الشيخ محمد صديق المنشاوى.. الصوت الخاشع واللفظ الباكى
موضوعات مقترحة
اختلفوا على أسباب موته لكنهم اتفقوا على جمال وحلاوة وعذوبة ورقى صوته تباينوا على مواقف خاصة أحاطت والمت به لكنهم اتحدوا على إمامته العظمى فى دولة التلاوة فهو نشيد صوتى بطبعه، وهندسة صوت بالوراثة وبعلم مكتسب، براءة قراءة من شهرة نفاق لكنه مكين أمين بالصوت الخاشع حفيظ عليم بفيض من عطاءات خالق الصوت والصورة والهيكل والروح والجسد عموما، فواهب التجليات يمنحها لمن يشاء سبحانه وتعالى جل شأنه وكما يؤتى الله الملك لمن يشاء، فإنه يعطى الجمال لمن يشاء مثل جمال الصوت، فكان الشيخ محمد صديق المنشاوى (١٩٢٠/١٩٦٩) المتوج فى دولة التلاوة المتربع على عرشها إلى يوم القيامة، وفى سن مبكرة من باكورة العمر أتم الشيخ محمد صديق المنشاوى حفظ القرآن الكريم.
وهو ابن الثمانى سنوات، فقد حفظه على مراحل فقد حفظ ربع القرآن الكريم فى عام ١٩٢٧ عندما استقر فترة من الزمن مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد فى القاهرة ثم عاد إلى بلدته المنشية بسوهاج فأتم حفظ الباقى من القرآن على يد عدد من المشايخ. وهم : رشوان أبومسلم ذلك الشيخ الجليل الذى صار فيما بعد قدوة الطفل الشيخ محمد صديق المنشاوى إذ كان الشيخ أبو مسلم لا يتقاضى أجرآ على تعليم القرآن الكريم ثم على يد الشيخ محمد أبو العلا ثم الشيخ محمد النمكى. وكل واحد من هؤلاء مدرسة فى حد ذاته كل له سلوب، كل متمكن يعلم بطريقة تربوية تتخذ من منهج القرآن الكريم نفسه بساطًا لتعليم القرآن الكريم. وكما هدى الله الشيخ الطفل محمد صديق المنشاوى إلى التعلم على يد هؤلاء. فإن الله اصطفاه بعائلة طيبة مطهرة بنور القرآن الكريم فجده الكبير الشيخ (تايب) علم فرد فى سوهاج ويشار إليه بالبنان لمن يسأل عن يد من أتعلم القرآن الكريم وعلومه؟ كما كان الشيخ (صديق) والد الشيخ محمد صاحب صيت فى تلاوة القرآن الكريم وصاحب سطوة بين المقرئين فى الصعيد من أسوان إلى بنى سويف.
كانت الإنطلاقة الأولى لمحمد صديق المنشاوى السهر مع والده الشيخ صديق فى السرادقات بالاماكن المجاورة لهم بالمنشيه ثم السفر إلى ربوع سوهاج من طهطا إلى شطورة من قرية الشيخ زين الدين إلى قرية الشيخ رحومة ثم مواصلة سرادقات التعزية وسرادقات الاحتفالات الرمضانية وموالد الأولياء والصالحين فى قرى سوهاجية مثل المدمر وأخميم والمراغة وساقلته وما شطة.
وغيرها من قرى ذات تجمعات صغيرة وأخرى ذات تجمعات حاشدة كبيرة.. (مدد يا سيدى عبد الرحيم ياقناوى يا ساكن محافظة قنا).. هكذا كان يردد الصوفية والدراويش بأصواتهم وسط جموع المحتفلين بمولد العارف بالله (عبد الرحيم الفتاوى) لكن الغالبية من الناس كانت ملتفتة بأبدانها وهى تصغى باذانها إلى الشيخ صغير السن اسمه الشيخ محمد صوت يدخل المستمع الصمت ويدخل المتنصت إلى واحة الخشوع وعرف الناس أن هذا القارئ هو الشيخ محمد ابن الرجل المشهور الذى اعتادوا على سماعه فى المولد أنه الرجل الطيب صديق المنشاوى، انهالت التبريكات وكثرت كلمات الإعجاب وفاز الشيخ محمد صديق المنشاوى بمعرفة جمهور كبير نتج عنه فيما بعد محطات أو صلته إلى الإذاعة المصرية معتمدًا فيها كقارئ القرآن ثم طار صوته فى الآفاق أو طار هو بصوته إلى العديد من دول العالم مثل ماليزيا واندونيسيا والعراق وفلسطين وليبيا وسوريا والسعودية وقرأ فى المسجد النبوى بالمدينة المسجد الحرام بمكة المكرمة.
لقد صقل محمد صديق المنشاوى نفسه بعلوم القرآن الكريم وأجاد فن المقامات وتسلطن فى دولة التلاوة منذ الخمسينيات وإلى الأن وظهر وسط وبين كوكبة فى قراء القرآن الكريم مثل مصطفى اسماعيل ومحمود خليل الحصرى ومحمود على البنا ومنصور الشامى الدمنهورى وعبدالباسط عبدالصمد وغيرهم وكانت له قراءات مشتركة مع الشيخ فؤاد العروسى وكامل يوسف البهتيمى وكان قارئا راتبًا فى عدة مساجد بالقاهرة ورغم شهرته التى طبقت أفاق الأرض شرقًا وغربًا داخليًا وخارجيًا وإرتفاع سعر إحيائه الليالى فى سرداقات التعزية والمناسبات الدينية إلا أنه قد إشتهر عنه عدم مقاولته على أجر حق التلاوة أو معارضة من يساوم وهو يسوف معه على الأجر أيضًا كان يقرأ لأهالى الموتى الفقراء دون أجر وقد ذكر عنه أنه إكتفى بالجنيه المعدنى دون الجنيه الذهبى إكرامًا للقرآن الكريم فكان القدوة الحسنة للقراء فى تلك الناحية المجتمعية مما جذب المواطنين إليه إلى شخصه النبيل وسمته الأصيل وإلى جبلته الطيبة وإلى ذاته المتفردة بتعاليم القرآن ومنهاجه الأخلاقية.
وقد بما قال الأولون : كل صاحب نعمة محسود وفى عين الحسود ما يحطم الحجر الجامد والحديد الصلب. فقد تعرض الشيخ محمد صديق المنشاوى إلى حسد الحساد نظرآ لجمال صوته وتأثيره فى الناس لذلك كان الشيخ محمد صديق المنشاوى تدركه الأمراض كثيرًا وليت الأمر وقف بالمعترضين على نعم الله على عباده عند هذا الحد الحسدى بل تفاقم الأمر إلى محاولات قتل الشيخ.
تعددت روايات قيلت حول رحيل الشيخ المنشاوى وهو فى العمر الصغير، روايات اصطلحت بالواقع وأخرى اصطدمت بالوقائع منها: أن رجلاً عرف عنه بأنه يحقد على الشيخ محمد صديق المنشاوى كثيرا ويطارده فى الرايحة والجاية، وهذا الرجل علق على قراءة المنشاوى بعيون الحسد ولسان النفاق فقال: «له حنجرة يرى منها الماء».. ثم نفخ فى الهواء وبعد لحظات من هذا الموقف خرج دم من فم الشيخ محمد صديق المنشاوى تم نقله إلى المستشفى فتوفى بعدها بأيام.
وهناك رواية توضح محاولات قتله مع سبق الإصرار والترصد أن هناك رجلا ثريا من أبناء قنا قد توفى فأحيا الشيخ المنشاوى أربعينية هذا الثرى الذى يدعى ( محمد حسان الهندى ). فتم دس السم للشيخ المنشاوى إلا أن الطباخ أدرك المنشاوى قبل الأكل فامتنع وإن كان قد أكل بعض لقيمات.. ومات بعدها.
ولكن البعض يرجح أن الشيخ محمد صديق المنشاوى قد أصيب فى عام ١٩٦٦ بداولى المرىء وكان يعالج منه على فترات واستمر فى تناول العلاج إلى أن أدركته الوفاة فى يوم الجمعة ٥ ربيع الثانى ١٣٨٩ هجرية الموافق ٢٠ يونيه ١٩٦٩.. رحمه الله.. رحل صاحب الصوت الخاشع أو الصوت الحزين أو الصوت الباكى أو الصوت الحنون.