الرؤية المستقبلية لمعايير جودة العمل الدعوي.. واحدة من أهم القضايا والموضوعات الملحة فى واقعنا الدعوى، والتى طرحها الدكتور محمد إسماعيل، من علماء الأوقاف، عبر أطروحته البحثية التى نال بها درجة العالمية الدكتوراه. الباحث يسعى من خلال أطروحته لبناءً منظومة متكاملة تشتمل على معايير وممارسات تتوافق مع ثوابت الدين، ونهوضا بالعمل الدعوى بما يحقق رضا الله سبحانه وتعالى، ثم رضا المستفيدين عبر تلبية احتياجاتهم من العملية الدعوية.
موضوعات مقترحة
وأشار إسماعيل إلى أن مفهوم الجودة العالمى يعود إلى الإسلام الذى دعا أتباعه إلى الإحسان والإتقان فى كل الأعمال، مشددا على ضرورة تطبيق أحدث نظم الإدارة والتطوير المستمر لوسائل الدعوة وأساليبها وجودتها، ووضع الداعية فى موقع القيادة للمجتمع.. وغيرها من القضايا الأخرى التى نتناولها مع العالم عبر سطور الحوار التالى.
ما المقصود بالرؤية المستقبلية معايير جودة العمل الدعوي؟
المقصود هو بناء منظومة متكاملة تشتمل على معايير، ومؤشرات، وممارسات تتوافق مع ثوابت الدين، وتهدف إلى النهوض بالعمل الدعوى بما يحقق رضا الله سبحانه وتعالى، ثم رضا المستفيدين عبر تلبية احتياجاتهم، من العملية الدعوية.
وماذا عن مفهوم الجودة؟ وهل تدخل فى العمل الدعوى؟
مفهوم الجودة مفهوم عالمي، كما أنه دخل كثيرًا مع التخصصات، وله أثر فعال فى كثير من المؤسسات، ومن المفاهيم التى دعا إليها الإسلام، وليس أمراً جديداً مستحدثاً كما هو معروف عند البعض، ومنسوب إلى بعض العلماء الغربيين، بل الأمر يعود فى حقيقته إلى الإسلام الذى دعا أتباعه إلى الإحسان، والإتقان فى كل الأعمال بما يحقق رضا الله سبحانه وتعالى، ثم رضا المستفيدين من هذه الأعمال، ولا يخفى على أحد أن مفهوم الجودة فى العصر الحديث من المفاهيم سائدة الانتشار، ومن الركائز المهمة التى تسعى الجهات، والمؤسسات المختلفة، والبرامج المتنوعة إلى تحقيقها، وبيان أهميتها، والسعى المتواصل للحصول على الاعتماد المرتبط بذلك.
هل يمكن فعلاً تطبيق نظام الجودة فى العمل الدعوي.. ويكون له أثر فعال؟
نعم بكل تأكيد، فمن أهم المؤسسات المجتمعية التى ينبغى أن تسعى لتحقيق الجودة فى عصرنا الحاضر المؤسسات الدعوية، وأعنى بها المؤسسات التى تقوم على إعداد، وتكوين الدعاة علمياً، وتربوياً، وثقافياً، كالكليات الشرعية التابعة لجامعة الأزهر، وغيرها من الجامعات خارج مصر، وكذلك المؤسسات التى تعنى بتوظيف، وتأهيل الدعاة بعد التخرج، كوزارة الأوقاف المصرية، وإدارة الوعظ والإرشاد التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، حيث إن هذه المؤسسات تواجه اليوم تحدياً كبيراً يتمثل فى كيفية إعداد الدعاة المتميزين؛ ليكونوا على قدر المسئولية للتعامل مع التطورات المجتمعية المختلفة الناشئة.
وعملية التطوير تبدأ أولاً بالتعرف على الإيجابيات، وتعزيزها، وثانياً: تشخيص النقص، بالتعرف على السلبيات، وتفاديها، والاستفادة من تجارب الآخرين، وخبراتهم، فالأجيال تتعاقب، وتتغير طبائعهم، وأفهامهم، وأفكارهم.
ولماذا تحديدا اختياركم لقضية الرؤية المستقبلية لمعايير جودة العمل الدعوي؟
أسباب اختيارى لهذه القضية ترجع إلى انتشار مصطلح الجودة، ودخوله فى أكثر المجالات، وكل التخصصات يجعل من الضرورى الإفادة منه فى وضع رؤية مستقبلية للعمل الدعوى تقوم على تطبيقات الجودة، وحاجة الخطاب الدعوى إلى نظم، ومعايير دقيقة لقياس درجة الجودة فى الأداء الدعوي، وايضا حماية الخطاب الدعوي، ووقايته من الدعوات التى تُنسب زورًا إلى الفكر الاسلامى الأصيل، وتحاول التسلل إلى كيانه، وبنيته، كدعوات الغلو، والتطرف، والفرق المنحرفة.
وما هدفكم من هذا الموضوع؟
أهدف إلى الوقوف على مدى توافر معايير للجودة فى مؤسسات العمل الدعوي، وتقويم العمل الدعوى فى ضوء معايير الجودة العالمية، ووضع قواعد لمعايير الجودة فى العمل الدعوى استرشادًا بالمعايير الدولية المعتمدة بما يتفق مع ثوابت الدعوة، وقطعيات خطابها، وشرعية وسائلها، ونشر الوعى بأهمية ثقافة الجودة، والإتقان وأثرها، فى تطوير العمل الدعوى بين العاملين فى المنظومة الدعوية، إضافة لتأسيس منظومة من المؤشرات الدعوية المتعلقة بجودة الدعوة: تمكننا من قياس، ومتابعة جودة الدعوة بطرق علمية ترتكز على مجموعة من المؤشرات المعمول بها فى المنظمات الدولية، وايضا إعادة المسجد كما كان منارة حضارية لمجتمعه من خلال: تعدد مجالاته الإصلاحية، وشمولية رسالته، وواقعية معالجته، لقضايا محيطه المسلم، وغيره.
وما أهمية قضيتكم موضوع البحث؟
يتوقع أن تفيد الدراسة الحالية بإذن الله وتوفيقه مؤسسات التعليم العالى (الكليات الشرعية بجامعة الأزهر) فيما يلي: أولا إلقاء الضوء على الواقع الحالى لمؤسسات إعداد الدعاة للوقوف على جوانب القوة والضعف بالنسبة لها، وثانيا: تقديم قائمة مقترحة لأهم معايير الجودة التى يمكن أن تطبقها مؤسسات إعداد الدعاة لتحسين جودة الاختيار للطلبة، وجودة البرامج، للوصول على جودة المخرجات التى تسهم بشكل فاعل فى جودة العمل الدعوى مستقبلا، وثالثا: يتوقع أيضاً أن تفيد الدراسة بحول الله وتوفيقه مؤسسات توظيف الدعاة (وزارة الأوقاف، ومجمع البحوث الإسلامية) فى إلقاء الضوء على الواقع الدعوى لمؤسسات توظيف الدعاة للوقوف على جوانب القوة، والضعف، وإبراز الإيجابيات، والسلبيات، لتعزيز هذه الإيجابيات، وتلافى ما يمكن من السلبيات.
وماذا عن نتائج رحلة بحثكم؟
توصلت لبعض النتائج التى انتهيت إليها من خلال بحثى لهذا الموضوع المهم، وهى أن الجودة فى المؤسسات الدعوية، وكذلك أداء الدعاة تحتاج لمعايير، ومؤشرات لمراقبتها، وضمان تحققها، ويتم تطويرها، وتحديثها بصفة مستمرة، حيث تعتبر المعايير بمثابة المحك الذى يقاس فى ضوئه مستوى أداء المؤسسات، والأفراد، وذلك للبعد عن الذاتية فى الحكم على هذا الأداء، وما هذا البحث إلا بداية للعناية بهذا الأمر، كما ظهر من خلال البحث أن هناك كليات تهتم بتخصص الدعوة الإسلامية، من خلال العناية بمقررات الدعوة الإسلامية، والخطابة، وما يتعلق بأصول الدعوة، ووسائلها، مما يسهم بصورة جيدة فى حسن الإعداد لمن يتقدمون بعد التخرج لوظيفة إمام وخطيب، او واعظ.
ويوجد في بعض الكليات الشرعية قصور فى العناية بتخصص الدعوة الإسلامية مما يجعل هناك تبايناً بين خريجيها، وخريجى الكليات الأخرى، وهذا بلا شك سوف يؤثر فى قدرة الخريج على ممارسة الدعوة مستقبلا، وأن بعض الكليات الشرعية تهتم بمسألة التدريب العملى (المهني) فى فترة الإعداد، ورسم سياسات جيدة للارتقاء بهذا الجانب المهنى فى مرحلة الإعداد، وكانت كلية الدعوة على رأس هذه الكليات، بل هى الكلية الوحيدة التى تهتم بهذا الجانب، كما توجد لدى مؤسسات التوظيف استراتيجية محددة لاختيار الدعاة، والوعاظ، لكنها تحتاج إلى تطوير، وضبط وفق معايير جديدة.
كما ظهر لى من خلال البحث مدى الحاجة إلى بحوث كثيرة تتعلق بتوظيف الجودة فى العمل الدعوي، خاصة مؤسسات التوظيف سيراً على نفس النسق الذى اتخذته جامعة الأزهر من وضع معايير لكل الكليات الشرعية, وتخصصاتها المختلفة، مع أهمية تطبيق معايير الجودة على الدعاة بما تتضمنه من مؤشرات فى مختلف الجوانب، والأنشطة الدعوية؛ لقياس الأثر الدعوى لهم، والعناية بجودة الدعاة بداية من اختيارهم، وإعدادهم، وتوظيفهم فى العمل الدعوى منهج نبوى قديم، وظهر هذا الأمر من خلال الحديث عن منهج النبى [ فى إعداد الدعاة، وهذا يؤكد سبق الإسلام فى هذا الميدان المهم، إضافة لمدى الحاجة للاستفادة من الأبحاث العلمية فى تطوير مناهج الدعوة الإسلامية فى الكليات الشرعية، وكذلك فى تطوير الخطط الدعوية المستقبلية.
وما أهم التوصيات والمقترحات التى ينبغى العناية بها والعمل على تحقيقها من وجهة نظركم فى هذه القضية المهمة؟
هناك جملة من التوصيات أهمها أنه ينبغى التعاون بين المؤسسات من أجل وضع معايير للعمل الدعوى أكثر دقة، وفاعلية للمساهمة فى تحسين الأداء للأفراد، والمؤسسات، وما هذا البحث إلا بداية لهذا الأمر، والعمل على تطوير آليات أفضل لاختيار الطلبة فى الكليات الشرعية، تتضمن اختبارات، ومعايير مقننة لانتقاء، واختيار الطلاب بالكليات الشرعية، تقدم للطلاب الراغبين فى الالتحاق بتلك الكليات، وذلك ضمن شروط، ومتطلبات الالتحاق، وتفعيل دور المقابلات الشخصية فى اختيار المتقدم للالتحاق بالكليات الشرعية بما يحقق جودة المدخلات، والتى ينبنى عليها جودة المخرجات.
كما ينبغى وضع آليات لمراقبة نتائج الأنشطة الدعوية، والعمل على قياس دورى لجودة الخدمات التى تقدمها المؤسسات الدعوية، مع ضرورة التطوير الدورى لإمكانات، وقدرات هيئات التدريس بالكليات الشرعية، واطلاعهم باستمرار على مستجدات الواقع المعاصر، من خلال برامج تدريب متطورة.
ختاما.. هل يمكن اعتماد ميثاق أخلاقى للعاملين فى مهنة الدعوة إلى الله تعالى كميثاق الشرف الاعلامى والصحفى عندنا؟
نعم بالتأكيد، يمكن اعتماد ميثاق أخلاقى للعاملين فى مهنة الدعوة إلى الله تعالى، سواء القائمون على عملية إعداد الدعاة (أعضاء هيئة التدريس) بالكليات الشرعية، أم الذى يقومون فعلاً بممارسة العمل الدعوى عن طريق وزارة الأوقاف المصرية، وإدارة الوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف، فالمعلم (عضو هيئة التدريس)، أو الداعية قد وضع كل منهما نفسه فى موضع يُنتظر منه أن يؤثر فى غيره تأثيراً واضحاً، وهو بالدرجة الأولى تأثير أخلاقي، إذ لا فائدة من مادة دراسية يقدمها أستاذ، أو مواعظ وأحكام يقدمها داعية إذا لم تدعم بحس، وممارسة أخلاقية.