Close ad

رصدت 100 مليار يورو لإعادة التسليح.. ألمانيا تتخلى عن سيـاسة الحمائم

7-6-2022 | 22:38
رصدت  مليار يورو لإعادة التسليح ألمانيا تتخلى عن سيـاسة الحمائمالجيش الألماني
إيمان عمر الفاروق
الأهرام العربي نقلاً عن

بعد نهاية الحرب الباردة خفضت ألمانيا ميزانيتها الدفاعية واستخدمت جيشها للمساعدة فى مهمات حلف «الناتو»

موضوعات مقترحة

الحرب الأوكرانية، مثلت صدمة لحالة السلام الناعم، التى هيمنت على العقيدة الألمانية لعقود طويلة، منذ أن جرت عملية تقليم أظفارها بنجاح فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، ودفعتها للاستيقاظ، لكن الخطوات التى اعتمدتها برلين، والمتمثلة فى زيادة المخصصات المالية الدفاعية، من شأنها مساعدة الجيش الألمانى على النهوض، واستعادة مكانته اللائقة، بعد أن عانى محدودية الموارد والقدرات، بما لا يتناسب مع جيش أكبر اقتصاد أوروبى، ورابع أكبر اقتصاد فى العالم، بعد كل من الولايات المتحدة والصين واليابان.

لكن ليس إلى المستوى الذى يشكل تهديدا بالغا على المدى القريب، وإن كانت الخطوة فى حد ذاتها تكشف عن نيات ألمانيا العسكرية، التى مثلت الحرب الأوكرانية فرصة أمامها، لتفلت من سباتها، وتطل على العالم بوجه ملامحه أكثر قسوة لم يعهدها منذ زمن طويل.

وأبرمت الحكومة الألمانية اتفاقا مع المعارضة المحافظة، من شأنه السماح بتخصيص 100 مليار يورو، لتحديث الجيش الألمانى فى وجه التهديد الروسى، ويعد الإفراج عن تلك الأموال لتسليح الجيش انقلابا فى السياسة الألمانية، التى قلصت حجم جيشها بشكل كبير منذ انتهاء الحرب الباردة من نحو 500 ألف جندى، عام 1990 إلى 200 ألف اليوم.

 

صفعة قوية

الإستراتيجية الطموح لزيادة الإنفاق العسكرى، لا ترقى لأن تشكل تهديدا لأطراف دولية، كما قد يتصور البعض فى الوقت الراهن على الأقل، فهدف 2% لن يتحقق بشكل متساو كل عام، نظرا لحدوث تقلبات فى شراء الأسلحة، على نحو ما أوضحت أخيرا رئيسة الحزب الاشتراكى الحاكم بألمانيا زاسكيا إسكن، فيما وصف بأنه صفعة قوية «لنقطة التحول» الألمانية.

الدكتورة كلوديا ميجور - رئيس قسم الأبحاث، بالمعهد الألمانى للشئون الدولية والأمنية فى برلين - تتساءل الآن، وقد تم الاتفاق على مبلغ 100 مليار يورو إضافية، أين تكمن أولويات الإنفاق فى ألمانيا بعد عقود من خفض التمويل؟ من المرجح أن يتم توجيه الضخ النقدى الجديد لرفع قدرات الجيش إلى حيث كان ينبغى أن يكون بالفعل.

وكان لدى ألمانيا قائمة  مشتريات عسكرية طويلة ومكلفة، لما يقرب من عقد من الزمان لم تتمكن من تلبيتها، على الرغم من زيادة الميزانية كل عام، واليوم فإن مبلغ ال100 مليار يورو يكاد يغطى تكلفة عناصر تلك القائمة، والتى تشمل طائرات إف 35 ومروحيات النقل الثقيلة وأنظمة دفاع جوى، ويجرى التنسيق مع كل من فرنسا وإسبانيا فى هذا الشأن، ودبابات قتال جديدة، يتم تطويرها بالتعاون مع فرنسا.

المعضلة أنه فى حين أن كبار الضباط العسكريين، قد يرغبون فى شراء بعض الطائرات دون طيار باهظة الثمن، أو الغواصات والسفن الحربية، وزيادة حجم القوات بنحو 20 ألف جندى إضافى، فقد لا تكون هناك ببساطة ميزانية لذلك بعد تلبية القائمة الحالية!

صدر أخيرا تقرير للبرلمان الألمانى عن الجيش، لكنه كان مخيبا للآمال، حيث وجد أن 50% فقط من بعض المعدات الرئيسية تعمل بشكل فاعل، بينما تفتقر  إلى عدد من العناصر الأساسية، مثل السترات الواقية من الرصاص والملابس الخاصة، لإبقاء الجنود فى حالة دفء فى الطقس البارد.

الواقع الأمنى

يرى محللون، أن أحد أهم الأشياء التى تحتاج إليها الدول الأوروبية بالفعل، خصوصا إذا كانت تعمل على إعادة النظر فى خططها العسكرية ومدى ملاءمتها لمتغيرات ما بعد الحرب الأوكرانية، هى قابلية العمل البينية، فإذا نجحت الدول الأوروبية فى التعاون فيما بينها بمجال تطوير الصناعات الدفاعية، فيمكنها حينئذ جنى المزيد من الأموال، وإنفاقها بشكل أكثر حكمة، يحقق فائدة تفوق ما تنفقه كل دولة بمفردها.

خبيرة الشئون الدفاعية جان بوجليرين، والتى ترأس مكتب برلين بالمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، تقول إنها راقبت تلك التطورات الأخيرة  فى ذهول، وهى لا تكاد تصدق ما تسمعه، وتضيف أنها طالما شاهدت حلفاء ألمانيا لسنوات يحثونها على تكثيف الإنفاق الدفاعى، وتعزيز الدور القيادى، بينما رفضت ألمانيا ذلك الأمر مرارا وتكرارا، بل إن بند «الإنفاق الدفاعى» لم يكن مطروحا بانتخابات البلاد بالخريف الماضى كقضية انتخابية، وفى تقديرها أن السبب الرئيسى لذلك، يرجع إلى أن المواطنين الألمان لم يشعروا بالتهديد لفترة زمنية طويلة جدا، ولم يدركوا قط أن واقعهم الأمنى هش للغاية، لقد تعاملوا مع فرضية تعرضهم للخطر كفكرة سخيفة غير جديرة بالاهتمام، بل غير واردة بالأساس.

وأشارت إلى أهمية، تخلى ألمانيا عن اعتمادها على الولايات المتحدة الأمريكية، وأن ألمانيا بحاجة إلى أن تصبح شريكا على قدم المساواة بحلف شمال الأطلنطى، وهذا لا يعنى فقط تقاسم الأعباء، لكن أن يكون لها منظور ودور أكثر فاعلية فى صياغة عملية تطور الأمن الدولى، فألمانيا لا تشعر بالقلق حيال روسيا فقط، بل من الصين أيضا، ومن ساكن البيت الأبيض فى 2024 فمن الصعب التنبؤ، بما ستكون عليه علاقة ألمانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فإن وجود جيش ألمانى قوى، من شأنه مساعدة ألمانيا على مواجهة حالة عدم اليقين عالميا.

«لم يعد مستعدا للقتال»، فى هذا الكتاب المهم يكشف الخبير العسكرى كونستانتين وايزمان، قصة معاناة الجيش الألمانى، فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، فمأساة الجيش الألمانى لم تقف عند حد تدميره، بل تكمن بالأساس فى الإحساس بالعار الذى رافق مستقبل ألمانيا العسكرى منذ ذلك الحين، والأكثر خطورة من ذلك حسب تحليل وايزمان «الأثر الممتد لهذا الدمار حتى اللحظة الراهنة، فكثير من المشكلات التى يعانى منها الجيش الألمانى اليوم تنبع من تلك الحقبة، لأننا ببساطة لم نعد نشعر بالارتياح لوجود جيش».

ويضيف وايزمان قائلا: «المشكلة متجذرة فى التاريخ الألمانى، لذا يجد الشعب الألمانى ذاته، صعوبة فى تجاوزها فألمانيا الهتلرية، سخرت جميع الصناعات لخدمة الأغراض الدفاعية، وبين عشية وضحاها تحول كل شىء إلى رماد».

يستطرد قائلا: «المال ليس كل شىء، فالعجز الهيكلى بالجيش الألمانى عميق جدا، وينبغى إيجاد حلول للأزمة الهيكلية قبل إنفاق المليارات على المعدات»، وبعد نهاية الحرب الباردة خفضت ألمانيا ميزانيتها الدفاعية، واستخدمت جيشها ليس لحماية وطنها، بل للمساعدة فى مهمات حلف شمال الأطلنطى فى الخارج مثل كوسوفا وأفغانستان.

أعواد المكنسة

عانى الجيش الألمانى كثيرا لدرجة أنه فى عام 2015، أثناء مناورات مشتركة مع حلف شمال الأطلنطى، اضطرت القوات الألمانية لاستخدام أعواد المكنسة المطلية باللون الأسود، بدلا من البنادق بسبب نقص المعدات لديها!

وقد أفردت صحيفة «واشنطن بوست»، فى حينها تقريرا مطولا عن تلك القصة المخزية، وأشارت إلى أن الجيش الألمانى واجه نقصا بالمعدات لسنوات، لكن الوضع أصبح محفوفا بالمخاطر، لدرجة أن بعض الجنود تولوا زمام الأمور بأيديهم.

وحاول البعض منهم إخفاء النقص فى الأسلحة، من خلال استبدال المدافع الرشاشة الثقيلة بعصا المكنسة، خلال مناورة لحلف شمال الأطلنطى بعد طلاء العصى الخشبية باللون الأسود، وقام الجنود الألمان بإلصاقها بأعلى المركبات المدرعة على وجه السرعة، وفقا لتقرير سرى للجيش تم تسريبه فيما بعد لقناة «إيه أر دى» فيما مثل أقسى، وأقصى لحظة إحراج لوزارة الدفاع الألمانية، ودفع السياسيين المعارضين للإعراب عن مخاوفهم بشأن قدرة ألمانيا على الدفاع عن نفسها، بالنظر إلى أنه حتى بعض قوات النخبة باتت تفتقر إلى المعدات القتالية الأساسية.

لم يكن نقص المعدات، مفاجأة للمراقبين المقربين من دوائر صنع القرار الألمانى، ففى عام 2014 أبلغت لجنة الدفاع البرلمانية، أنه من بين 89 طائرة مقاتلة ألمانية، هناك 38 فقط جاهزة للاستخدام، وشملت قائمة العناصر المتضررة كذلك طائرات هليكوبتر، فضلا عن مجموعة متنوعة من الأسلحة.

المال وحده لا يكفى

فى مقابلة مع صحيفة «نيو أوسنابروك»، الألمانية منذ سنوات، قال جيم أوزديمير، والذى كان رئيسا لحزب الخضر لمدة عشر سنوات، والذى يشغل حاليا منصب وزير الغذاء والزراعة: «الأزمة لا تكمن فى نقص التمويل فقط، بل فى عدم كفاءة توظيف الموارد المالية، تمتلك جيوش أوروبا عشر قوة الجيش الأمريكى، على الرغم من أنها تتكلف تقريبا نصف ميزانية الدفاع للولايات المتحدة الأمريكية».

وفى عام 2013 أنفقت ألمانيا 1.3%، فقط من ناتجها المحلى الإجمالى على الدفاع، وهى نسبة أقل من متوسط إنفاق الأعضاء الأوروبيين فى الناتو.

المحلل العسكرى توماس ويجلد، يرى أنه فى الوقت الذى تعيد فيه ألمانيا بناء جيشها، سوف تشعر أوروبا بمزيد من الأمان، فهو يستبعد احتمال أن يرى الأوروبيون ألمانيا القوية عسكريا على أنها تهديد، بل على العكس، فغالبا ما يتوقعون من ألمانيا بقوتها الاقتصادية، أن تقوم بدورها على الصعيد الأمنى.

وفى وقت سابق من مارس الماضى، تعهدت ألمانيا بشراء ما يقرب من ثلاثين  طائرة من طراز إف - 35 من شركة لوكهيد مارتن، لتحل محل أسطولها البالغ من العمر 40 عاما من طائرات تورنادو، والطائرات النفاثة وتلك هى مجرد البداية.

لكن حتى مع الاعتمادات المالية الجديدة المخصصة للدفاع، ستظل ألمانيا تحاول اللحاق بالركب، فالأمر لا يعنى أن من شأن تلك المخصصات الهائلة إحداث طفرة نوعية غير مسبوقة فى القدرات القتالية، بل إن ألمانيا قبل كل شىء فى احتياج، لتمويل ما يجب أن يكون موجودا بالفعل، كالطائرات المقاتلة الحديثة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة