حتى منتصف القرن الثامن عشر، كانت الزراعة تقريبًا هي العمل الذي يخرج الناس للعمل من أجله في الحقول، بينما أي إنتاج أو تصنيع لأدوات أو منسوجات وغيرها يتم في البيوت.
وذلك حتى قيام الثورة الصناعية في إنجلترا، حيث تطورت الصناعة اليدوية وتدخلت الماكينة؛ ولذلك شيدت المصانع، وعلى أثرها تغير شكل العالم أجمع، اقتصاديًا واستعماريًا، فبعد أن تحولت بريطانيا إلى قوى اقتصادية عظمى بسبب الصناعة، بدأت في فرض سيطرتها على مصادر المواد الخام حول العالم عن طريق الاستعمار.
ومن هنا انتشرت أماكن العمل من مصانع ومكاتب وغيرها، وزادت قيمة العمل كمعنى، فلم يعد الدخل اليومي هو فقط الهدف من العمل، فهناك أيضًا قيم سامية ارتبطت بمفهوم العمل.
أصبح العلم والدراسة والشهادات الدراسية أمرًا حتميًا ومهمًا للحصول على عمل مناسب بتخصصات مختلفة، وكما كان للتقدم العلمي والتكنولوجيا الفضل في هذا التطور الصناعي، كان لها فضل في تغير طبيعة العمل مرة أخرى، بانخفاض عدد العمال في مقابل الآلات، كما سمح بالعمل عن بعد وهو ما بدت ميزته خلال جائحة كورونا.
لكن نفس التكنولوجيا نجحت في إهدار قيمة العمل؛ بل والعلم أيضًا، ففي حين يعمل الكثيرون بجد واجتهاد، ويفني البعض عمره في الدراسة والعلم حتى يصل لأعلى المراتب العلمية، نجد آخر قد حقق الملايين من محتوى تافه على مواقع التواصل الاجتماعي.
أغنية هابطة، فتوى دينية لا أصل لها، شائعات وخوض فى أعراض المشاهير، المهم هو عدد الإعجاب ومدى نشر هذا المحتوى.
بأي منطق يمكن أن نقنع أبناءنا من الجيل الجديد "جيل السوشيال ميديا"، بقيمة العلم وأهمية العمل في زمن ولت فيه تلك القيم أمام فيضان الإنترنت الذي سهل المهمة ووفر جهدًا كبيرًا، ودمر حياة البشر وساقها إلى المجهول.