Close ad

خطاب البورصة المفقود

9-6-2022 | 15:36
الأهرام المسائي نقلاً عن

البورصة المصرية تعد من أقدم بورصات العالم، إذ أنشأت عام 1861، وهدفت بالأساس إلى التعامل الآجل في القطن، ليبدأ اتساع نطاق البورصة بالتوجه نحو كونها أداة تمويلية للمشروعات الأجنبية؛ بهدف حشد التأييد لتلك الحكومات، لتصبح البورصة المصرية واحدة من أهم بورصات العالم بكونها في المرتبة الخامسة عالمياً، من حيث عدد الشركات المقيدة، والأسهم المتداولة، ونجاحها في تحقيق الهدف في قدرتها على الجذب الاستثماري وكونها أداة تمويلية ليس للمشروعات القائمة في مصر فقط، وإنما في دول أخرى أيضاً، من خلال طرح أسهم الشركات وجذب الأموال اللازمة لتنفيذ الخطط التنموية لشركات القطاع الخاص التي تطرح أسهمها.

ومع التوجه نحو الاشتراكية بداية فترة الستينيات، بدأ التراجع التدريجي لدور القطاع الخاص، وهو الأمر الذي انعكس على أداء البورصة، ليتقلص دورها في الحياة الاقتصادية، لعدد من العقود، والمتتبع للسينما المصرية في تلك الآونة، سيلاحظ ترسيخ لغة السينما لتلك المفاهيم، ليبدأ تناول مفهوم المضاربة في البورصة وارتباطه بخسارة الأموال، ليتم تحول الثقافة المجتمعية تجاه البورصة والبعد التدريجي عن كونها أداة استثمارية، ليلتصق اسم البورصة سواء بتحقيق الأرباح أو الخسائر كنتيجة للمضاربات، وكأنها الوجه الآخر من صالات القمار.

ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي، بدأ يعود مجدداً دور البورصة في الحياة الاقتصادية، وذلك بالتزامن مع التوجه نحو الخصخصة والرغبة في طرح وتداول أسهم الشركات في البورصة، إلا أن الثقافة السائدة أيضاً لم نبذل الجهد الكافي تجاهها بما يكفي لمحوها، وهو ارتباط البورصة بالأرباح أو الخسائر كنتيجة للمضاربات وليس لجذب استثمارات، لتصبح البورصة خلال تلك الفترة البوابة الرئيسية لمن يرغبون في تحقيق المكاسب السريعة، ودون ترسيخ لفكر التوجه الاستثماري أو تحقيق التنمية الاقتصادية، من حيث كونها أداة لتمويل استثمارات مستقبلية، أو على أقل تقدير بذل الجهود في الترسيخ الفكري لدى المواطنين بأن البورصة هي المرحلة الأولى التي تسبق تأهيل الفرد كي يصبح رجل أعمال يمكن أن يدير مشروعه كاملاً، فبكل بساطة مجرد اختيار أسهم وشرائها يصبح الفرد مالكًا لجزء من المشروع، ويمكن أن يتتبع الأداء المالي لهذا المشروع.

وبتعاقب العقود، لم أر أو ألاحظ أيًا من السادة القائمين أو المحللين المتخصصين في الأوراق المالية من يركز على كون البورصة أداة استثمارية، فالغالب الأعم من تحليلات البورصة ترتبط بالمؤشرات صعوداً وهبوطاً، وتصدير المصطلحات المرتبطة بتلك المؤشرات والتي بكل تأكيد لا يفقهها العامة، لتنحسر الفئة المخاطبة من تلك التحليلات بين فئة السادة المتعاملين في البورصة، والذين لا تزيد نسبتهم عن 0.4% من جملة سكان الوطن، وخاصةً الكبار منهم، والذين في أغلب التقديرات، يعلمون جيداً من أين تؤكل الكتف، ليترسخ لدى العامة بصورة أكبر، وبخاصة مع توالي خسائر البورصة، ذات المفهوم المقترن بفكر المواطن منذ بداية الستينات، وهي أن المقترب من البورصة حتماً سيخسر أمواله، فما يقترن بمخيلة المواطن أنها الوجه الآخر لصالات القمار، والجميع لا يرغب في خسارة الأموال، وبخاصة إذا ما كانت محدودة، لتتركز فرص الاستثمار في البورصة في يد فئة محدودة، لتفقد البورصة خطابها الرئيسي في كونها أداة لحشد الأموال، وجذب الاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال طرح أسهم شركات القطاع الخاص.

فما نرغب أن نعيد ترسيخه من جديد، هو أن البورصة أداة تمويلية وأداة جذب استثماري، ونقطة البداية لتحقيق ذلك هو القطاع الخاص نفسه، أو آية شركة تعلن أو ترغب في طرح أسهمها في البورصة، فالطرح الاولي للأسهم في البورصة لابد وأن يقترن بحملة ترويجية لتوجهات توسعية مستقبلية في الشركة، وليس طرح أسهم بهدف الطرح وفقط، على أن تقترن الخطط التوسعية المستقبلية بجدول زمني مبسط للتنفيذ المتوقع، وبعض المؤشرات عن الإنجازات والأرباح السابقة لتلك الشركة، ومتوقع المكاسب المستقبلية للمستثمر في حالة شراء تلك الأسهم، والذي من المتوقع أن يرتفع عن العائد البنكي، وبالتالي سيصبح طرح الأسهم مقترن بالجذب الاستثماري وتحقيق التنمية الاقتصادية، وليس بيع حصص أو تخليا عن ملكية لشركات خاسرة، وشيئاً فشيئاً سيتم تنشيط سوق الأوراق المالية، وجذب فئات جديدة للاستثمار في سوق الأوراق المالية، وشيئاً فشيئاً ستتغير الثقافة المجتمعية السائدة حول البورصة، لتستعيد البورصة خطابها المفقود منذ عقود عديدة.

* خبيرة اقتصادية 

[email protected] 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: