أحسنت جامعة الدول العربية في رسالتها إلى مجلس الأمن هذا العام، لتذكير العالم، بأن هناك شعبًا وحيدًا في العالم، لا تزال أرضه كلها تحت الاحتلال، بمناسبة الذكرى الـ 55 لاحتلال إسرائيل كامل الأراضي الفلسطينية في 5 يونيو 1967.
وقفت قوات الاحتلال الإسرائيلي داعمة للمستوطنين، وهم يمارسون عدوانهم على الحرم القدسي (الأقصى)، ويقتحمون المقدسات الإسلامية، ولم يعفوا المقدسات المسيحية في أثناء تدنيسهم للقدس، وكانت حرب «الأعلام» بارزة في يونيو 2022، الفلسطينيون حملوا أعلامهم، وجعلوها في كل شبر في القدس.
ارتكبت إسرائيل جريمة قتل الفلسطينية “الإعلامية” شيرين أبو عاقلة، وهى تدافع عن مخيم جنين بالميكروفون والكاميرا والكلمة “لم يتحملوها”، إقناعها وحجتها أخافتا إسرائيل وقوات الاحتلال، فتم استهدافها بالقتل بواسطة قناص، ولم يكتفوا بذلك، بل اعتدوا على جنازتها، ولم يتحملوا أن يروا القدس، وقد اشتعلت وخرجت كلها بأعلام فلسطين، كانت صورة مذهلة، شعب أعزل وبطل، يقف لقوات مسلحة مدججة بكل الأسلحة، والشباب بأيديه وبأعلامه يضع الاحتلال بكل قواته وجبروته في موقف الضعف والهزيمة.
رحلت شيرين أبو عاقلة، لكن صوتها يدوي ومن أجلها كل الأصوات الفلسطينية تدوي، وتحيل حياة الاحتلال جحيمًا، كانت إسرائيل صفيقة في قتل فتاة بريئة، في استهداف الكاميرا والصوت ومشهدها العام “بالصوت والصورة”، وهي تستأسد على الشابة وعلى الشعب الأعزل، فعرف العالم كله مآسي الاحتلال وما يتعرض له الفلسطينيون “منذ أكثر من 7 عقود”، منذ أن قامت إسرائيل في المنطقة، ومنذ 5 عقود ونصف العقد، حينما أطبقت على ما تبقى من فلسطين وعلى الفلسطينيين هذا العام 2022.
انكشفت إسرائيل من الداخل، وظهرت حكومتها المتشددة والمتعصبة ضعيفة متهافتة، كانت إسرائيل تريد أن تظهر للمنطقة العربية “التي أقامت معها اتفاقيات سلام” سواء الاتفاقيات القديمة أم الاتفاقيات الجديدة، أنها قادرة عليها، وقادرة على إقامة السلام والاعتراف بالحقوق الفلسطينية والاعتراف بالدولة العتيدة، وإعادة احترام قوانين الأمم المتحدة، فواصلت عدوانها على القدس وعلى المقدسيين، ولم تكتف بقتل شيرين أبو عاقلة، بل امتدت أيديها الآثمة نحو اغتيال صوت آخر قوى “غفران وراسنة” وتسابق جلادوها والقناصون الإسرائيليون لإسكات الأصوات الفلسطينية، متصورين أنهم قادرون عليها، لا يدركون أنهم بهذه الأفعال والجرائم يوسعون الهوة بينهم وبين الشعوب العربية، ويفتحون على أنفسهم أبوابًا من القلاقل والإضرابات لا قبل لهم بها، وأن صلواتهم التلمودية الاستفزازية في باحة المسجد لن تخيف أحدًا، بل توحد المقدسيين والعرب والعالم خلفهم، لكنها سوف تكشف العدوان وتضعه أمام العالم والمنطقة العربية في قفص الاتهام.
كانت صورة إسرائيل بعد 55 عامًا على نكسة يونيو في أضعف حلقاتها السياسية، برغم قوتها العسكرية، وجددت المخاوف العربية في كل قطر عربي، ولدى كل إنسان عربي من الاحتلال الإسرائيلي الذي يجب أن ينتهي في كل البلاد العربية، وأن تحترم إسرائيل تعهداتها والتزاماتها السياسية أمام الشعب الفلسطيني، وتخرج من الضفة والقدس، وتحترم تعهداتها للعالم بقيام الدولة الفلسطينية، في نفس الوقت، تسارع باحترام تعهداتها والخروج من سوريا والتسليم بحق الشعب السوري في الجولان.
ولعلنا كذلك في هذا الاستعراض نقف أمام ما يحدث في لبنان، ومحاولة إسرائيل استدراج اللبنانيين إلى حرب في عرض البحر، باعتدائها على حدودها البحرية، ولعدم التسليم بإتمام الاتفاقيات لترسيم الحدود البحرية في المتوسط واحترام الحقوق المشروعة للشعب اللبناني.
عادت ذكرى النكسة وعاد الاحتلال الإسرائيلي، ليطل علينا بوجهه الكئيب والقاسي على الشعوب العربية في فلسطين وسوريا ولبنان.
ولتدرك إسرائيل أن كل العرب مع الشعوب العربية المحتلة، وأن إقامة السلام الإقليمي له ثمنه الغالي، الذي يجب أن تدفعه باحترام حقوق الآخرين، وباحترام حقوق العرب في أراضيهم، وأن قضية فلسطين تظل قضية حية ولا تغيب عن الضمير العربي تحت أي ظرف من الظروف، وأن القوة لا تفرض السلام والتعايش السلمي.