وسط الحوار المجتمعي الدائر فى الوقت الحالي حول مقترحات قانون الأحوال الشخصية الجديد، عادت للظهور تصريحات مثيرة للجدل حول الزواج الثاني، قالها الشيخ أحمد كريمة مما أثار حالة من الغضب الشديد، حيث صرح بأن استئذان الرجل من زوجته للزواج مرة ثانية لم يرد به نصٌّ في الشريعة الإسلامية، وأن عدم علمها قد يكون مصلحة للأسرة، كما ذكر أن من حق الزوج المسافر إذا لم يستطع الرجوع كل أربعة أشهر أن يتزوج بأخرى فى البلد المقيم فيه، هذه التصريحات قوبلت بموجة من الغضب الشديد جعلت الكثير من الأصوات الناشطة فى مجال حقوق المرأة تدعو إلى ضرورة وضع مادة في قانون الأحوال الشخصية الجديد تُحرم تعدد الأزواج، كما فعلت تونس وهي دولة إسلامية.
موضوعات مقترحة
ومنهم الكاتبة سحر الجعارة التى قالت فى مقال لها : «برغم ما نعلمه جميعا من أن التعدُّد رخصة وليس سنًة ولا فرضًا».. وبرغم يقيننا من أن نصف مشكلات الزواج يأتى من الخيانة وتعدد الزوجات، بالمناسبة هذا الكلام ليس «شأنًا إسلاميًّا»، إنه شأن مصري ما دام من حق المسلم أن يتزوج مسيحية ويعدد معها.. وما دام ينشأ عنه عنف أسري ومشكلات اجتماعية، وفى سياق آخر يؤكد مجلس المرأة ضرورة تنظيم تعدُّد الزوجات، وذلك بتحقق القاضي من شرط علم الزوجة برغبة الزوج فى الزواج بأخرى وموافقتها، وضمان استيفاء العدل بينهما، ومنح القاضي «سلطة التصريح» بالزواج الثاني. طبعًا أمام نهم الذكور سوف نغرق فى تفاصيل الشريعة والفقه.. برغم أن الشريعة ليست «نصًا سماويًّا» بل اجتهاد بشر هم أيضًا مَن ألّفوا لنا الفقه بحسب ثقافتهم وعلمهم.. فقط أنوه إلى أن «تونس»، وهى دولة إسلامية، قد ألغت رسميًّا تعدد الزوجات عام 1956 (تونس تتبع مفتيها ولا تعتد بغضب الأزهر).
من جانبها أبدت الدكتورة هدى بدران رئيس الاتحاد العام لنساء مصر استياءها من تصريحات الشيخ أحمد كريمة عن التعدُّد وقالت لنصف الدنيا: إذا قُرئ القرآن الكريم بالطريقة الصحيحة بمعنى أن نضع كل ما قيل عن التعدُّد بشكل متكامل، أدى هذا إلى تأكيد أن الإسلام منع التعدُّد، ولذا منعت تونس التعدُّد في قانونها، ولشرح ذلك وبالرجوع إلى الآيات نجد أن القرآن الكريم أجاز التعدُّد بشرط العدل الكامل بين الزوجات ماديًّا ومعنويًّا، إذ تقول الآية: «ولن تعدلوا ولو حرصتم»، إذًا القرآن الكريم وهو الكتاب الإلهي واضح وصريح ويمنع التعدُّد، أما الشريعة فهي فتاوى بشر قد يصيبون وقد يخطئون، وأما الشيخ كريمة وأمثاله ممن أفتوا برضاع الكبير، ونكاح البهيمة، فأرجو من الله أن يتولاهم بقدرته فيصمتوا.
