هذا هو الوضع الأمني المرعب، وتلك هي المشاعر الرسمية والشعبية السائدة، في كل من كوريا الجنوبية واليابان، في هذه المرحلة من تاريخ الدولتين الآسيويتين، بما يفوق -بمراحل- نظيرتها المداهمة في أرجاء العالم، نتيجة للحرب في أوكرانيا.
منذ مطلع عام 2022، أطلقت كوريا الشمالية 18 صاروخًا، معظمها عابرة للقارات، أحدها باليستي، يطلق من الغواصات، بالإضافة إلى إطلاق أنظمة فضائية-فضائية، وناقلة أسلحة نووية تكتيكية جديدة، وتتأهب لإجراء تجربة نووية سابعة.
الأمم المتحدة تحظر على كوريا الشمالية إجراء تجارب للأسلحة النووية والصاروخية، وفرضت عقوبات صارمة عليها بعد تجارب سابقة، والملفت، أن بيونج يانج ترأس خلال يونيو الحالي، مؤتمر نزع السلاح، الذي يضم 65 دولة!!
أكثر من 40 دولة أعضاء بالمؤتمر أعربت عن استيائها من تكليف كوريا الشمالية بالرئاسة، غير أنها رضخت للنظام الأساسي، وينص على أن الدول الأعضاء تتسلم رئاسة المؤتمر بشكل دوري، وفقا للترتيب الأبجدي لأسماء الدول باللغة الإنجليزية.
سفير كوريا الشمالية لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف، هان تيه سونج، الذي افتتح أعمال المؤتمر يوم الخميس الماضي، رفض الانتقادات الموجهة لبلاده، مؤكدًا أن بيونج يانج لا تزال في حالة حرب مع الولايات المتحدة وستواصل قدراتها الدفاعية.
روسيا والصين استخدمتا حق النقض ضد مشروع قرار لمجلس الأمن، كان من المقرر أن يصدر الشهر الماضي، وينص على فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية نتيجة تحديها للقرارات الدولية وإطلاق الصواريخ والتجارب النووية.
فيما يلي جانب من المناقشات حول معضلة النووي الكوري الشمالي، التي جرت بين المندوبين في جلسة عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي.
أنا إيفستيجنيفا، نائبة المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، دعت إلى رفع العقوبات عن بيونج يانج، وقالت: "كوريا الشمالية تحتاج إلى مزيد من المساعدات، وعلى الغرب أن يتوقف عن تحميل بيونغ يانغ مسئولية التوترات".
من جهته، انتقد السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، تشانج جون، النهج الذي تعتمده واشنطن حيال بيونج يانج، وقال: "التوتر في شبه الجزيرة الكورية أصبح على ما هو عليه اليوم بسبب السياسات الأمريكية"، مطالبًا بـ "تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية".
بدوره، رفض جيفري دي لورنتيس، نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، الاتهامات الموجهة لبلاده، وقال، إن "العقوبات الحالية وتلك المقترحة هي رد مباشر على ممارسات كوريا الشمالية".
أضاف: "نسعى إلى حوار مع بيونج يانج من دون شروط مسبقة.. لقد مررنا هذه الرسالة عبر قنوات خاصة أيضًا، بما في ذلك رسائل رفيعة المستوى من كبار المسئولين الأمريكيين إلى نظرائهم في كوريا الشمالية".
سفير كوريا الشمالية، كيم سونج، لدى المنظمة الدولية في نيويورك، برر التجارب الصاروخية والنووية لبلاده، بالتشديد على أن بنود ميثاق الأمم المتحدة "تنص بوضوح على أن لكل دولة حقوقًا متأصلة في الدفاع عن النفس فرديًا أو جماعيًا".
أوضح كيم أن المشاركة الدبلوماسية والحوار دون شروط مسبقة الذي تطالب به الولايات المتحدة هو مجرد "ستار من دخان" لتغطية سياساتها العدائية، مؤكدًا أن تحديث كوريا الشمالية لترسانتها العسكرية هو ممارسة لحق الدفاع عن النفس، ولحماية أمنها ومصالحها من التهديد المباشر من قبل الولايات المتحدة.
ردود الفعل على التجارب الصاروخية والنووية الكورية الشمالية بدت أكثر انفعالًا في كل من سول وطوكيو، ولجأتا لتقوية تحالفاتهما وتوسيع أنظمتهما الدفاعية.
في سول، أبدى الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك يول، موقفًا أكثر تشددًا تجاه كوريا الشمالية، من سلفه الرئيس السابق مون جيه-إن، الذي فشلت محاولاته لبناء السلام من خلال المحادثات مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في منع بيونج يانج من تطوير برامج أسلحة الدمار الشامل.
قال الرئيس يون: "حتى في هذه اللحظة، تتقدم التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، إلى مستوى التهديد ليس فقط للسلام في شبه الجزيرة الكورية، ولكن أيضًا في شمال شرق آسيا والعالم"، مؤكدًا أن إدارته ستعزز ردع التهديدات النووية والصاروخية، وأنها سترد بحزم وصرامة على أي استفزاز كوري شمالي.
خلال القمة التي عقدت في سول الشهر الماضي، اتفق يون والرئيس الأمريكي، جو بايدن، على بدء المناقشات لتوسيع نطاق التدريبات العسكرية المشتركة، كما أعادت القمة التأكيد على التزام الولايات المتحدة بالردع الموسع لحماية كوريا الجنوبية، بما في ذلك القدرات النووية الأمريكية.
في الوقت نفسه، وزعت وزارة الدفاع في كوريا الجنوبية مواد تعليمية للقوات تشير إلى أن جيش كوريا الشمالية ونظامها هما "عدونا"، وهو ما تجنبت إدارة الرئيس مون جيه إن استخدام مثل هذا التعبير وسط سعيها للحوار بين الكوريتين.
وفي طوكيو، التقى نحو 50 شخصا -لمدة يومين الأسبوع الماضي- في اجتماع عام للاتحاد الياباني لمنظمات ضحايا القنابل الذرية والهيدروجينية "نيهون هيدانكيو"، وتبنوا قرارًا يحتج على التجارب الصاروخية والنووية الكورية الشمالية، بالإضافة إلى تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية في حرب أوكرانيا وإجراء الولايات المتحدة تجربتين نوويتين دون الحرجة عام 2021.
وافق المشاركون على قرار خاص يحث الحكومة اليابانية على الانضمام بسرعة لمعاهدة أممية تحظر الأسلحة النووية، ويشجب القرار مناقشات تجري مؤخرًا في اليابان بشأن ما يدعى بـ "المشاركة النووية"، وهي تعني استضافة الحلفاء لأسلحة نووية أمريكية كعامل ردع، ذكر القرار إن مثل تلك الأفكار تهدم النضال الطويل للناجين من القصف الذري والذين يعرفون باسم "هيباكوشا"، من أجل القضاء على الأسلحة النووية وتدوس على أمنيات الشعب الياباني، ومن المقرر أن يزور الأمين العام لنيهون هيدانكيو "كيدو سويئيتشي" النمسا الشهر الجاري عندما ينطلق اجتماع الموقعين على معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية.
أعرب كيدو عن أمله في إخبار الأجيال الشابة بالأهوال التي يجلبها القصف الذري ومدى لا-إنسانية الأسلحة النووية.
[email protected]