لا حديث في مصر الآن إلا عن الحوار الوطني، لا أنكر أن الفكرة، كانت جيدة وحيوية، وأن الطرح كان طرحًا صريحًا ومناسبًا، من القيادة السياسية.
أن يكون هذا الحوار هو محور التفكير والإعداد، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أو الأوساط الإعلامية، هو أمر ملفت ويستحق الدراسة المتأنية.
حديث الرئيس على مائدة إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي، والذي وجه من خلاله الدعوة إلى كل القوى السياسية، للمشاركة في هذا الحوار الوطني الكبير، كان حديثًا واقعيًا وملامسًا لمتطلبات وتطلعات الشارع لمستقبل يليق بمصر.
نعم هناك تحديات كبيرة على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، لكن التحدي الأكبر الذي أراه لا يقل عن كل هذه التحديات، هو تحدي في "تكوينة" الشعب المصري نفسه، وهي "التكوينة" التي بطبيعتها تميل إلى الكلام وإلى الحديث،، وإلى الحوار.
لكن على الجانب الآخر، فقد أصيبت فكرة الحوار نفسها- وقدرتنا على تحمل مختلف الزوايا والآراء- بإصابات بالغة ومتعمدة، خاصة في الفترة، التي أعقبت ثورة يناير عام 2011، فبعد هذا التاريخ كان الحوار مفتوحًا، وبلا ضوابط وبلا حدود ولا أبالغ إن قلت أنه كان بلا أخلاقيات، فقد كان الهدف السياسي كبيرًا، والمخطط المطلوب تنفيذه كان معدًا منذ سنوات وجماعات الإسلام السياسي، كانت موجودة بقوة وتغلغل واضح في الشارع، وتسعى إلى تنفيذ هذا المخطط وتمهيد الأرض له، بأي وسيلة وأي ثمن.
كل ذلك انعكس على شكل الحوار، بين مختلف فئات الشعب المصري، وكان للإعلام للأسف الدور الأكبر في تنفيذ ذلك بأدوات وأذرع غالبية لا تتمتع برؤية وطنية خالصة، فقدت تحولت الفضائيات إلى منصات للقصف الفكري، وتحول مقدمو البرامج إلى قضاة يجلسون على منصات القضاء، ويصدرون أحكامًا، دون أن يعطوا للمتهم حتى فرصة الاطلاع على قرار الاتهام، وليس الدفاع عن نفسه!
وهنا أصبح الرأي العام، هو الضحية أمام هذه الهجمات المسعورة، التي استهدفت النيل من استقرار الوطن، والتشكيك في كل شيء، والتحريض ضد كل ثوابت.
هناك مقولة دائمًا ما كنا نرددها وهي أن: "المصريين يتحدثون في السياسة ولا يمارسونها"، وللأسف العميق إن هذه المقولة فيها جزء كبير من الحقيقة، وبعض من الواقع.
في الحوار الوطني المقرر أن يبدأ خلال الأيام الأولى من يوليو المقبل، ستكون هناك فرصة كبيرة أمام الأحزاب والقوى السياسية الوطنية المصرية في إعادة صياغة مشروع وطني يتطلب المشاركة من الجميع في تحمل المسئولية.
الدولة الوطنية المصرية، لديها الرغبة الأكيدة في الاستماع والتقييم، لكل الأفكار المطروحة، ولذلك فإن المشاركة المجتمعية، لابد وأن تكون مشاركة جماعية تحت المظلة التي أكد عليها السيد الرئيس، في أن "مصر تتسع للجميع.. وأن الحوار بلا تمييز".
وعليه فإن الأحزاب السياسية، قبل أن تفكر في الوصول الى الكراسي النيابية، وحصد المكاسب السياسية، عليها أن تحدد هدفها الأول، في إعداد كوادر قادرة على التعامل مع الشارع المصري وقضاياه، كوادر هدفها أن تحدث حراكًا ثقافيًا مع الفئات الدنيا من المجتمع، أن تقدم لهم وعيًا، شاملًا وحقيقيًا حول أهم التحديات التي تواجهها مصر.
نحن الآن أمام فرصة استثنائية، أراها مهمة جدًا لمستقبل مصر، وهي صياغة "مشروع وطني"، تحقق فيه مصر كل رغباتها وتطلعاتها نحو المستقبل في ظل قيادة تريد أن تستمع وتقدم جديدًا، من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، بما يتناسب مع طبيعة الموقف الحالي، والتحديات التي تواجهها الدولة.
كلنا مطالبون بوضع ولو نقاط بسيطة في صياغة هذا المشروع الوطني الذي سيكون عنوانًا لمستقبل مصر..
sherifaref2020@gmail،com