وتؤكد الدكتورة كريمة الحفناوى عضو الجبهة الوطنية لنساء مصر: أن جوهر الدين المعاملات التى تؤدى إلى العدل والتراحم والصدق، وجوهر العلاقة الزوجية حسن المعاملة والاحترام والتفاهم والمودة والمحبة، وليس جوهر العلاقة إرضاء غريزة الإنسان الجنسية وإلا أصبحنا مثل بقية الكائنات نمارسها فى أي مكان ومع العديد من الأشخاص، تونس دولة إسلامية منذ عام 1956 ليس بها تعدد زوجات، إننا فى حاجة إلى تفسيرات للدين تتناسب مع المتغيرات التى جرت على الإنسانية والمجتمعات وتتماشى مع آليات العصر، فعندما يرتكب الفرد جريمة يُعاقب هذا هو الجوهر، إنما آلية التنفيذ اختلفت من عصر إلى عصر، فمثلًا قطع يد السارق أو الجلد تم استبدالها بوسائل أخرى وهى السجن، والأصل في الزواج أن تكون واحدة، لأن العدل والإنصاف هما من صفات الله العليا وليس البشر، وحتى الدول التي يوجد بها تعدد زوجات أصبح الزواج الثاني أمام القاضي بحضور الزوجة الأولى، ولها الحق فى عدم الاستمرار فى الزواج وأخذ مستحقاتها كاملة، وهذا موجود الآن فى كل مشروعات القوانين الخاصة بالأسرة والمقدمة إلى مجلس النواب، لذلك فأنا أفضل منع تعدد الزوجات، وبخاصة أن هناك إباحة الطلاق فإذا ما استحالت الحياة بين الزوجين يستطيع الزوج أن يطلقها وهي تستطيع أن تخلعه، وبعدها من حقه أن يتزوج ولكن لا يجمع بين زوجتين.
وتقول فاطمة بدران رئيس مجلس إدارة رابطة المرأة العربية: أتعجب بشدة من تصريحات بعض الشيوخ مثل الشيخ كريمة، وخصوصًا الذي قال فيه: إن الشخص المسافر إذا لم يستطع الرجوع كل أربعة أشهر يتزوج بأخرى فى البلد الموجود به، فمن الذي حدد المدة بأربعة أشهر، ثانيًا ألا يوجد شيء اسمه التعفف للرجل، فهو إما يصاحب أو يزني أو يتزوج، ما هذا المنطق؟ إذا نظرنا إلى الآيات التى ورد فيها التعدد، نرى أنها اشترطت العدل، وقال تعالى: «ولن تعدلوا» فربنا الذى خلقنا يعرف أننا لن نعدل فبالتالى هنا نفي للتعدد، إذًا الأساس هو أن يزوج بواحدة، وهناك حالات أبيح للزوج التعدد ولن أستطيع القول: إنني سأمنع الزواج بأخرى، ولكن لابد من أن يكون ذلك بشروط، و(العدل) لن يستطيع القاضي أن يقرر ما إذا كان الزوج سيعدل أم لا، لأن العدل ليس فقط في الماديات ولكن في المشاعر أيضًا، القانون الحالى يقول: إن المأذون لابد أن يُخبر الزوجة الأولى فى حالة رغبة الزوج فى الزواج الثاني، أيضًا من حق الزوجة الأولى رفع قضية تطليق للضرر، والضرر هنا معنوي لأنه طالما أنها طلبت الطلاق إذًا فهي متضررة ويصبح من حقها الحصول على كامل حقوقها.
تقول الدكتورة هالة يسرى أستاذ علم الاجتماع وخبير الاستشارات الأسرية: من المهم مناقشة المحاور الرئيسية لقانون الأحوال الشخصية بشكل مجتمعي، لكى نفهم من أين تأتي معاناة الناس، ونقاط القوة والضعف، وأشكر نصف الدنيا لتناولها هذا الموضوع بمحاوره الرئيسية فهو اتجاه محمود، حتى يفهم كل مواطن كيف تدور قضايا الأحوال الشخصية، وكيف نرفع الظلم عن كاهل من وقع عليه الظلم من أفراد الأسرة، لذلك وجود قانون ينظم تعدد الزوجات أصبح ضرورة مع سوء استخدام الحق الشرعي، وعند المقارنة بالتجربة التونسية فى منع تعدد الزوجات فلا أوافق عليها لأن هناك نصا صريحا فى إباحة التعدد فى قولة تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء:3].. فقوة وعظمة هذه الآية تبين الإباحة ثم التحديد، وهكذا يجب أن لا يُحرم القانون تعدد الزوجات، ولكن نعود إلى الدستور لأن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وأوافق على أن يتم الزواج الأول بمعرفة المأذون، ودون ذلك يجب أن يكون بمعرفة القاضي، حفاظًا على حقوق الأبناء، والأم التى ترعى الأبناء، وحقوق الأب فى رعايته لأولاده، مع الأخذ فى الاعتبار وضع معايير شديدة الوضوح بالنسبة لإجراءات الزواج؛ حتى لا يعمل الهوى الشخصي للقاضي والأمزجة أو اتجاهاته، وتؤثر فى قراراته فيما يتصل بتعدد الزوجات أو في الحقوق الممنوحة للأبناء وكفالتهم، في النهاية لست مع منع التعدد ولكن الإباحة مع وجود محددات وليس المنع على الإطلاق.
يقول الدكتور سالم عبد الجليل أستاذ الثقافة الإسلامية ووكيل وزارة الأوقاف الأسبق: التعدد نافذة ضيقة لحالات استثنائية، بمعنى أننا أمام مدرستين: الأولى متشددة جدًّا فى أمر التعدد وترفضه بالمطلق، وليس لديهم مانع للأسف من وجود علاقات غير شرعية، لكن لا يعدد ودائمًا تأتينا بعض السيدات وتقول: «ده أنا كنت صابرة عليه لما كان يعمل الغلط جاى يتجوز»، فلا شك في أن هذه المدرسة مرفوضة بالمطلق، وأعتقد أنها المدرسة التى تحاول أن تدعم مسألة القوانين التى تمنع التعدد ولا تنظمه، وهي للأسف تنتهج نهجًا غير سوي وغير صحيح، وفى مقابلها مدرسة أخرى ترى أن التعدد هو الأصل، وفرض ولابد للرجل من التعدد، والحقيقة أن الحكم الشرعي ليس مع هذه المدرسة ولا مع تلك، والمدرستان بالنسبة لنا خاطئتان، إنما التعدد مثل الزواج الأول فلو أن شابًا جاء يسألني فى حكم الزواج سأقول له: إذا كنت قادرًا على الزواج وتخاف على نفسك الوقوع في الفاحشة فالزواج فى حقك واجب، وإذا كنت لا تستطيع الزواج ولا تملكه ولا تملك وسائله، فربما يكون لديه مرض لا يجعله يؤدي الحق الشرعي للزوجة فيكون زواجه حرامًا، وبين الوجوب والتحريم يكون الندب والكراهة والإباحة، وما يقال فى الزواج الأول يقال فى الثاني والثالث والرابع، ماذا لو أن شخصًا لديه قدرة ما ويستطيع أن يتزوج بأكثر من واحدة ولو لم يفعل لوقع فى الفاحشة سيكون الحكم بالنسبة له مختلفًا عن شخص آخر لا يستطيع أن يفتح بيتًا ثانيًا، والقرآن كان واضحًا فى هذه المسألة هو لم يمنع التعدد ولكن نظمه بشيئين: الأول حدده بأربع، والثاني قيده بالقدرة على العدل المادي وليس العدل المعنوي، فإذا كان يخاف الجور هنا يُمنع لقوله تعالى: «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» إذًا سيبقى التعدد كالزواج الأول يدور مع الأحكام الشرعية، وأنا لست ضد أن توضع قوانين تنظم هذه المسألة، وليس بالضرورة أن تكون القوانين مثلا تلزم الرجل بأن يحصل على إذن الزوجة الأولى، لكن القوانين توجب على الرجل إعلام الزوجة لتكون مُخيَّرة على أن تستمر على الوضع الجديد أو أن تطلب الطلاق، ثانيًا أن يكون هناك معرفة بظروف هذا الرجل المادية، وأنه بالفعل يستطيع أن يفتح بيتًا جديدًا، ونغلق باب الزواج العرفي؛ لأنه للأسف نحن لدينا زواج عرفي بنسب كبيرة جدًّا من خلال الفتاوى التى تأتينا، وأخشى ما أخشاه أن مسألة التقييد الشديد للزواج الثاني الرسمي تفتح الباب للزواج العرفي الذي تضيع معه الأنساب والحقوق، فأرجو أن ينظر المشرع فى هذه المسألة، فأنا لست ضد التنظيم ولا وضع قوانين تضبط المسألة فى الزواج الثاني، ولا ضد تغليظ العقوبة على من يعرض الأسرة للمشكلات؛ لأنها فى النهاية هي نواة المجتمع، وصلاحها صلاح للمجتمع، لست ضد أي تقنين للحفاظ على حقوق الزوجة الأولى أو الأولاد وضبط المسألة، إنما أنا فقط ضد التقييد الشديد الذى يُلجئ الناس إلى الأبواب الخلفية، ولو كانت مشروعة لكن تضيع معها الحقوق.
