي
تغيير التركيبة الاجتماعية
وفي السياق ذاته، يضيف الدكتور وائل وفاء، استشاري العلاقات الإنسانية وتنمية المهارات، أن المغالاة في المهور يعد أحد أهم انعكاسات تغير التركيبة الاجتماعية خلال الخمسين عام الماضية، و الأصل في الأمر هو أن الرجل يقوم بتجهيز "عش الزوجية" بما يتناسب مع إمكانياته المادية وهو ما يحدث إلى الآن في العديد من البلدان العربية، بل أنه يحدث أيضا في العديد من المناطق في صعيد مصر ويحدث أيضا في أوساط اجتماعية متفهمة لطبيعة الحياة الزوجية، لكن ما حدث من تغير في الفكر المجتمعي كان أساسه الخوف، الخوف هنا هو "جملة الممارسات"، التي يقوم بها ولي أمر الفتاة تجاه الفتي المقدم على الزواج فأصبح الأمر في كثير من الأحيان لا يكون بالبحث عن أصله، وإنما يكون التركيز على حالته المادية، وبالتالي معيار الحكم الوحيد هو الرغبة في تأمين المستقبل المادي للفتاة و لم يكن هناك إعداد جيد للمقدمين على الزواج على الاستعداد لهذه الحياة الجديدة.
صراع محموم
وتابع: أن الأمر تخطى ذلك إلى ما هو أبعد بكثير حيث بات الأمر ويكأنه صراع محموم ما بين فريقين من سيستطيع الانتصار على الآخر لإخضاعه وتوجيه فيما بقى من حياة، فلك أن تتخيل أن الأمر يبدأ في حياة أساسها السكن بسياسة التخوين وأن كلا الطرفين يريد أن يأخذ ضماناته من الآخر، مؤكدًا أن الزواج لم تعد غايته السكن وأنه أصبح ترديد لمقوله: " ضرورة لابد منها"، وبالتالي فقد الفكرة الأساسية التي من أجلها شرع الزواج وأصبح العنوان الملائم لهذه العلاقات الغريبة "زواج على ورقة طلاق".
الدكتور وائل وفاء