ترى د. إقبال السمالوطي رئيس جمعية حواء المستقبل: التعدد واضح وصريح فى الشريعة الإسلامية، ولا يمكن استصدار قانون يحرمه كما فعلت تونس، إننا فى مصر ملتزمون بالشريعة الواضحة التى لا نقاش فيها، ولكن الملاحظ أن كل فرد سواء متخصص أم غير متخصص يدلي برأيه فى أية قضية دون أن يكون له مرجعية علمية وشرعية، لذلك أرجو ممن يتحدث فى أية قضية أن يكون لديه خلفية علمية ومتخصصا ويفهم فى الفقه، وبالتالي هذه القضية فقهيًّا مردُّها الأزهر الشريف، الذي خرج علينا بأقوال ثابتة فى هذا الأمر، منها التعدد شرعًا حق للرجل إلى أربع زوجات، لكن هذا الحق جاء مشروطًا بشروط واضحة أولها العدل، وإذا لم يستطع الرجل أو خشي ألا يعدل فهذا كاف ألا يعدِّد، والعدل هنا ليس الحب لزوجة دون الأخرى؛ لأن الحب أو النواحى النفسية هو ميل فطرى، ولكن المقصود ليس الميل أو التحيُّز أو التمييز لواحدة دون أخرى، فالعدل فى الإنفاق وفى الحقوق الشرعية، ومن الشروط أيضا ألا يكون التعدُّد سببا فى تشتت للزوج فى أمر دينه، فعندما تتعدد المسئوليات والزوجات والأبناء فهذا يسبب تشتيت جهد الرجل وقدرته المالية وفى أمور دينه الأساسية وهذا هو شرط أساسي.
وتتابع السمالوطى: أجريت عدة دراسات فى هذا الأمر ومنها دراسة تتبعية للمتزوجين من أكثر من واحدة، فوجدنا أن الأغلبية يعودون للزوجة الأولى مرة أخرى ويطلقون الثانية، وفى رأيي الشخصى أن التعدُّد آثاره السلبية تكون كبيرة جدًّا على الرجل وليس على المرأة، فالرجل بعد التعدُّد يفقد الثقة من كل زوجاته، فالأولى تعتبره خائنا للعشرة، والثانية تشك فيه لأنه تزوج على الأولى، وبالتالي يفقد الزوج الحب والمودة من كل الزوجات، وهذا ما لاحظته على مدار خبرتي وما أراه وأتابعه من حالات، لكنْ هناك ظروف وأسباب من حق الزوج فيها أن يتزوج زوجة ثانية، ومن أهمها عدم الإنجاب أو مرض الزوجة الذى يمنعها من أداء دورها كزوجة، أو أن يميل الزوج لسيدة أخرى ميلًا كبيرًا ويحاول ألا يفعل الفاحشة، وهنا أشير إلى أنه يجب أن تقوم مؤسسات الدولة بدور وقائي، ولدينا فى الشرع الكثير الذى يحمى الزوج أو الزوجة من إقامة علاقة عاطفية وهو متزوج، فهناك حدود شرعية للاختلاط يجب أن نراعيها، وطبعًا لا نغفل دور وسائل التواصل فى الكثير من المشكلات الاجتماعية التى نعاني منها حاليا؛ لذلك يجب على مصادر التنشئة كلها والمساجد والكنائس ووسائل الإعلام والأسرة أن تقوى العقيدة والأخلاق والوازع الدينى فى نفوس شبابنا، وأن يفهموا فلسفة الزواج وأنه مسئولية.
وتضيف الدكتورة إقبال السمالوطي أن من حق الزوجة أن تعلم برغبة الزوج فى الزواج بأخرى، وإما أن توافق أو ترفض، وفى هذه الحالة إذا طلقها فعليه أن يتكفل بالنفقة عليها وعلى الأبناء، وكل ذلك لابد من أن يحدده القانون، ولكن لا يمكن أبدًا أن نلغي فكرة التعدُّد؛ لأنه جاء فى نص صريح فى القرآن.